بدت الاحتفالات بيوم الوحدة في ألمانيا هذا العام مختلفة. كانت أقل ضوضاء وأكثر جدية. وعوضاً عن الحفلات الصاخبة والكلمات المتفائلة، حلت التظاهرات في الولايات الشرقية والهتافات الغاضبة. وأعاد يوم 3 أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام إلى الذاكرة، الفروق الكبيرة التي ما زالت تعيشها ألمانيا بين الغرب والشرق رغم مرور 32 عاماً على وحدتهما.
وحتى كلمة المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي شارك في احتفال أحيته ولاية تورينغن الشرقية، طغت عليها محاولات الطمأنة للوضع الاقتصادي أكثر من الإشادة بوحدة البلاد.
وفيما كان شولتس، المتعافي قبل أيام من فيروس كورونا، يلقي كلمة مقتضبة في إيرفورت، عاصمة تورينغن، كان قرابة عشرة آلاف شخص يتجمعون في مدينة غيرا القريبة في الولاية نفسها، يطالبون الحكومة برفع العقوبات عن روسيا، ووقف إمداد أوكرانيا بالسلاح، وتغيير السياسة الاقتصادية لتخفيف العبء عليهم.
ومثلهم، خرج آلاف آخرون في تظاهرات بمدن شرقية مختلفة، كلهم يطالبون بتخفيف الأعباء الاقتصادية ورفع العقوبات عن روسيا.
وشارك حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف في التظاهرات، التي أعادت إلى الذاكرة تظاهرات شبيهة خرجت في المدن الشرقية نفسها ضد اللاجئين السوريين قبل سنوات، بعد أن فتحت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، الأبواب لهم، واستُقبل مئات الآلاف منهم.
واحتضنت الولايات الشرقية اليمين المتطرف في السنوات الماضية، لكن التظاهرات التي خرجت هذه المرة عكست نقمة أكبر وأعمق من مجرد كراهية الأجانب، ودفعت حتى بمسؤولين في الولايات من أحزاب مختلفة، مثل الحزب الاشتراكي (يسار وسط) والحزب المسيحي الديمقراطي (يمين وسط) إلى التحذير من تدمير كل التقدم الذي تم تحقيقه في السنوات الماضية منذ الوحدة.
وقال رئيس ولاية براندنبيرغ ديتمار فويدكه (الحزب الاشتراكي)، إن «ذكرى البطالة الجماعية بعد الوحدة ما زالت في أذهان الكثيرين الذين عاشوا في ألمانيا الشرقية... ولذلك من الواضح أن الوضع الحالي ينظر إليه هنا بقلق بالغ، والكثيرون يتخوفون من أن كل ما بنوه بالكثير من الجهد طوال 3 عقود سيتم تدميره».
وصدر كلام مشابه عن رئيس حكومة ولاية ساكسونيا أنهالت رينار هاسيلوف (الحزب المسيحي الديمقراطي)، الذي قال إن الحرب في أوكرانيا «تهدد كل النجاحات التي تم تحقيقها في الشرق... لا يجب على الألمان أن يسمحوا لأنفسهم بأن يتم تقليبهم بعضهم ضد بعض»، مؤكداً أن «التضامن اليوم أهم من أي وقت مضى».
واعترف المسؤولون الألمان الذين أحيوا يوم الوحدة، بصعوبة الوضع الاقتصادي على الكثير من السكان.
المستشار الألماني أولاف شولتس (رويترز)
وقالت رئيسة البودنستاغ (البرلمان الفيدرالي) باربل باس، «إن الاحتفالات تحل في وقت صعب هذا العام» مع اقتراب التضخم إلى نسبة 10 في المائة، ولكنها أضافت: «الأهم أن نبقى متحدين... نتائج الحرب في أوكرانيا والتغير المناخي تتسبب بالقلق للكثيرين، ولكن كيف نتعامل مع بعضنا هو ما يظهر قوة بلادنا».
ومع أن رئيس ولاية تورينغن بودو راميلو، وهو من حزب «دي لينكا» اليساري المتطرف الذي تأسس من بقايا الحزب الاشتراكي السوفياتي في ألمانيا الشرقية، دعا كذلك إلى الوحدة، فهو لمح إلى أن الولايات الشرقية بقيت منسية، فيما ألمانيا ظلت تتقدم اقتصادياً في العقود الماضية. وقال: «سواء كان الأمر يتعلق بوباء (كورونا) أو نقص الطاقة، فإن الأزمات الحالية تسلط الضوء على خلافاتنا السابقة، ورغم الخطوات الكبيرة التي تحققت في مجال التنمية في ألمانيا الشرقية، فإن سوء التفاهم وخيبات الأمل على الجانبين نادراً ما تؤخذ في الاعتبار».
ومنذ الوحدة، تعاني الولايات الشرقية من مستوى فقر وبطالة أعلى من الولايات الغربية، بعدما وجد مئات الآلاف من السكان أنفسهم عاطلين عن العمل بعد الوحدة وخسارتهم لأعمالهم التي كانت تؤمنها لهم جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية. ولم يستطع عدد كبير من هؤلاء العودة إلى وظائف بعد إغلاق مصانع ومعامل في ألمانيا الشرقية، بسبب نقص الخبرات لديهم وغياب الكفاءات.
هذا الأمر دفع الحكومات المتعاقبة منذ الوحدة إلى فرض «ضريبة التضامن» على السكان في ألمانيا الغربية تستخدم إيراداتها في مشاريع إنمائية في ألمانيا الشرقية. ولكن هذه الضريبة ألغيت قبل عام بقرار من شولتس، الذي كان وزير المالية آنذاك في حكومة ميركل، على اعتبار أن الكثير من التقدم تم تحقيقه منذ الوحدة.
ومع ذلك، فإن التقرير السنوي للمفوض الحكومي لألمانيا الشرقية أظهر أن مستوى عدم الرضا في ألمانيا الشرقية ما زال أكبر بكثير من الولايات الغربية. وحسب الاستطلاع الذي شمل 4 آلاف شخص، قال 39 في المائة فقط من سكان ألمانيا الشرقية الذين عاشوا تحت حكم السوفيات حتى نهاية الثمانيات، إنهم راضون عن «سير الديمقراطية» في البلاد، مقابل 59 في المائة من الرضا في ألمانيا الغربية. وانخفضت هذه النسبة هذا العام عن السابق، إذ أظهر استطلاع مماثل أجري قبل عامين أن نسبة الرضا عن سير الديمقراطية وصل إلى 48 في المائة في ألمانيا الشرقية مقابل 65 في المائة في ألمانيا الغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق