يقوم علاج أي مرض أساسا على التخلص من مسبباته، فإذا كان -على سبيل المثال- المصاب باضطراب بيكا يعاني من أزمات نفسية كالفقر العاطفي؛ فإنّ الاحتواء يساعد على الخروج من المشكلة |
يصنّف بيكا Pica ضمن اضطرابات التغذية والأكل حسب الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للأمراض النفسية، وهو عبارة عن تناول مستمر وغير معقول لمواد غير غذائية يشتهيها الفرد أثناء رغبة ملحّة وشديدة تتملكه تجاهها، إذ لا صبر له على الكفّ عن أكلها، كالطين والتراب Geophagia والصابون والطبشور والطلاء، والمعادن Metallophagia والشَّعر Trichophagia والورق Xylophagia والقاذورات Coprophagia وغيرها من المواد غير الصالحة للأكل. يصيب هذا الاضطراب الصغار والكبار معا ويمسّ النساء والرجال على حدّ سواء. يعدّ بيكا سلوكا مرضيا إلّا إذا كان مرتبطا بالعادات المجتمعية الثقافية والدينية التي تجعل من أكل بعض المواد الغريبة سلوكا مجتمعيا لا يدعو إلى تصنيفه ضمن خانة الاضطراب. كما يستثنى منها الأطفال الرضّع باعتبار تناول المواد غير الغذائية لديهم أمرا طبيعيا ومألوفا، فهم لا يفرّقون بين ما هو صحيح وما هو خاطئ.
لكي يتمّ تشخيص الاضطراب لا بدّ من توفّر مجموعة من المعايير، هذه الأخيرة حدّدها الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للأمراض النفسية DSM5 فيما يلي:
– أكل مستمرّ لمواد غير غذائية وغير صالحة للأكل لمدّة شهر على الأقل.
– لا يتناسب أكل المواد غير الغذائية وغير الصالحة للأكل مع المرحلة التطورية للفرد.
– سلوك الأكل ليس جزء من الممارسات المدعومة ثقافيا أو السوية اجتماعيا.
– إذا ظهر سلوك الأكل هذا في سياق اضطراب عقلي آخر كالإعاقة الذهنية واضطراب طيف التوحد والفصام أو ظرف صحّي كالحمل فإنّ الأمر شديد بما يكفي ليستدعي انتباها سريريا إضافيا. DSM5، ص 329.
تجدر الإشارة إلى أن بعض الحالات لا يتمّ الكشف عنها إلّا بعد تعرّض أصحابها إلى إحدى المشاكل الصحية المتمثلة في المضاعفات التي تنجرّ عن هذا السلوك والتي تشخّص من خلال التحاليل وأجهزة الكشف الطبيّة.
تعدّدت آراء الخبراء حول الأسباب التي تفسّر اضطراب بيكا، حيث أرجعه البعض لمشاكل صحية متعلقة بنقص أحد العناصر الغذائية في الجسم وبعض الأزمات النفسية والاجتماعية التي تعزّز السلوك الخاطئ ونذكر منها:
– سوء التغذية الذي ينتج عنه نقص في بعض المعادن في الجسم كالحديد والزنك والكالسيوم.
– الأمراض الجسدية كفقر الدم خاصة لدى النساء الحوامل.
– الإعاقة الذهنية والتوحد، زيادة عن بعض الأمراض العقلية والنفسية كالفصام والوسواس القهري.
– قد يكون هذا الاضطراب ناتجا عن سلوك متعلّم اكتسبه الفرد عن طريق التعزيز.
– الأزمات العاطفية كالحرمان والإهمال التي ينتج عنها القلق والتوتر فتكون هذه المواد بمثابة تعويض عن النقص الذي يعاني منه الفرد ليشعر بالأمن النفسي.
– الفقر والجوع الذي يدفع بالبعض إلى تناول مواد غير صالحة للأكل لسدّ حاجاتهم الغذائية حتى يتحول الوضع إلى عادة وإدمان.
يتسبّب اضطراب بيكا في تفجير مجموعة من المشاكل الصحية التي قد تؤدي بصاحبها إلى مضاعفات خطيرة، فقد سجّل مستشفى في الهند قبل عامين حالة خطيرة لاضطراب بيكا لشخص يبلغ من العمر 50 سنة اعتاد تناول المعادن Metallophagia، حيث أجريت له عملية جراحية لإزالة 72 قطعة معدنية كان قد ابتلعها على مدار سنوات طويلة بسبب مرض عقلي. ويمكن تلخيص بعض المضاعفات في النقاط الآتية:
– حالات التسمم والتعفن التي قد تصيب الجسم بسبب تناول مواد مضرة بالصحة ومسممة كالقاذورات.
– اضطرابات على مستوى الجهاز الهضمي كالإمساك وانسداد الأمعاء والالتهابات.
– مشاكل على مستوى الأسنان.
– أضرار على مستوى الدماغ خاصة إذا كان الفرد مدمنا على الطلاء ومشتقاته.
– مشاكل على مستوى القلب والكلى.
– تناول المواد غير الغذائية يشكل خطرا على الأم والجنين في فترة الحمل المعروفة بشهوة الغرائب.علاج اضطراب بيكا
يقوم علاج أي مرض أساسا على التخلص من مسبباته، فإذا كان -على سبيل المثال- المصاب باضطراب بيكا يعاني من أزمات نفسية كالفقر العاطفي؛ فإنّ الاحتواء يساعد على الخروج من المشكلة، ويجب متابعة الحالات المرضية المتداخلة مع هذا الاضطراب وعلاجها من خلال الأدوية المناسبة والتقنيات النفسية الفعالة، خاصة فيما يتعلق بالوسواس القهري والفصام والإعاقات الذهنية، ويشرف على العلاج طاقم طبي متخصص. وإذا افترضنا أنّ سوء التغذية الذي ينجرّ عنه نقص العناصر الغذائية والإصابة بفقر الدم هو الذي يسبّب هذا الاضطراب لدى بعض الأفراد فمن الواجب تعويض هذه المواد من خلال العلاج الطبي. ويعتبر العلاج النفسي من العلاجات الفعالة لاضطراب بيكا والذي يهدف إلى مراقبة السلوك الغذائي وتصحيحه من خلال الاستراتيجيات السلوكية وبرامج التربية العلاجية. كما تجب مراقبة الأطفال والحرص على عدم تعزيز هذه العادة لديهم حتى تمسي سلوكا متعلما، وتجدر الإشارة إلى ضرورة سدّ الفراغ العاطفي الذي قد يتعرّض له بسبب الخلافات الزوجية والمشاكل الأسرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق