الاثنين، سبتمبر 27، 2010

في رد على إساءة بيشوي للقرآن.. "دار الإفتاء": المسلمون وظيفتهم إنقاذ البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور


أكدت "دار الإفتاء" في فتوى رسمية عبر موقعها الإلكتروني، أن فساد المسلمين فساد للأرض وصلاحهم صلاح للأرض، واعتبرت أن هذا ليس من باب التعصب ولا من باب التحيز وإنما هو توضيح لحقائق وظائف البشرية في تلك الأرض.

يأتي ذلك فيما اعتبر رد فعل رسمي من دار الإفتاء على التصريحات المسيئة إلي الإسلام التي صدرت مؤخرا من قيادات كنسية كبيرة اتهمت القرآن الكريم بالتحريف والمسلمين بالمغتصبين لأرض مصر، وبعد أن أبدى الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية، تأييده الكامل لبيان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الصادر السبت، والذي استنكر فيه طعن الأنبا بيشوي في القرآن الكريم.

وجاء في الفتوى أن "الإسلام هو خاتم الأديان وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين وتلك الأمة التي آمنت بكل الأنبياء وبنبيها الخاتم هي آخر الأمم. فحملها الله مهمة الدعوة ونشر كلمته الأخيرة لجميع البشر، وحملها مهمة الإصلاح وإعمار الكون، يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} وقال سبحانه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}".

وأضافت "فأمة الإسلام هي الأمة الشاهدة وهي الأمة التي تحملت تكاليف الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فسد المسلمون وتركوا ما كلفهم الله به من مهام لإصلاح الأرض فسدت الأرض وترتب على المسئولية التي تحملها المسلمون والنور الذي منحه الله إياهم، تحديد وظيفتهم على الأرض، وهي إنقاذ البشرية، ونقلها إلى طريق الله وإخراجها من الظلمات إلى النور، فإذا ترك المسلمون وظيفتهم وفسدوا والعياذ بالله فسد العالم تبعا لهم وذلك لأن معهم النور الذي سيضيء الطريق للناس فإذا أظلموا وانطفأ النور الذي معهم فمن يضيء الطريق بعدهم ولكن الله متم نوره، قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ}".

وكان مفتي الجمهورية شدد عقب اجتماع مجمع البحوث الإسلامية السبت الذي شارك فيه، على دور عقلاء مصر ومفكريها ومثقفيها، سواء من المسلمين أو المسيحيين للتصدي لأية محاولة تسيء إلى الأديان السماوية الثلاثة ورموزها ومقدساتها، وكذلك دورهم لتفويت الفرصة على أي أحد يحاول المساس بأمن مصر واستقرارها وسلامتها.

وحذر من أي مساس بالعقيدة الدينية للمصريين جميعاً، مشدداً على أهمية تعميق واحترام مفاهيم الوحدة الوطنية فى مصر باعتبارها أساس التعامل بين الجميع وأن علينا جميعاً مسلمين ومسيحيين أن نحافظ عليها.
أحد رموز عصره ومترجم مالك بن نبي وكاشف انتحال نصر أبو زيد .. رحيل المفكر الإسلامي د.عبد الصبور شاهين عن عمر يناهز 82 عامًا


توفى أمس الأحد المفكر الإسلامي الكبير الدكتور عبد الصبور شاهين عن عمر يناهز 82 عاما، بعد رحلة طويلة من العطاء الفكري والمعارك الجريئة التي خاضها دفاعا عن الدين سواء من على المنبر أو داخل الجامعة.

وعمل الراحل أستاذا متفرغا بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة، وهو من أشهر المفكرين والدعاة الإسلاميين، وشغل عضوية مجلس الشورى، كما عمل أستاذا بقسم الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.

وكان الفقيد خطيبا لمسجد عمرو بن العاص، وله أكثر من 70 كتابا ما بين مؤلفات وتراجم، حيث كان يجيد اللغة الفرنسية وقام بترجمة العديد من المؤلفات الفرنسية إلى العربية ، من أبرزها مؤلفات المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي .

ومن أشهر مؤلفاته مجموعة "نساء وراء الأحداث"، ومجموعة "أبى آدم"، كما أنه شارك فى إعداد العديد من رسائل الدكتوراه والماجستير، وقد خاض معركة شهيرة ضد الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي توفي في يوليو الماضي.

وجاء ذلك عندما قدم أبو زيد أبحاثه في عام 1992 بعنوان "نقد الخطاب الديني" للحصول على درجة الأستاذية للجنة تكونت من أساتذة بجامعة القاهرة برئاسة الدكتور عبد الصبور شاهين، الذي اتهم في تقريره أبو زيد بالكفر.

وأصدر شاهين تقريرًا اتهم أبو زيد بـ "العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضهما. والهجوم على الصحابة، وإنكار المصدر الإلهي للقرآن الكريم، والدفاع عن الماركسية والعلمانية وعن سلمان رشدي وروايته (آيات شيطانية)".
  قس جورجيا المتهم بالتحرش: أشعر كأنني داوود يحارب جالوت
الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)   |  27-09-2010 00:25

تعهد القس أيدي لونغ، الذي يواجه تهما بإكراه فتية على ممارسة الجنس معه، بالوقوف في وجه هذه المزاعم، قائلا في عضته يوم الأحد إنه يمر "بأصعب الأوقات في حياته."

وقد توالت الدعاوى القضائية ضد قس جورجيا، بعدما اتهمه شخص رابع بالتحرش به جنسياً أثناء رحلة في أفريقيا، لتضاف المزاعم إلى سلسلة فضائح جنسية هزت المؤسسات الدينية في أوروبا والولايات المتحدة.

وقال لونغ أمام جمع غفير في كنيسة "بيرث ميشينيري" في مدينة أتلانتا "لقد اتهمت.. وتعرضت لهجوم.. وأريدكم أن تعرفوا أنني لست كاملا.. لكن هذه التهم (التحرش الجنسي) سوف أحاربها."

وشبه القس نفسه، أمام الجمع الذي هتف له، بأنه "داوود يحارب جالوت،" في إشارة إلى قصة تتداولها الأديان السماوية حول معركة بين نبي الله داوود وأحد المحاربين الأشداء ويدعى جالوت، والتي انتصر فيها النبي وفريقه على المحارب وجيشه.

وتقول وثائق الدعوى القضائية الرابعة التي أقامها سبنسر لوغراند، 22 عاماً، إن لونغ تحرش به جنسياً عندما كانا في رحلة بكينيا قبل خمسة أعوام بعدما اشتكى من الأرق وقدم له الأخير مهدئاً لينتهي بهما المطاف بقضاء الليل معاً.

ويزعم لوغراند، في دعواه القانونية، أن القس تلاعب به وخدعه بإقناعه بأن العلاقة الجنسية "عنصر صحي للحياة الروحية،" متهماً إياه بتخصيص أموال الكنسية لإغراء ضحاياها بالسيارات والملابس والمجوهرات والإلكترونيات.

روابط ذات علاقة
ألمانيا: اتهام 4 قساوسة وراهبتين بالاعتداء الجنسي على أطفال
اتهام قس أمريكي باستدراج طفلة واغتصابها داخل الكينسة
طارد أرواح: غواية شيطانية وراء اغتصاب الأطفال بالكنائس
وقال إن القس، وفي إحدى المرات عام 2008، أقام معه علاقة داخل مكتبه الملحق بالكنيسة، علماً أن العلاقة بين الاثنين انقطعت العام الماضي.

ويتهم ثلاثة آخرون لونغ، وهو قس بكنيسة مقاطعة "ديكالب" بولاية جورجيا، بممارسة الجنس معهم عبر وسائل مختلفة.

وبدورها تواجه الكنسية دعوى مدنية رفعت ضدها الجمعة.

وسارع القس إلى نفي كافة التهم، قائلاً، وعلى لسان الناطق باسمه، آرت فرانكلين: "موقفنا حول هذه قضايا لم يتغير.. إنه لمن المؤسف أن يختار هؤلاء الشباب إتخاذ هذا النوع من الإجراء.. فريق الدفاع سيراجع الشكاوى ويرد عليها وفقاً لذلك، في الوقت المناسب والمحفل المناسب."

ومنذ العام الماضي، اجتاحت سلسلة فضائح جنسية العديد من المؤسسات الكنسية أو الخاضعة لإدارة رجال دين، مما دعا بابا الفاتيكان، بندكتس السادس عشر، إلى الإعتذار وإبداء أسفه الشديد للضحايا، مطالباً رجال الدين المتورطين في هذه القضايا تحمل مسؤولياتهم و"التوبة."

وأقر بأن ما جرى لا يمكن نسيانه بسهولة، واعتبر أن تأثيرات الفضائح على الديانة المسيحية "كانت أقسى من تأثير قرون الاضطهاد" التي رافقت بداياتها.


ودعا البابا الرهبان ورجال الدين الذين تورطوا في القضية إلى الاستجابة للسلطات الأمنية، وطلبهم بـ"تحمل مسؤولياتهم والاعتراف بما قاموا به" دون أن "يفقدوا الأمل في رحمة الله."
في الثامن والعشرين من سبتمبر 1970 أزهقت روح الرئيس جمال عبدالناصر،بعد أن تمكنت منه يدالغدر الصهيوني،بالتحالف مع قوى البغي والطغيان الصهيوصليبي،مضافا إليهم الأنظمة الرجعية،في الممالك،أوبالأحرى، المهالك البترودولارية،ذوي الأصول اليهودية،خصوصا المهلكة السعودوتعوسية،وجندت سفرجي منوفي،من أكلة لحم الكتوف،ليدس له سم زعوف،في فنجان قهوة مشطوف،وكان له ماأراد،ولكن رب العباد،أذاقه من نفس الكأس،على يد جنود أولي بأس،حركهم الضمير،لكنهم تركوا الخنزير،ليفسد في الأرض،ويهتك العرض،ونسي أصله الوضيع،وشكله البشع الفظيع،وظن أننا قطيع،ممكن توريثنا لكلبه الوضيع،لكننا لهم بالمرصاد،وسنقطع دابر الفساد،لننقذ البلاد،ونرحم العباد،وإن لم نفعل،سنهلك كأهل ثمود وعاد!!!سالم القطامي



كنتُ طبيب الرئيس المصري جمال عبد الناصر في سنواتِه الأخيرة، وكانت وفاة عبد الناصر غير المتوقَّعة والمبكِّرة صدمةً قاسية للرأي العام في مصر والعالم العربي، جعلتني أشعر بضرورة نشر تفاصيل مرضه للرأي العام بعد وفاته مباشرة، ‏أما كاتبُه فهو الأستاذ هيكل أكبر كُتَّاب مصر والعالم العربي، ولم أكن أعرف أحدًا في عالم الصحافة في ذلك الوقت غيرَه، وعرضتُ عليه شرح تفاصيل مرض عبد الناصر، ورحَّب بالفكرة واستقبلني في مكتبِه بالأهرام لنحو ساعتَيْن‏,‏ رُويتْ له فيها وقائع مرض عبد الناصر من يونيو 1967,‏ كما شرحتْ وقائع اليوم الأخير إلى ساعة وفاتِه‏,‏ وكان الحضور في المشهد الأخير أ‏.‏د منصور فايز وأ‏.‏د زكي الرملي‏,‏ بالإضافة إليّ، وجميع من وَرَدَ ذكرُهم كحضور حضروا بعد وفاتِه، وكتب الأستاذ هيكل كل ما ذكرت وأضاف إليه بحسِّه السياسي والصحفي وصف الحالة السياسيَّة ومسرح الأحداث، وذلك في المقالتين الرئيسيتين في الأهرام يوم الجمعة 28/9/1970 (ملحمة الصراع مع الألم‏)‏ والأسبوع الذي يليه 5/10/1970 وفي الأربع والعشرين ساعة الأخيرة‏,‏ وأذكر أنني اتصلت به معاتبًا على وصفي بالطبيب المقيم بدلًا من الخاص‏.‏

أثارت الوفاة المفاجئة والمبكرة لجمال عبد الناصر كثيرًا من الشكوك حول وفاته، وهي جميعًا عن غير علم ودون دليل‏,‏ فقيل أنه تم إعطاؤه حقنةً في الوريد أودتْ بحياته‏,‏ وقيل أن الطبيب الذي أسعفه طبيب أطفال‏,‏ وذكر أيضًا عدم وجود طبيب قلب، وقيل: حدثتْ له غيبوبة في المطار‏,‏ وكل هذا لم يحدثْ، وقيل إنه مات نتيجة تدليك ساقِه بالسّمّ‏,‏ وهذا لم يحدث، وقيل أنه تَمَّ تسميمُه بالمياه الطبيعية في تسخالطوبو، وهذا مجرَّد افتراء‏,‏ وقيل أنه توفِّيَ نتيجة غيبوبة نقص السكر في الدم‏,‏ وقيل أنه كان مريضًا بالسكر البرونزي، وهذا أيضًا غير صحيح‏,‏ وقيل أن خبير سموم أمريكيًّا كان موجودًا في المطار عند مغادرة الوفد الكويتي ووجود خبير أغذية أو سموم في وفد أجنبي لرئيس دولة ظاهرة طبيعيَّة‏.‏

وعندما أصبحتْ هذه الشكوك حول وفاة عبد الناصر معلنةً في كل مكان بادرت بمقابلة الأستاذ هيكل لاستشارتِه في إمكان نشر الملف الصحي لعبد الناصر للردّ على هذه الشكوك‏,‏ فذكر لي أنه لم يحدث من قبل أن أذاع طبيب خاص لرئيس دولة ملفّه الصحي‏,‏ وقال لي أننا لا نعرف ما يمكن أن تأتي به الأيام أو أن أصادر التاريخ بذلك، واستدرج قائلًا: إن الوحيد الذي نشر الحالة الصحيَّة لزعيم كان يعالجه كان الطبيب ونستن تشرشل الذي نشر مذكراتِه الشخصيَّة بما في ذلك فترة علاجِه لتشرشل‏,‏ وبطبيعة الحال لم أكتبْ في هذا الموضوع إلى أن أصبح لا بدَّ ما ليس منه بد‏,‏ فأنا شاهد عيان، والموضوع طبي أعرف تفاصيله عن قرب‏,‏ فأصبح السكوت خطيئةً وقول الحق فريضة، وعندما حصلت على إذن نقيب الأطباء الدكتور حمدي السيد نشرت ما أعرفه عن تفاصيل مرض عبد الناصر في سنواتِه الأخيرة وعن وقائع اليوم الأخير في حياتِه‏.‏

وكنت -وما زلت- أقول أن الله سبحانه وتعالى خلق لنا عينَيْن في الأمام لكي ننظر للأمام‏,‏ وإذا كان يريد أن ننظر للخلف لخلق لنا عينين في الخلف‏,‏ والمطلوب أن نطوي صفحة الأمس ونقول‏:‏ غدًا يوم آخر، وننظر للأمام‏.‏

ولكنني فوجئت بالأستاذ هيكل يعلن على منبر من لا منبر له أن كثيرًا من الشكوك ذاعتْ عن وفاة عبد الناصر وأنه لا يصدِّقُها‏,‏ ولكنه أيضًا لم ينفِها‏,‏ ومع ذلك اختار واقعتين بالتحديد ليذكرَهما بالتفصيل‏.‏

‏*‏ الأولى‏:‏ حديث مسجَّل بين مسئول إسرائيلي وآخر أمريكي بالسفارة الأمريكيَّة بالقاهرة‏,‏ وهو مسجَّل بواسطة المخابرات المصريَّة جاء فيه بالتحديد ضرورة التخلُّص من عبد الناصر بالسمّ أو بالمرض، وهذا التسجيل سمعه عبد الناصر‏,‏ وبطبيعة الحال لا بدَّ أن يكون قد راجع إجراءات أمنه، وهو الذي عاش حياته كلها ورأسه بين يديه‏,‏ ولا غرابة في الحديث، فقد كنا في حالة حرب فعلًا مع إسرائيل‏,‏ ولذلك فهو حديث بلا دلالة عمليَّة، بل حديث عادي في ظروف حرب‏,‏ والقتل ليس بالنيَّة ولكن بالوصول إلى جمال عبد الناصر، وهو ما لم يحدث‏.‏

‏*‏ أما الواقعة الثانية فهي أن الرئيس السابق أنور السادات نحى السفرجي الخاص بعبد الناصر، وصنع له فنجان قهوة بنفسه عقب انفعال طارئ‏,‏ فهذا الحدث إن كان صحيحًا فهو تصرُّف كريم من زميل وصديق يطفئ به النار على الانفعال‏,‏ أما أن يتوفى عبد الناصر بعد ثلاثة أيام‏ فهذا حدثٌ لا شأن له بفنجان القهوة‏.‏

أما ان تكون هناك شائعة أن هذا الفنجان كان قد وُضع به سمّ يقتل بعد ثلاثة أيام دون أي دلائل ودون أن يرى أحد أي شيء فهذا خيال وافتراء لا يقوم عليه أي دليل، وحتى إن ذكر ذلك على أنه شائعة فإن ترديد الشائعة نشرٌ لها ومن شخص في قامة هيكل ومن منبر من لا منبر له‏,‏ فهو نشر لها على مستوى العالم، وعلى الرغم من أن الأستاذ هيكل أعلن أنه لا يصدِّق‏,‏ ومن المستحيل أن يفكر في حدوثها فإن ذكر استحالة تصديقها وتعمُّد نشرها على الملأ ما هو إلا درس لأي صحفي كيف ينشر ما يريد دون أن يذهب إلى المحكمة، وعمومًا فإن الأستاذ هيكل لم ينفِ الشكّ‏.

كما أن لدى الأستاذ هيكل عوامل ذاتيَّة تضع محاذير أمام آرائِه الشخصيَّة في أنور السادات، فقد أُقصي في عهده وأضير معنويًّا بل ووُضع في السجن‏.‏

وفي الحقيقة أنه لا يجوز لأحد أن يشكّ ولو للحظة أن هناك مَن كان يفكِّر في تركة عبد الناصر ممن كانوا حولَه‏,‏ فقد كانت مثقلةً بالمتاعب والمسئوليات الجِسام‏,‏ وأزعم أن مَن كانوا حولَه كانوا سعداء؛ لأنه يحمل المسئولية عن الجميع‏.‏

ـ أشار الأستاذ هيكل إلى أنه يشعر في قرارةِ نفسِه أن الرئيس جمال عبد الناصر كرئيس دولة لم يحظَ بالرعاية الصحيَّة الواجبة لشخص مثلِه وضرب مثلا سفره هو لأفضل أماكن العلاج في الولايات المتحدة‏.‏

وفي الحقيقة ينبغي ألا نقارنَ عصر جمال عبد الناصر بالعصر الحالي‏,‏ فمعدَّل الوفيات في ذلك الوقت كان ‏15,4‏ في الألف ومعدل وفيات الأطفال الرضع ‏145‏ في الألف ومتوسط الأعمار ‏58‏ للذكور و‏60‏ للإناث، وفي عام ‏2006‏ أصبح معدل الوفيات ‏6,3‏ في الألف ومعدل وفيات الأطفال ‏33‏ في الألف ومتوسط العمر ‏69,2‏ للذكور و‏73,6‏ للإناث‏.‏

وعندما توفي عبد الناصر لم يكنْ في مصر عناية مركَّزة عدا واحدة تحت الإنشاء في الإسكندرية وأذكر أنها لو كانت موجودةً لم تكن تجدي في حالة الصَّدمة القلبيَّة التي توفي بسببها عبد الناصر، والتي يتوقَّف فيها ‏40%‏ من عضلة القلب نتيجة انسداد شرايين القلب مما يفقد القلب لوظيفته كمضخَّة‏.‏

ولم يكن في عصر عبد الناصر زراعة أعضاء ولا إمكان عمل خريطة للجينوم البشري يستطيع كل إنسان أن يعرف منها ما يمكن أن يصيبَه من أمراض في المستقبل‏.‏

وفي الحقيقة أن حالة عبد الناصر الصحيَّة لم تكن تحتاج لسفره للخارج للعلاج فلم يكن محتاجًا لأي جراحات‏,‏ كما أن مرضَه كان واضحًا، البول السكري‏,‏ وارتفاع ضغط الدم‏,‏ وارتفاع الكوليسترول‏,‏ وانسداد في شرايين القلب، وجميعها أمراض تعالَج بتغيير نمط الحياة مع العلاج الدوائي، ومئات الألوف يعانون منها، وأكثرهم يعيش بعد الستين‏,‏ ولكن الوفاة المبكِّرة والمفاجئة لجمال عبد الناصر كانت نتيجة وجود عامل وراثي لم يظهرْ في حينها إلى جانب العوامل البيئيَّة‏.‏

في الحقيقة إن القول بأنه لم يحصل على رعاية طبيَّة كافية يجافي الحقيقة؛ فقد زاره كثير من الأطباء الأجانب من كل الجنسيَّات‏,‏ علاوة على الأطباء المصريين ومن هؤلاء الأطباء الأجانب د‏.‏ بولسون ‏(دانمركي‏)‏ د‏.‏ فرجسون ‏(بريطاني‏)‏ د‏.‏ هاورد هانلي‏ (بريطاني‏)‏ د‏.‏ هوبارد من البحريَّة الأمريكيَّة د‏.‏ رفسوم ‏(نرويجي‏)‏ د‏.‏ جرستن براند ‏(نمساوي‏)‏ د‏.‏ إرنسبت فايفر ‏(ألماني‏)‏ د‏.‏ شازوف من الاتحاد السوفيتي‏,‏ فضلًا عن الأطباء الروس الكبار الذين قادهم وزير الصحة الروسي للكشف عليه في روسيا.

بعيدًا عن الشكوك التي ليس عليها دليل‏,‏ فأرجو من كل مَن يقرأ هذا المقال، طبيبًا كان أو لم يكن، أن يدلَّني على تفسير لهذه الحقائق‏!‏

ـ كان جمال عبد الناصر أكبر أشقائه من الأم والأب‏.‏

ـ توفي جمال عبد الناصر عن ‏52‏ سنة بالأزمة القلبيَّة والسكر‏.‏

ـ توفي بعده شقيقه الليثي عن نفس السن وبنفس المرض‏.‏

ـ ثم توفِّي بعده شقيقه الثالث عز العرب عن نفس السن وبنفس المرض‏.‏

ـ أما شقيقه الرابع شوقي فتوفي بعد الثمانين، ولكن ابنه جمال أُجريت له جراحتان في القلب بسبب الشريان التاجي‏.‏

ـ تزوَّج والد جمال‏ (الحاج عبد الناصر حسين‏)‏ بعد وفاة والدة جمال من زوجة أخرى وأنجب خمسة بنين وسيدة عاشوا حياة طبيعيَّة‏,‏ وإن كان أحدهم أو اثنان منهم أُصيبا بأورام‏.‏

ـ توفي والد جمال في سن الثمانين‏ (أكتوبر ‏1968).‏

ـ توفيت والدة جمال عبد الناصر‏(السيدة فهيمة حماد‏)‏ في سن الثلاثين وهي تضع ابنها شوقي أو بعد ولادتِه بيوم‏.‏

ـ توفي خال جمال عبد الناصر ‏(إبراهيم حماد شقيق السيدة فهيمة‏)‏ في الخمسينات من عمره بأزمة قلبية‏.‏

ـ توفي خاله الآخر ‏(أحمد حماد‏)‏ بعد المعاش في ديسمبر ‏1967‏ ولكن ابنه إسحاق توفي في الأربعين بأزمة قلبيَّة‏.

هذه الحقائق ليس لها من تفسير سوى أن العامل الجيني الوراثي إلى جانب العوامل البيئيَّة كانت السبب في الوفاة المبكِّرة والمفاجئة لرئيس الجمهورية جمال عبد الناصر‏,‏ كما كان السبب في وفاة والدتِه وشقيقيه وخاله الأكبر وابن خاله الأصغر‏,‏ وجميع هؤلاء مواطنون عاديون تساوَوْا مع رئيس الجمهورية في النهاية‏.‏

فهل آنَ الأوان لأن يستردّ الطبيب المصري ثقة مواطنيه بعد أن هجرَه الأستاذ هيكل وذهب للعلاج في الخارج وأعلن ذلك على العالم كله‏.
مأساة كامليا ومأزق الكنيسة [2]

(1) أوافق الأستاذ محمود سلطان على ما جاء فى نهاية مقاله كخلاصة مفيدة: أن قيادات الكنيسة بإظهار المسكنة والنعومة إنما تسعى إلى صرف الرأى العام عن القضية الحقيقية للسيدات: وفاء قسطنطين وكامليا شحاتة ومارى عبد الله، وأخواتهن اللاتى أسلمن ولكن قامت جهات فى السلطة بتسليمهن للكنيسة لتفعل بهن الأفاعيل.. أوافقه على أن لب القضية ليس كما يحاول بعض قادة الكنيسة تصويرها فى الإعلام بأنها مجرد إسلام امرأة كانت نصرانية أو تنصّر إمرأة كانت مسلمة، وما قد يترتب على ذلك من اضطرابات عادية أسرية أو اجتماعية .. المشكلة فى صميمها قانونية ودستورية وإنسانية وأخلاقية.. وفيها تجاوز واجتراء واضح على سلطة الدولة وقوانينها.. ما فعلته الكنيسة بهؤلاء الأسيرات المستضعفات جريمة لا يمكن تبريرها ولا الاستهانة بها.. ولا يمكن ولا يجب أن تمر بدون عقاب ووضع جميع المسئولين عنها أمام المحكمة للاقتصاص منهم، وإعادة حقوق الأسيرات فى الحرية والحياة الطبيعية .. فلا أحد يعرف مصيرهن فى هذه الحظة، وقد تتكشف الأوضاع عن جرائم قتل وعمليات تعذيب مروّعة لا يعلم مداها إلا الله ...!

(2) لقد بلور الدكتور محمد سليم العوّا (فى برنامج متلفز على قناة الجزيرة لبّ) القضية وكشف عن أبعادها القانونية والدستورية وآثارها الخطيرة على الأمن القومى لمصر.. وهو أستاذ القانون الخبير الذى يزن كل كلمة ينطقها بميزانها الصحيح، وقد أضاف إلى القضية جريمة تهريب أسلحة من إسرائيل إشارة إلى السفينة التى تم اكتشافها والقبض على صاحبها وهو إبن قسيس فى كنيسة.. مما يدعم الفكرة الشائعة منذ فترة من الزمن أن الكنائس ولأديرة تحولت إلى معاقل مدججة بالسلاح إستعدادا لحرب إبادة لاقتلاع المسلمين[ الضيوف] من مصر.. ولذلك طالب الدولة أن تنهض بمسئوليتها فى فتح الكنائس والأديرة للتحقّق من الأمر قبل فوات الأوان...

(3) سأفترض افتراضا أن كل مايقال عن تخزين الأسلحة وعن القتل والتعذيب الجارى على الأسيرات المسلمات كله غير صحيح.. فهل يكون الصحيح هو الموقف الكنسي المستعلى والمستخفّ كما تعبر عنه تصريحات البابا ومساعديه، وإنكار مطلق لأى حق للرأى العام أن يعرف مصير أناس احتجزتهم الكنيسة ومارست عليهم سلطات لا يصح أن تملكها أو تدّعى ملكيّتها...؟! ومما يعزز شكوك الرأى العام فى موقف الكنيسة ونواياها ذلك الرفض القاطع للبابا تنفيذ أحكام للمحكمة الإدارية العليا.. كأنه هو دولة أخرى غير مصر ، إضافة إلى التصريحات الجاهلة الغبية لبعض قادة الكنيسة الذين لا يخجلون من ترديد أن المسلمين ضيوف على النصارى أصحاب البلد.. ثم الخوض فى سلامة الآيات القرآنية والتشكيك فى التنزيل وكتابة المصحف.. حيث يتساءل الأنبا بيشوى مستنكرا: هل أضيفت آيات كذا وكذا فى عهد عثمان لم تكن موجودة فى القرآن عندما [ قالـه ] محمد ...؟! وتأمّل بإمعان فى تعبيره بكلمة [قاله] بدلا من: قرأه أو ألقاه ... فى كلمة واحدة يكشف الرجل عن حقيقة ما يدور فى عقول هؤلاء الناس: إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنكار الإسلام كدين منزّل، وإنكار القرآن ككلام لله وإنما مجرد كلام اخترعه محمد، وحتى عثمان الخليفة الثالث فى نظر بيشوى لم يحترم كلام محمد فأضاف إليه من عنده آيات جديدة .. ثم يستغرب بعد ذلك كيف أن المسلمين يعتبرونه كافرا .. ألست كافرا بنبوة محمد وكافرا بالقرآن...؟! لقد حكمت على نفسك أنت بمنطوق عبارتك ، ولست فى حاجة إلى من يصمك بالكفر، فقد وصمت نفسك بنفسك .. وكذلك يصف النصارى المسلمين بأنهم كفار، وتلك مسألة يمكن فهمها والتعايش معها بسلام فى وطن واحد، [ لا أعبد ماتعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين].. أنا لاأومن بدينك ولكنى أحترمك ولا أسخر من دينك، وأنت لا تؤمن بدينى ولكنى أتوقع منك أن تحترمنى وألا تسخر من دينى وتفترى عليه، وألا تقل لى أنى مجرد ضيف عندك، ولست مواطنا مثلك.. بهذه المعادلة عاش المسلمون والنصارى فى مصر بسلام عبْر أربعة عشر قرن مضت من الزمن.

ولكن الذى يحدث الآن من جانب القيادات الكنسية المستعلية هو عملية استقواء وتخريب لهذه العلاقات الوطنية والإنسانية العميقة الجذور .. ويبدو أن قضية الوطنية والمشاركة فى المصير الواحد بين النصارى والمسلمين لم تعد قضية ذات اعتبار فى ظل الأيديولوجية الجديدة التى يراد فرضها قهرا على النصارى قبل المسلمين.. وأكاد أشم فيها رائحة حرب تطهير عرقى للمسلمين فى مصر، على غرار النموذج الذى شاهدناه فى البوسنة وكوسوفا خلال تسعينات القرن العشرين.. فالأفكار التى يروّج لها اليوم بعض قادة متطرّفين فى الكنيسة.. تشبه نفس الأفكار التى أشاعتها القيادات الدينية والسياسية الصربية المتطرفة فى يوغسلافيا ضد المسلمين فى ثمانينات القرن الماضى، وهى التى مهّدت لحرب الإبادة فى التسعينات، ومن ثم تمزقت يوغسلافيا واندسرت إلى الأبد...!

(4) الأمر برغم كل ما حصل لم يصل بعدُ إلى طريق اللاعودة، فلا يزال الحل ممكنا وواضحا .. وقد أشرت إليه فى خاتمة مقالتى السابقة: رؤية الواقع السكانيّ فى مصر على حقيقته وفى إطاره التاريخي الصحيح وليس كما يتبدى لبعض العقول فى أوهامها وهلوساتها المرضية.. أخرجوا السيدة كامليا، والسيدة مارى عبد الله، والسيدة وفاء قسطنطين إلى النور إن كانت لا تزال حية .. فإن كانت قد قتلت فعلا فيجب أن يقدّم المسئول عن جريمة القتل للمحاكمة .. وليكفّ القساوسة المتطرفون عن تصريحاتهم الغبية حول الإسلام والنبى والقرآن فهم لا يكشفون إلا عن جهلهم وعجزهم عن فهم التاريخ والحضارة الإنسانية التى بناها هذا الإسلام (بلا سابقة ولا لاحقة) على مبادئ الأخلاق والعدالة والمساواة بين جميع البشر الذين كرمهم الله فى قرآنه، وعاشت فى ظلها بحرية كل الأجناس والأعراق البشرية، والأديان كلها ما كان منها منسوبا إلى السماء إوإلى الأرض، لا فرق ولا تمييز ولا عبودية..



(5) سألنى بعض القراء ماهى حكاية محاكم التفتيش الكنسية الى ذكرتها فى مقالتك السابقة.. وأحاول أن أوضح المسألة قدر الاستطاعة فيما يلى:

كانت محاكم التفتيش هيئات أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية للقبض على الأشخاص المشتبه فى معارضتهم لتعاليم الكنيسة ومحاكمتهم. أقيمت هذه المحاكم في كثير من بلاد أوروبا، ولكن كان أكثرها شهر محكمة التفتيش الأسبانية التى أقيمت بعد انهيار دولة المسلمين فى الأندلس.. وبداية حكم الملك فرديناند الخامس وزوجته إيزابيللا وكان عمل المحكمة هو التجسس على أهل الأندلس المسلمين الذين تم تنصيرهم قسرا، والتنكيل الوحشى بهم..

ويجب أن نتذكر أن تعاليم الكنيسة منذ بدايتها فى أوربا ابتداءً من حكم الإمبراطور الروماني قسطنطين (306-337م)، كانت هى أساس القانون والنظام فى الإمبراطورية الرومانية، وكان الخروج عليها يعتبر جريمة ضد الدولة.. وفي عام 1231م أنشأ البابا جريجوري التاسع محكمة خاصة للتحقيق مع المتهمين وإجبار المهرطقين على تغيير معتقداتهم.. وبعد نحو قرنين من الزمن تولت لجنة الكرادلة التابعة للمكتب البابوي عمليات التحقيق.. وتكاثرت محاكم التفتيش في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا، وكان التعذيب وسيلة اعتيادية جدا فى تلك المحاكم، ومنه حرق المحكوم عليهم أحياءً.. إلا أن ما حدث للمسلمين فى الأندلس قد بلغ من بشاعته حدا يصعب وصفه بالكلام .. فقد امتد تعذيبهم قرونا لا أياما ولا سنوات .. وتلك حقيقة تاريخية صادمة .. الذين خضعوا لهذا التعذيب كان يطلق عليهم إسم (المورسكيون) وهى تسمية للمسلمين الذين أجبرتهم الكنيسة تحت إرهاب محاكم التفتيش على التنصر، ومع ذلك كانت تشك فى حقيقة تنصرهم وتعتقد أنهم يمارسون عبادتهم الإسلامية سرا .. ومن ثم لا يجب الوثوق فى تظاهرهم بالمسيحية.. وترتّب على ذلك توالى صدور أوامر من الدولة للحد من حرية المورسكيين وتقييد هم بمزيد من القيود: منها حظر التحدث بالعربية فى مجالسهم الخاصة وحظر الختان، وحظر الوقوف تجاه القبلة، وحظر الاستحمام والاغتسال، وحظر ارتداء الملابس العربية. ولما وجدت محكمة تفتيش غرناطة بعض المخالفات لهذه اللوائح عمدت إلى إثبات تهديدها بالفعل، وأحرقت اثنين من المخالفين أمام الجمهور...

وبعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوما سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.



(6) ولنستمع إلى هذه القصة التي يرويها لنا أحد ضباط الجيش الفرنسي الذي دخل إلى أسبانيا بعد الثورة الفرنسية هو الكولونيل ليموتسكي .. قال:

"كنت سنة 1809 ملحقا بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا، وكانت فرقتي ضمن فرق الجيش الذي احتل مدريد ... وقد دأب الرهبان الكاثوليك أصحاب ديوان التفتيش على قتل كل فرنسي يقع في أيديهم انتقاما من القرار الصادر ضدهم . وبينما كنت أسير مرة في إحدى الليالي عابرا شارع من شوارع مدريد يقل المرور فيه إذ باثنين مسلحين يهجمان عليّ يريدان قتلي، فدافعت عن حياتي دفاعا شديدا، ولم ينجّني من القتل إلا قدوم سَرِيّة من جيشنا اعتادت أن تحمل المصابيح وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام.. فما إن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب. وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش.. فأسرعت إلى المارشال سولت الحاكم العسكري لمدريد وقصصت عليه النبأ، ققال: لا بد من معاقبة هؤلاء الأشرار وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم.. والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع وهاجم دير الديوان واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة".

ثم يتابع قائلا: "أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على القساوسة جميعا وعلى الحراس من جنودهم توطئةً لتقديمهم إلى مجلس عسكري، ثم أخذنا نبحث فى غرف الدير بين كراسيّ هزازة وسجاجيد فارسية وصور ومكاتب كبيرة.. وقد لا حظنا أن أرض الغرف مصنوعة من الخشب المصقول المدهون بالشمع. وكان شذى العطر يعبق فى أرجائها فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الرفاهية واللهو...

وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب.. لقد فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها، فلم نجد شيئا يدل على وجود ديوان للتفتيش، فعزمنا على الخروج من المكان يائسين...

(7) كان الرهبان أثناء التفتيش يُقْسِمون ويؤكدون لنا أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهما باطلة، [ وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس توشك عيناه أن تطفرا بالدموع]، فأصدرت أوامرى للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير.. لكن اللفتنانت دي لِيِلْ استمهلني قائلا: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنتهِِ بعد ..؟! قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئا مريبا. فماذا تريد يا لفتنانت..؟ قال: إنني أرغب فى فحص أرضية هذه الغرف، فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها.. عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة. وكنا نرقب الماء، فإذا بالأرض في إحدى الغرف قد ابتلعته.. فصفق الضابط دي ليل من شدة الفرح وهتف قائلا: ها هو الباب، انظروا.. فنظرنا فإذا بباب قد انكشف.. كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب أحد قوائم مكتب رئيس الدير.. أخذ الجنود يكسرون الباب بكعوب البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها غبرة.. ثم فُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين.. ولما هممت بالنزول وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفا، وقال لي: يابني.. لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال..إنهاشمعة مقدسة...! فقلت له: يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء.. وسنرى الآن من هو النّجس فينا، ومن القاتل السفاك...؟!

(8) هبطت على دَرَج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، يسمّونها قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام به حلقة حديدية ضخمة، رُبِطَتْ بها سلاسل مُعَدّة لتقييد المحاكمين بها.. وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء.. ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.. فرأيت فيها ما يستفز نفسي ويبعث فيّ القشعريرة والتـقزز طوال حياتي. رأينا غرفا صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفا على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممدا بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، فتأكله الديدان... ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.. وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.. وكان السجناء رجالا ونساءً تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين.. استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء وتحطيم أغلالهم، وهم في الرمق الأخير من الحياة.. كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب. وكان السجناء جميعا عرايا حتى اضْطُرّ جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعضهم .. أخرجنا السجناء إلى النور تدريجيا حتى لا تذهب أبصارهم.. كانوا يبكون فرحا، وهم يقبّلون أيدي وأرجل الجنود الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب وأعادوهم إلى الحياة.. كان مشهدا يبكي الصخور.

ثم انتقلنا إلى غرف أخرى فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان.. عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب منها آلات لتكسير العظام وسحق الجسم البشري. كانوا يبدأون بسحق عظام الأرجل ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا حتى يتهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة والدماء الممزوجة باللحم المفروم.. وهكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين.. ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماما يوضع فيه رأس المحكوم عليه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يتمكن من الحركة.. وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، نقطة في كل دقيقة.. وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المُعَذَّبُ على حاله تلك حتى يموت.. وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة.. كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره.. فإذا تمّ إغلاقه مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إِرْبًا.. كما تم العثور على آلات كالخطاطيف تغرز في لسان المعذب ثم تُشد ليخرج اللسان معها، فيتم قصّه قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.. وتم العثور على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم"... [إقرأ إن شئت المزيد عن هذه الأهوال كتاب محمد عبد الله عنان: نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصّرين...] لتعرف حقيقة محاكم التفتيش التى أشرت إليها فى مقال سابق ثم اسأل نفسك: هل نحن بعيدين عن محاكم التفتيش...؟! أم أنها تعمل بين ظهرانينا ونحن لا ندرى..؟! من ينكر هذا عليه أن يثبت بالعمل لا بالمكابرة والادعاء و إعلان التمرد على قوانين الدولة... فليفتح أبواب الأديرة للتفتيش.. وليثبت للدنيا كلها براءته.. ويثبت أن الأديرة خالية من الأسلحة وخالية من التعذيب وخالية من السجناء والمحتجزين .. وليطلق سراح المسلمات المحتجزات: وفاء قسطنطين وكامليا ومارى عبد الله وغيرهن...
 

ليست هناك تعليقات:

بعث عميد مسجد باريس الكبير شمس الدين حفيظ، الخميس، رسالة و جهها إلى 150 إماما تابعين للمسجد نفسه يطلب منهم "تلاوة أدعية لفرنسا باللغتين الفرنسية و العربية في نهاية خطبة كل يوم جمعة".

  بعث عميد مسجد باريس الكبير شمس الدين حفيظ، الخميس، رسالة و جهها إلى 150 إماما تابعين للمسجد نفسه يطلب منهم  راسل عميد   مسجد باريس الكبير ...