أولياء الكنيسة ! | |
هذا بالضبط هو ما حدث مع قرابة مائة ألف مواطن نوبي، يعيشون قضيتهم المنسية منذ عشرات السنين، صحيح أن الأيام الماضية قد شهدت عودة القضية النوبية إلى الواجهة مرة أخرى، وذلك بعد الصخب الذي صاحب لاعب الزمالك الشهير "شيكابالا"، والهتافات العنصرية التي واجهها في مباريات الدوري الأخيرة، بسبب لون بشرته، كما كان لقاء الدكتور "البرادعي" مع ممثلي النوبة، والتصريحات التي نسبت إليه بخصوص تدويل القضية، سببًا آخر في إثارة الاهتمام بأبناء النوبة، وبالرغم من أن حضوري لذلك اللقاء أتاح لي أن أكون شاهد عيان على عدم صحة ما أثير حوله، إلا أن الأهم من ذلك هو تسليط الضوء على قضية توارثتها أجيال عديدة، ولا زالت تحلم بالعدالة فيها، من المهم أن نفهم المطالب النوبية، ونعرف إن كان لهم الحق في إثارة كل تلك الضجة، أم أن الأمر فيه مبالغة. يعود تاريخ النوبة إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وتمتد أراضيها لما يزيد عن 350 كيلومترًا بطول نهر النيل، وذلك في المنطقة الوقعة من شمال السودان، حتى جنوب أسوان، وتتميز النوبة بخصوصية شديدة، مكنت أبناءها من مقاومة أي غزو ثقافي، فاحتفظوا بلغتهم الأصلية حتى اليوم، ويكفي أن نعرف بأن فتح مصر بقيادة عمرو بن العاص تم في ظرف خمسة أشهر فقط، في حين تطلب الأمر أكثر من عشر سنوات لفتح بلاد النوبة، حيث اشتهر النوبيون برماة "الحدق"، لمهارتهم الفائقة في رمي حدقة العين مباشرة، وكان ذلك سببًا في أن يفقد أكثر من 150 قائد عربي عيونهم في تلك المعارك. الواقع يؤكد أن تاريخ أهالي النوبة يمثل سلسلة من التضحيات المتتالية، كانت أولى مراحل التشتت التي واجهها النوبيون عندما تم ترسيم الحدود بين مصر والسودان بشكل قسري، لم يهتم بالتجمعات البشرية وخصوصيتها، حيث تم فصل عشر قرى نوبية تابعة لمركز "حلفا" لتدخل ضمن حدود السودان، كما تم تغيير اسم محافظة النوبة إلى مديرية أسوان، وبدأت رحلة المعاناة مرة أخرى عند انتهاء بناء خزان أسوان عام 1902 حيث ارتفع منسوب المياه خلف الخزان ليغرق المساكن والأراضي الزراعية في عشر قرى نوبية من بين 44 قرية تعيش هناك، ثم جاءت التعلية الأولى للخزان عام 1912 لتتسبب بطوفان جديد وهو ما أدى إلى إغراق ثماني قرى نوبية أخرى، واكتملت المعاناة مع التعلية الثانية للخزان عام 1932، التي أغرقت مياهها هي الأخرى عشر قرى نوبية جديدة. وكانت النهاية المأساوية للتواجد النوبي مع بناء السد العالي، حيث قررت الدولة ترحيل ما تبقى من قرى نوبية، ولكن المثير للدهشة حقًا أن الدولة أصدرت قانونًا "بالمقاس" يختص بنزع ملكية أراضى النوبة، وذلك رغم وجود قوانين تنظم نزع ملكية العقارات، وكان السبب هو ما رأته الدولة آنذاك من أن القوانين السارية آنذاك سوف تعرقل إنجاز عملية التهجير، لأنها تعطي الحق للمتضررين من جراء نزع الملكية، في اللجوء إلى القاضي الطبيعي للتظلم في القضية، وما يرتبط بها من تعويضات، أما القانون الجديد فقد جعل هذا الحق في يد لجنة إدارية مكونة من مندوبين عن عدة وزارات، لتصبح الحكومة بذلك هي الخصم والحكم في نفس الوقت. وهكذا تم ترحيل السكان عشوائياً وفقًا لجدول زمني سريع، رغبة في إخلاء بلاد النوبة قبل مايو 1964، الذي حدد موعدًا لتحويل مجرى نهر النيل، فارتضى النوبيون بالهجرة إلى "كوم امبو" و"إسنا" وفقًا لشروط أبرموها مع الدولة، تتلخص في الحصول على أرض زراعية ومسكن، ولكن كانت صدمتهم كبيرة عندما وجدوا مساكن لا تصلح للاستخدام الآدمي، بالإضافة لعدم تواجد مياه صالحة للشرب ولا كهرباء، مع استحالة تربية المواشي والطيور، التي تمثل أهم عناصر الحياة والدخل بالنسبة للمواطن النوبي المزارع، ولكي ندرك حجم الإجحاف الذي وقع على أهل النوبة، دعونا نلقي نظرة مقارنة لما حدث للنوبيين السودانيين، الذين هُجروا من قرى وادي حلفا إلى منطقة التهجير الجديدة (خشم القربة)، حيث وجد السوداني مسكنًا مساحته 350 متر، إضافة إلى حديقة صغيرة أمام المسكن، وحظيرة للمواشي، أما في مصر، فلم تزد مساحة المسكن عن 150 متر بدون أي ملحقات، كذلك فقد حصل النوبي السوداني على المسكن بصرف النظر عن كونه مقيمًا أو غير مقيم، أما في مصر فقد تم منح المسكن للمقيم فقط من دون المغترب –أطلقت الحكومة هذا المسمى لغير المتواجد في قريته النوبية أثناء الحصر، بسبب بحثه عن الرزق، بعد أن غرقت أرضه- فلم تبن لهم مساكن حتى يومنا هذا، وبالنسبة للأراضي الزراعية فقد منحت الحكومة السودانية لكل صاحب مسكن مساحة 15 فداناً، وضعف المساحة للنوبي الذي يملك أرضًا زراعية، أما في مصر فقد وزعت الحكومة على المقيمين ما سمي بفدان الإعاشة، والذي تبلغ مساحته الحقيقية حوالي 14 قيراط للأسرة كلها. هذه أجزاء من فصول المعاناة النوبية التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، والتي نكأ جراحها "البرادعي" مرة أخرى، وأضافت إليها جماهير الكرة بعدًا عنصريًا جديدًا، ويبقى في الناهية أن نطرح السؤال.. عن سر الاضطهاد الواضح لأهل النوبة على مدار العصور المختلفة؟ وما هي أوضاعهم ومطالبهم في الوقت الحالي؟ |
النوبة لم تطلب من الدولة غير الاعتراف بها وبكامل حقوقها الدستورية والقانونية والمدنية مثل سائر المجتمعات المصرية .
النوبة لم تسعي يوماً ما وراء الانفصال أو الخروج من الكيان المصرية أطلاقاً ولم ولن تحمل السلاح في وجه مصر ، ولكن هناك قلوب فاسدة وحاقدة علي النوبة دون أسباب وترمي بسمومها لإثارة الفتن والضغائن وتشويه صورة النوبي العاشق لمصر ولترابها .
النوبة جسد ينزف الدماء من شدة الجروح وتنادي وتغيث من أجل العودة للديار القديمة والعتيقة خلف السد العالي.
لماذا ياشعب مصر وعقلائها نتهم النوبة بالانفصال ؟
لماذا نطلق الإساءة والتهجم لمجرد النقاش ؟
لماذا تحول القضية النوبية لساحة معركة وتراشق لمجرد الطرح والحوار؟
ومتي نرتقي لدائرة النقاش ؟ أم نظل في فلك التطاول والرشق بالحروف والكلمات لمجرد المطالبة بالحقوق والسعي وراء الوعود والأحلام ؟
النوبة ياحكماء مصر كانت ومازالت جزء من مصر ومن حق النوبة المطالبة بالأرض والجذور التي عاش فيها الآباء والأجداد ونثروا بين أركانها بذور العشق للمكان والزمان ، فكيف ننسي أرضنا وهي توزع علي الغرباء ، ومن حقنا أن نطالب ونطالب بإصرار وصمود وصبر وكفاح ونتحدى مروجي الشائعات والأحقاد وأعداء النجاح ، والنوبة باقية ما دامت مصر باقية لأخر الزمان .
النوبة كانت ومازالت العمق الإستراتيجي للحدود الجنوبية لمصر وبوابة أفريقيا وليست وليدة اليوم أو أمس بل نمت وترعرعت مع بداية التاريخ الإنساني وكانت همزة الوصل بين الشمال والجنوب .
النوبة يا أهل مصر ليست عزبة أو قرية أو مدينة أو مجتمع بل أمة كاملة تجمع عدة ملايين من أفرادها ، حاصرها الشتات منذ بناء خزان أسوان عام 1902 ، وكتب لها الهجرة نحو البلاد والشمال حتى جاء السد العالي وأكمل الشتات والطرد الجماعي دون غفران ، واليوم توزع الدولة أرض آباءنا وأجدانا للغرباء والمرتزقة ونحن ليس من حقنا الشجب والمطالبة والاعتراض ، أي قانون مدني أو سمائي يكتب لنا التشرد والشتات ، وأي عدل يتشدق به قانون الغابة للأقوياء وأي ظلم يحرم الروح عن الجسد والوجدان ، وأي ثقافة كاذبة تبثها الإعلام ، وأي حكمة تقتل أحلام البسطاء ، وتدور في فلك جدال وحوار مع عقول خاوية تفرض الواقع المؤلم لمجموعة غير مدركة وغير واعية تخدم الفساد الغير أخلاقي لطمس الحضارة والتاريخ والتراث والإرث اللغوي لعدم تطابق أفكارهم الهدامة والظالمة وترشق أصحابها بكل الأساليب القذرة والخيانة والانفصال وزرع الفتن والمكايد دون أدني وعي وثقافة .
( إذا أردت أن تعرف حضارة شعب أقرا تاريخهم ) فكيف تهاجم النوبة وأنت لا تعرف خطوطها وسلوكها وكيانها وعنوانها وقدرها وعراقتها وروعة جمالها ، تلك هي الطامة والمصيبة الكبرى لجدال الجهلاء والمنافقين والكاذبين ، التـي لا تروي الظمأ ولا تشبع جائع ولا تعيد حق مسلوب أو مظلوم .
النوبة اليوم في أشد الحاجة الماسة لفهم المضمون والجوهر والباطن والظاهر عبر عقلية واعية وقادرة في علاج الجراح وليس تعميقه وفهم المطالب دون تجريحه وتعقيده والسعي في مد جذور التلاحم دون تفريقه ، ونبذ الفرقة وتحريمه .
| |
ـ أيضاً ليس الرئيس الهارب المسئول وحده عن الفساد والقمع ، بل معه كل نظامه وأدواته ومعارضته أيضا ، أولئك الذين يفتدون اليوم أنفسهم مضحين بأكثرهم كراهية من الشعب فاختاروا وزير الداخلية ومدير الأمن الرئاسى ، متصورين أن ذلك المكر الساذج سينطلى على الشعب فيبرىء ساحة الباقين ويغسل أيديهم من دمائه التى ما زالت تسيل بنفس الوحشية على يدى وزير داخلية ما يسمى بحكومة الانقاذ أو أياً كان اسمها ، وبنفس أدوات الوزير المعتقل وأعوانه !!! فالرجلان ، كبشا الفداء ، تصرفا وفق توجه منظومة الحكم بكاملها لا الرئيس الهارب وحده ، والفساد الذى أشعل الثورة مسئولية النظام بكل عناصره ، لذلك ، فتطهير ثوب الوطن ومحاسبة الجميع فرض ، وقطع رؤوس الأفاعى ، التى ترتقب كامنة فى جحورها تتحين الفرص عندما تهدأ الأمور أو التى تبدل جلودها لتتأقلم مع الوضع الجديد بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار وملىء الفراغ ، هو الدواء الناجع ليبرأ الوطن من وبائه ، فلا استقرار ولا أمن مع وجود أمثال هؤلاء ، ولا مصلحة للبلاد فى إلصاق كل المصائب فى وجه الرئيس والوزير والمدير وحدهم والابقاء على بقية الأعوان من النظام أوالمعارضة الطفيلية ، فقضية الشعوب لا تنتهى بإسقاط طاغية ، ولكنها فى المقام الأول ، وفى أى منظومة ، تبدأ وتنتهى بإسقاط ومحاسبة صناع الطاغية .. "هامان وجنوده" ، والا فعن أى تغيير كنا نتحدث وأين ذهبت دماء الشهداء ؟ .
ـ لذلك ، لن يستقر الوضع فى تونس ، حسب رأيى ، الا اذا تولى الجيش ، وقبل فوات الأوان ، مسئولية السلطة لفترة محددة تنتقل بعدها الى المدنيين عن طريق انتخابات حرة تأتى بالارادة الشعبية على غرار تجربة المشير "عبد الرحمن سوار الذهب" فى السودان ابريل 1985، بشرط عدم عبث دول الجوار أو جوار الجوار ، وعدم تدخل الغرب الذى لا يعنيه فى النهاية الا مصالحه ودعم النظم التى ترعاها ولو الى حين ، سواء مرَّ سكين جلاديها أعلى أو أسفل رقاب الشعوب ، لا فرق .
ـ أما المحروسة ونظامها التوأم ، وتصريحات وزير خارجيتها "أحمد أبو الغيط" التى وصف فيها امتداد إنتفاضة تونس الى مصر بـ "الكلام الفارغ" ، والثقة الكبيرة التى تحدث بها الوزير "محمد رشيد" مؤكداً ، ومبرراً ، أن ما حدث فى تونس لا يمكنه الحدوث فى مصر .. لأن شعب مصر لديه بطاقات تموين !!! ، فهو كلام مرسل غير سياسى يبعث على الضحك ! وإذا وقعت الواقعة التى يرونها بعيدا ، فلن يوجد بينهم رجل "رشيد" بإمكانه أن يمنعها ، وليس بوسع الأخ "أبو الغيط" ولا كل "فلاحى النظام وأنفارِه وتَمَلِّيَتِه" الحيلولة دون وقوعها !
