منذ مطلع القرن التاسع عشر ولحدود العام 1815، عاشت القارة الأوروبية على وقع الحروب النابليونية التي أسفرت عن سقوط ملايين القتلى وصنفت ضمن الحروب الأكثر دموية في التاريخ الإنساني.
وبهذه الحروب، لم تتردد العديد من القوى الأوروبية في تشكيل تحالفات عسكرية ضد فرنسا لمنع انتشار أفكار الثورة الفرنسية وكبح جموح الأطماع التوسعية لنابليون بونابرت.
ولتحقيق انتصاراته، اعتمد نابليون بونابرت خلال هذه الحروب على عدد من المسؤولين العسكريين الذين نفذوا أوامره وبرزوا كخبراء وقادة ميدانيين.
من ضمن هؤلاء، يذكر التاريخ المارشال ميشال ني (Michel Ney) الذي مثل واحداً من أشهر قادة قوات الفرسان والخيالة في التاريخ. فضلاً عن ذلك، ساهم المارشال ني في عودة نابليون بونابرت للحكم خلال فترة المائة يوم ودفع حياته ثمناً لذلك.

مسيرة ميشال ني
إلى ذلك، التحق ميشال ني، المولود يوم 10 جانفي (يناير) 1769، في الجيش الفرنسي سنة 1787. وخلال الثورة الفرنسية، نال الأخير ترقية بلغ بفضلها رتبة الضباط. وبحلول العام 1792، حصل ميشال ني على رتبة ملازم بسبب شجاعته على أرض المعركة رفقة جيش الراين. وبعد 4 سنوات فقط، نال الأخير رتبة جنرال بالجيش الفرنسي تزامناً مع نجاحه في السيطرة على مدينة فورزبرغ (Würzburg) عام 1796.
أثناء خدمته لصالح نابليون بونابرت، كسب ميشال ني مكانة أكبر بفرنسا. فعام 1802، نجح هذا الجنرال في إخضاع الجمهورية الهيلفيتية (Helvetic Republic) وفرض بها حكومة أقرها نابليون بونابرت لتتجنب بذلك هذه المنطقة حربا أهلية. وبفضل خدماته التي قدمها لفرنسا طيلة هذه السنوات، لم يتردد نابليون بونابرت في منح ميشال ني رتبة مارشال عام 1804 تزامناً مع تلقيبه بالشجاع.

طيلة السنوات التي سبقت تنازل نابليون الأول عن العرش، شارك ميشال ني في العديد من المعارك الهامة التي أعادت رسم خريطة أوروبا حينها حيث قاد هذا المارشال القوات بمعارك مثل معركة أولم (Ulm) وجيانا (Jena) وأوسترليتز (Austerlitz) وسمولنسك (Smolensk).
وعقب التنازل الأول لنابليون عن العرش عام 1814، عمل ميشال ني لصالح الملك لويس الثامن عشر وشغل مناصب مرموقة صلب قوات الخيالة كما أوكلت له مهمة قيادة القوات الفرنسية بشرق البلاد. ومع سماع المسؤولين الفرنسيين حينها بفرار نابليون بونابرت من منفاه بجزيرة ألبا (Elba) وعودته لفرنسا، أرسل ميشال ني، رفقة قواته، لمواجهة نابليون بونابرت والقضاء عليه.

اعدام ميشال ني
يوم 7 مارس (آذار) 1815، التقى المارشال ني بنابليون بونابرت، الذي كان مرفوقاً بعدد قليل من الجنود، عند منطقة لافراي (Laffrey). وبدلا من المواجهة، تحالف المارشال ني مع نابليون بونابرت وقاده نحو باريس ليستعيد بذلك الأخير عرشه كإمبراطور على فرنسا خلال ما عرف بفترة المائة يوم.
عقب التنازل الثاني عن العرش لنابليون بونابرت ونفيه نحو جزيرة سانت هيلينا بعرض الأطلسي وعودة لويس الثامن عشر، تواجد اسم ميشال ني على متن قائمة ضمت العشرات من المسؤولين الفرنسيين المتهمين بالخيانة. وعقب رفضه مغادرة البلاد خلسة نحو الولايات المتحدة الأميركية، قبض على ميشال ني الذي سجن لوهلة قبل أن يمثل أمام المحاكمة.

مع نهاية محاكمته، نال المارشال ني حكما بالإعدام رمياً بالرصاص. وبالتزامن مع ذلك، رفض لويس الثامن عشر، إضافة للعديد من أقربائه، الصفح
عنه وتخفيف الحكم.
يوم 7 ديسمبر (كانون الأول) 1815، اقتيد ميشال ني، الذي كان مرتدياً بدلة بورجوازية، نحو شارع المرصد بباريس. وقبيل إعدامه، رفض الأخير أن تعصب عيناه قائلاً " هل تجهلون أنني شاهدت القذائف والرصاص لأكثر من 25 سنة". لاحقاً، تكفل الجنود الفرنسيون بإطلاق الرصاص على ميشال ني الذي سقط أرضاً على وجهه مفارقاً الحياة عن عمر ناهز 46 سنة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق