على مقربة من مدينة غرونوبل،


في جنوب شرق فرنسا، تقع فيلا كازامور ذات الهندسة المعمارية الفخمة مغاربية الطابع، وهي تحفة صُممت في القرن التاسع المولع بالشرق، انتقلت من يد إلى يد، وأنقذتها مالكتها كريستيان غيشار من الدمار.

انتزعت كريستيان عام 1986 تصنيف الفيلا معلماً تاريخياً، وعملت على مدى أربعة عقود على ترميمها واضعة نصب عينيها "تحدياً مزدوجاً يتمثل في إنقاذها وإحيائها من خلال الإبداع".

ولاحظت المالكة الستينية الملقّبة "سيدة كازامور" أن الفيلا الواقعة منذ العام 1855 على المنحدرات الأولى لسلسلة جبال لاشارتروز في سان مرتان لو فينو "كانت منذ البداية نابضة بالحياة"، وشكّلت "مكاناً ثالثاً" أي نقطة التقاء تجمع الناس.

كريستيان غيشار اشترت الفيلا عام 1986 وعملت على مدى أربع عقود على ترميمها  (AFP)

وتبدو فيلا كازامور مميزة بين قريناتها من البيوت المجاورة في هذه المنطقة الواقعة ما قبل جبال الألب، ومتأنقة بطابعها المعماري الشرقي القائم على مجموعات القناطر والأرابيسك والمشربيات والنوافذ الضخمة ذات الزجاج الملون.

ونُقل جزء كامل من الواجهة الخشبية، بطريقة ما إلى غرونوبل من الجناح التركي في المعرض العالمي عام 1855، وهو يطل على حديقة شتوية مشرقة مسقوفة يبلغ طولها تسعة أمتار، مليئة بالتحف الشرقية.

وهذه الفيلا التي تحتضن الكثير من الفنانين والجمعيات الثقافية، تطل على حدائق مدرّجة مزينة بالنباتات غير المألوفة والساعات الشمسية.

وبالإضافة إلى طابعه المختلف عن السائد محلياً، فإن المنزل يبهر أيضاً بالإسمنت المصبوب أو "الذهب الأبيض" الذي استُخدم في بنائه، وهي تقنية كانت تُعتبَر "ثورية" في ذلك الوقت، على ما شرح خبير حفظ المعالم التاريخية دومينيك بير.

وأوضح في كتاب عن فيلا كازامور أن "القرن التاسع عشر أنتج أعمالاً إبداعية ذاهلة في مجال الهندسة المعمارية".

القصر على الطراز الشرقي بني عندما كانت أرووبا تشهد مرحلة تخمر فكري وسياسي (AFP)

حرب الجزائر

ولكن ماذا أتى بقصر شرقي إلى ضواحي غرونوبل؟ يعود السبب إلى السياق العام للحقبة التي شيّد خلالها القصر، حسب ياتريس بيس، المؤرخة في مجال الفن ومؤلفة رواية تاريخية صدرت أخيراً تحكي مسيرة مصمم هذه الفيلا وهو تاجر من غرونوبل يدعى جوزيف جوليان المعروف بكوشار.

ففي منتصف القرن التاسع عشر، عندما بُني، كانت أوروبا الغربية تشهد مرحلة تخمّر فكري وسياسي وصناعي مكثف.

وشرحت المؤرخة أن المرحلة التي أعقبت رحلة بونابارت الاستكشافية إلى مصر "اتسمت بأن "كل ما يتعلق بهذا البلد أصبح مرغوباً"، واتسع هذا الاهتمام لاحقاً ليشمل خصوصاً كل ما يتصل بالإمبراطورية العثمانية. وتأثرت غرونوبل تحديداً بهذه الموجة، إذ كان يعيش فيها عالم المصريات جان فرنسوا شامبليون والعالم جوزيف فورييه.

وانعكس هذا الاندفاع لما هو شرقي على العمارة، فكان مصدر إلهام للكثير من الإنشاءات، لا تزال قلّة منها قائمة، في حين كان الهدم مصير عدد كبير، لاعتبارها غير ذات أهمية، أو بفعل التوترات السياسية المتصلة بحرب الجزائر في ستينيات القرن العشرين.

تجذب الفيلا زواراً من خلفيات متنوعة جدا  (AFP)

ومع أن غموضاً يكتنف حياة كوشار، من المؤكد أنه لم يسافر قطّ إلى الشرق، وهو أراد بإقامة الفيلا على هذا الطراز غير المألوف في المنطقة، حسب بيس، "إبهار المجتمع البرجوازي في غرونوبل وتكوين سمعة لنفسه".

لكن لسوء حظه، بعد 23 عاماً من الأشغال، أفقرته زوجته الثانية انتقاماً لخيانته لها، وكان مثقلاً بالديون، فاضطر إلى التفرغ عن القصر قبل أن يفارق الحياة. أما زوجته الثالثة التي أصابها الفقر، فقضت ونجلها انتحاراً.

كي بوب

وبعد ذلك، تعاقَب على ملكية الفيلا أكثر من شخص، وراح وضعها يتراجع، فكانت على مدى 25 عاماً مقراً لمصنع للجبن، وتسارعت وتيرة تدهورها عندما أقام فيها مشردون في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته.

ولم تكن الفيلا سوى كومة خراب عندما اشترتها كريستيان غيشار عام 1981، ما أثار استياء رئيس البلدية في ذلك الوقت. وقالت غيشار "كان يفضّل إقامة مبنى صغير بدلاً منها (...) وقد وجدت ذلك صادماً".

ورغم كونها مصنفة معلماً محمياً وحائزة جوائز معمارية عدة، لا تزال هذه الفيلا اليوم محاطة بمستودعات قديمة يتكون جزء منها من مادة الأسبستوس، ما دفع المالكة إلى عدم تطبيق القوانين.

ورغم ذلك، يجذب المنزل الزوار من خلفيات متنوعة جداً، ومنهم مثلاً شابتان حضرتا أخيراً لتصوير مقطع من موسيقى "كي-بوب" لغرض استخدامه في تحدٍّ على الشبكات الاجتماعية.

وقالت "سيدة كازامور" إن هذه الفيلا هي بمثابة "مصدر إلهام".