ـ صحيح أن طبيعة هذا الشعب وموروثه الأزلى أن "السلطان من لا يعرف السلطان" ، وصحيح أنه ، على كثرة الطغاة ، لم يثُر من نفسه وبنفسه ولنفسه ، منذ أول ثورة اجتماعية يشهدها التاريخ الانسانى فى عصر الفرعون "بيبى الثانى" 2278 ق.م ، الا مرات قليلة عبر تاريخه كان آخرها ثورة 1919م ، التى خرجت بدوافع غير مفهومة حتى الآن رغم معرفة الهدف ، إلا أن الصحيح أيضاً أنه لا أحد يمكنه توقع ثورته أو الرهان على صمته ، فهو شعب غير خانع كما يظنون ، شعب مسالم صبور الى أقصى حد ، لكنه يتلمس سبل خلاصه أثناء صبره حتى اذا امتلكها لم يفلتها .. لا هى ولا رقاب جلاديه ، هكذا علمنا التاريخ .
ـ لذلك فالحكمة والحصافة تقتضى حساب نسبة الواحد فى الألف من التوقعات السيئة والاستعداد لها جيداً ، ليس الاستعداد لمواجهتها أمنياً ، فقد أثبت الرجال فى تونس أن الأمن .. المركزى .. ليس أساس الملك وأنه لن يكون يوما ما مهما بلغ من قوة أو بطش ، ولكن الاستعداد يأتى بإزالة أسبابها من البداية ، هذا ما لم يفعله النظام التونسى سواء رئيسه الهارب أو أعوانه الذين لم يفارقوا سدة الحكم حتى الآن ، وهو نفسه ما لا يفهمه أو يفعله أيضا حتى الآن توأمه المصرى بشخوصه الدائمة الخالدة خلود الأهرامات .
ـ ورغم ما سبق ، لا زلت أتوقع ، أن يحسن نظام المحروسة الانصات لجرس الانذار التونسى وأن يستوعب درسه جيداً ، وإن صدف توقعى فسيبدأ طفيليوه وفاسدوه ، مصريون أو أجانب ، فى الاستعداد للرحيل قبل أن ينقضَّ عليهم النظام نفسه عودة منه للصواب ، أو ترضية للشعب ونزعاً لفتيل ثورته المحتملة ، وبالتالى أتوقع أن تشهد الفترة المقبلة ، إما التأميم لصالح الوطن ، وإما إنخفاض أسعار الأراضى والقصور والمصانع والشركات والمحاجر وكل ما تم منحه دون وجه حق من مقدرات هذا الشعب ، نظراً لوفرة المعروض للبيع وقتها مما تم الاستيلاء عليه ، الذى هو البلد بكامله تقريباً !!! أيضا أتوقع ارتفاع أسعار المهربات من المنشطات الى المخدرات والخمور والعياذ بالله ولكن نظراً لقلة المعروض منها بعد أن تتوقف أنشطة الكبراء وتقبع أموالهم فى الخارج ، بل ربما يجد أحدهم لوحة "زهرة الخشاش" المفقودة ملقاة على رصيف أحد الشوارع الى جوار بعض التماثيل والأثار الفرعونية التى اختفت من قبل .. بالصدفة !!!
ـ قلبى مع وزراء الداخلية العرب ، ولعلهم يتعلمون الحكمة من رأس الذئب التونسى الطائر ، وكل التحية والتقدير الى الاشقاء فى تونس الذين حققوا فرضية شاعرهم أبو القاسم الشابى عن القدر الذى حتماً يستجيب لمن أراد الحياة ، ونرجوهم ، بعد أن فشل نموذج "البوعزيزى" لدينا ، أن يبعثوا بمعلمين منهم الى كافة أرجاء وطننا العربى الذى ترتعش الآن أوصال أنظمته من خليجه الثائر الى محيطه الهادر أو العكس لا أدرى .. أو لا فرق !
ـ ضمير مستتر:
( إن ما تحتاجه مصر أساسا إنما هو ثورة نفسية ، بمعني ثورة علي نفسها أولا ، وعلي نفسيتها ثانيا ، أيْ تغيير جذري في العقلية والمثل وأيديولوجية الحياة قبل أيِّ تغيير حقيقي في حياتها وكيانها ومصيرها .. ثورة في الشخصية المصرية وعلي الشخصية المصرية .. ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية مصر وكيان مصر ومستقبل مصر )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق