د. عادل عبدالعزيز |
باريس:
الإضرابات العمالية، المطالبات الفئوية، الصراعات الايديولوجية والاختلافات السياسية كلها محاور ركز عليها النقاش بعد الثورة إلا أن الموضوع الأكثر أهمية ألا وهو الاقتصاد المصري غائب عن دائرة الاهتمام. هكذا جاءت فكرة كتاب جديد استعرضه الدكتور عادل عبدالعزيز في المركز الثقافي المصري بباريس، ففي لقاء خاص بالأهرام ركز فيه المؤلف علي عدة نقاط تعد كبسولات أساسية لكل مرشح محتمل خوضه الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يقول د. عادل: جاءت فكرة الكتاب أثناء الثورة وبعدما دعيت أكثر من مرة في الأجهزة المرئية في فرنسا للتعليق علي الأحداث بصفتي من المتخصصين الاقتصاديين خاصة وأن التخوف الأوروبي من تداعيات الثورة علي المصالح المشتركة كان شديدا وبالأخص علي حركة المرور في قناة السويس والسياحة والشركات الفرنسية العاملة في مصر.
ويؤكد الكاتب أن لدينا موروثات من الانتقادات ونقاط ضعف تعود ليس فقط لثلاثين عاما ماضية ولكن لما قبل ذلك بمراحل. كرس المؤلف جزءا لتحليل الاقتصاد المصري فيما بين الفترتين من ثورة 1952 حتي ثورة 25 يناير. ويقول من أجل قراءة موضوعية لابد من العودة إلي أكثر من ثلاثين أو أربعين عاما، مع مراعاة أن مصر جزء من المنظومة العالمية فلا يمكن إغفال تحليل الاقتصاد العالمي وما يحدث في أوروبا من أزمة اليورو أو الأزمة الأمريكية (مثلا) كل ذلك دعاني للبحث عن نموذج اقتصادي آخر. وضرورة البحث عن مصراوية الاقتصاد بمعني أنه يجب أن نعود إلي الاقتصاد من قاع مصر (أو إعادة النظر إليه بخلفية وطنية بحتة)، مع الأخذ في الاعتبار أن النماذج المفروضة علينا من الخارج قد فشلت بل أنها فشلت في دول متعددة.
ويضيف د. عادل أود توصيل هذا الكتاب إلي الأحزاب السياسية والمرشحين الرئاسيين الذين يبحثون عن برامج انتخابية ونحن علي مشارف الانتخابات وأتوقع أن كل منتخب سيعرض برنامجا قد يخلو من الجانب الاقتصادي وهذا ما يحدث بالفعل في التجربة التونسية، حيث انشغال المرشحين للانتخابات البرلمانية هناك بمشاكل بعيدة كل البعد عن الأهداف التي فجرت الثورة فهم يتكلمون عن البعد العربي والإسلامي والإمبريالية الصهيونية وغيرها.
وتحت عنوان "مصر الثورة الثروة" يقول أردت تطبيق نموذج لتلبية الأسباب التي قامت من أجلها الثورة، وفيما يتعلق بجزئية مصر الثورة طرحت حلولا لمعالجة مشاكل عدة منها الفقر، المناطق العشوائية، الصحة، التعليم، وسوق العمل وسياسة تجديد الأجور، أما في جزئية مصر الثروة ومن منطلق أن علم الاقتصاد ما هو إلا سعي لتحقيق الرفاهة للمواطن وجدت أنه عندما نضع برنامجا للإصلاح الاقتصادي في مصر فلا يجب أن نضع حلولا تتزامن مع الفترة الراهنة (قصيرة المدي) بل بنظرة مستقبلية (طويلة المدي).
ويحذر د. عبدالعزيز من خطورة حصر الاقتصاد المصري في المصادر الريعية الثلاثة ( دخل قناة السويس، عائد المصريين في الخارج والسياحة) مشيرا إلي ضرورة طرح برنامج انتخابي لكل مرشح مع تصور اقتصادي بالأرقام معترفا أن لدينا مشكلة حقيقية في إتاحة معلومات دقيقة تمكننا من إقامة دراسة عليها، فضلا عن الأرقام الزائفة (المتاحة) عن معدلات النمو ونسبة البطالة وغيرها من الأمور التي تعوق وضع خطط تنموية مستقبلية.
ففي سيناريوهين أحدهما متفائل والآخر متشائم يتوجس المؤلف في الطرح الأخير من أن يضع رئيس مصر القادم وحكومته حلولا وسياسات اقتصادية ونقدية تلبي الهدف الشعبوي أي تلبية ما ينتظره المواطن من أساليب قد تؤدي إلي تعميق عجز الموازنة والدفع بمصر مرة أخري إلي الاقتراض من الخارج وربما تأتي حكومة أخري بعد ثماني سنوات لتعالج مشاكل سياسيات الحكومة الأولي وهكذا ومن خلال حلول قصيرة المدي تقع البلاد في حلقة مفرغة من الديون مما يزيد التوقع باندلاع ثورة ثانية بعد فترتين رئاسيتين متتاليتين وستكون اقتصادية لأنه من روح الديمقراطية في مصر لن يهدأ الشارع طالما هناك مطالب مشروعة وهذا ما سيزيد من الضغوط علي الحكومة الجديدة والرئيس الجديد.
أما السيناريو المتفائل للاقتصاد المصري، فيقوم علي عدة فرضيات أهمها النمو السكاني واكتشاف حقول بترول والحفاظ علي نصيب مصر من المياه وعودة السياحة وأهم ما في النظرة المتفائلة هو الميثاق الشعبي وهذه نقطة ليست اقتصادية ولكنها تخص المواطن المصري الذي يعيش الآن في خيبة أمل ناتجة عن دور الصحافة والإعلام فلابد من توضيح أن سقف الواجبات أعلي من سقف الحقوق، وأنه علي الحكومة الجديدة أن تضغ من الآن حدا للنمو السكاني بألا يتخطي الـ 2% وهذا لا يتأتي إلا من خلال سياسات مالية وترشيد لأموال الدولة ومحاربة التبديد لثرواتنا وتحفيز المؤسسات الوطنية الصغيرة والمتوسطة مع دعم الاختراعات والتكنولوجيا الحديثة واسترداد العقول المهاجرة فهناك ما يزيد علي 600 عالم في مجالات مختلفة ودقيقة موجودين في الخارج هذا هي الثروة الحقيقة لمصر وهذه الأمر أهم بكثير مما ننشغل به حاليا من استرداد الأموال المهربة.
ويطرح المؤلف في آخر الكتاب اقتراحات للبطالة وساعات العمل والتقاعد وإعادة النظر في النظام الضريبي والمشكلة التي تدق علي أبواب مصر في المستقبل القريب وهي كيفية التعامل مع كبار السن لأن الهرم السكاني في مصر يتغير فبالنظر من اليوم وحتي 2014 يمكن أن نتخطي تعداد 100 مليون نسمة مع تغيير واضح في الفئات العمرية، مصر ستواجه مشكلة في زيادة في تعداد المتقاعدين وهي الأزمة التي يواجهها العالم الغربي وبصفة أخص فرنسا التي تبحث عن كيفية تمويل صندوق المعاشات.
ويدعو المؤلف جيل الاقتصاديين الجدد من الشباب إلي التعلم من أخطاء الماضي بالأخذ في الاعتبار مصراوية الاقتصاد ثانيا الخروج من المثلث الضيق للمصادر الريعية ثالثا الاحتياط من الهيكل السكاني المصري وأهم من ذلك تطوير البحث العلمي.
وبالرغم من أن الكاتب يستبعد سيناريو بقاء المجلس العسكري في قيادة البلاد لفترة طويلة إلا أنه يحذر من تداعيات بقائه علي تدني الحالة الاقتصادية وهو ما حذرت منه آخر الدراسات الفرنسية.
الدكتور عادل عبدالعزيز تخرج في جامعة الأزهر وعمل بها كمعيد وكانت رسالة الماجستير عن الإعداد الفني عن دور التنمية الاقتصادية في مصر قام بدراسة الاقتصاد لمد عامين بجامعة السوربون بباريس سجل رسالة الدكتوراه عن العلاقات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي ودول المشرق العربي، يدير مكتبا في باريس للاستثمارات ولديه مشروع لكتابين عن "الثورات العربية وأثرها علي السياسات الأوروبية المتوسطية" وكتاب آخر عن "مصر وتونس رفقاء الثورة فقراء التنمية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق