الأربعاء، ديسمبر 08، 2010



سيف العدالة في يدنا


من حسن حظ مصر أنها ما زالت تملك مؤسسات قضائية ذات هيبة واحترام ، على الأقل في ضمير نخبتها وضمير المواطن ، والقضاء الإداري (ديوان المظالم) هو درة في جبين مصر بالفعل ، وهو أحد أهم ما تبقى من معالم "الدولة" في مصر هذه الأيام ، ولذلك يكون من المهم للغاية أن يركز كل مخلص في مصر على الأحكام المهمة والخطيرة التي أصدرتها المحكمة الإدارية في محافظات مصر المختلفة ، والتي تؤكد بطلان انتخابات مجلس الشعب الحالي وانعدام المراكز القانونية للمرشحين الذين خاضوها ، بما يعني أن الحزب الوطني ـ قانونا ـ أتى بناس من الشارع ليس لهم أي صفة أو وضع قانوني يسمح لهم بالترشح أو الحصول على عضوية البرلمان .

والقضاء الإداري لا يمكن لومه حتى الآن ، لأنه أدى ما عليه تجاه الوطن وتجاه المواطن وتجاه العدالة في بلادنا ، وأصدر أكثر من ألف ومائتي حكم طوال الأسبوعين الماضيين ، ثم أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما بتوضيح آخر يؤكد على أنها ـ وحدها ـ الجهة المختصة دستوريا بالفصل في صحة إجراء الانتخابات قبل وأثناء انعقادها ، أو كما قالت في بيانها الخطير حرفيا : (إن مجلس الدولة يظل هو المختص بنظر الطعون المقامة بشأن قرارات إعلان النتيجة دون مجلس الشعب، لأن الأخير لا ينعقد له اختصاص إلا بالنسبة للطعون الانتخابية المتعلقة بنتائج الانتخابات التى تجرى، وفق صحيح حكم القانون، والتى تعلقت إرادة الناخبين بها. وبالنسبة للطعون الخاصة بنتائج الانتخابات التى أجريت دون مراعاة للأحكام الصادرة من مجلس الدولة، فلا يكون هناك مجال لاتصال مجلس الشعب بها، لأن خروج اللجنة العليا للانتخابات عن حجية تلك الأحكام وعدم تنفيذها رغم صدورها قبل التاريخ المحدد للانتخابات ينعدم معه كل مركز قانونى نشأ بعد ذلك، ويكون تكوين مجلس الشعب عندئذ مشوباً بشبهة البطلان).

والكلام هنا شديد الوضوح ، حتى لغير المختصين مثلي ، فلا يعقل أن أقدم أوراق ترشيحي مثلا فترفضها الجهة الحكومية وتحرمني من حقي في خوض الانتخاب ، وبالتالي تنعدم المنافسة ، فألجأ للقضاء فيقضي لي بحقي الطبيعي والقانوني بخوض الانتخابات ويلزم الجهة الإدارية بذلك ، فترفض الجهة الإدارية وتصر على إجراء الانتخابات مع استبعادي ، فأعود إلى القضاء فيحكم بوقف إجراء الانتخابات أو بطلان إجرائها ، فتستمر الحكومة في إجرائها وتعلن عن فوز شخص ما بوصفه صاحب "الحق" في المقعد ، ثم يأتي بعد ذلك هو وحزبه في البرلمان ليقول أنا الحكم حتى وإن كنت أنا الخصم ، ويقضي هو ـ خصمي ـ في حقي ، ويسقط حقي ويقول أنا هنا السيد ، والقرار قراري ، وقررت أن حقك منعدم في الترشح ، وأن ما قاله القضاء باطل ولا قيمة له ، هذا ضرب من السفه والجنون ، لا يقول به عاقل ، ولا يمكن أن يحدث في نظام سياسي يعرف شيئا اسمه القانون أو قيمة اسمها القضاء ، وهي بلطجة سياسية تتمسح في عبارات مطاطة .

لذلك كله ينبغي أن تركز الأحزاب المصرية والنخبة والرأي العام الفاعل والمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية على فضح هذه الأكذوبة التي اخترعها "كهنة" الحزب الوطني ، بعبارة "سيد قراره" والتأكيد على أنها بلطجة سياسية واعتداء على دولة القانون وإهدار لمفهوم الدولة من أساسه ، وإبطال لعمل مؤسساتها ، فضلا عن كونها تحول العمل السياسي إلى عبث وفوضى وتحول برلمان الدولة إلى ما يشبه سلوك المقاهي الشعبية على طريقة "هي كده" واللي مش عاجبه ، نحن نملك الآن الحق والقانون والعقل والعدالة ، والحزب المزور للانتخابات لا يملك إلا الباطل وتجاهل القانون وإهدار العدالة والخروج حتى على مقتضيات العقل ، سيف العدالة في يدنا الآن بالفعل رغم كل التضليل والبلطجة التي يشغبون بها على العدالة والقانون وأحكام القضاء ، وبدون أدنى شك فإن الحق ينتصر في النهاية ، إذا كان وراءه رجال ، والعدالة ستفرض منطقها إذا حظيت بدعم وحماية نخبة قوية تدافع عنها ولا تترك اللصوص يهربون بسرقتهم . 
البرادعي والتغيير.. الأمل الافتراضي



كان ظهور الدكتور محمد البرادعي، جزءا من موجة حراك نخبوي تبلورت في عدة تجمعات في مواجهة توريث الحكم وفي مواجهة تزوير الانتخابات، وتبلورت بعد ذلك، وبعد عودة البرادعي، في الجمعية الوطنية للتغيير. وظهر شعار التغيير مرة أخرى، مثلما ظهر من قبل في عام 2005، ومعه يظهر قدر من الاهتمام في الشارع المصري بما يحدث، ولكنه اهتمام أكثر منه حماس وتأييد. فليس من المتوقع أن تحظى أي حركة بتأييد كاسح وحماس كبير منذ اللحظة الأولى، بل أن أي تأييد شعبي لحراك يهدف للتغيير، يحتاج في الواقع لتفاعل مستمر بين النخبة التي تحمل شعار التغيير، وبين الجماهير، حتى تعرف الجماهير في النهاية فحوى شعار التغيير، وتعرف أهدافه وأسبابه، وبعدها تقرر إذا كانت تؤيده أم لا.

ولكن ما حدث، كان ظهورا مفاجئا، صاحبه حالة اهتمام إعلامي، ومن ثم قدر من الاهتمام الشعبي، ثم بدأت الأضواء تخبو من حول رموز الحراك الهادف للتغيير، فتصبح الجمعية الوطنية للتغيير مكون من مكونات الحالة السياسية، وتفقد بريقها بعد ذلك تدريجيا. ومن الممكن أن تعود مرة أخرى إلى الأضواء، خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية، ولكن العودة الثانية ليست مثل الظهور الأول. فكثرة ظهور حركات تنادي بالتغيير، ثم تراجع حركتها بعد ذلك، حتى لا يصبح لها تواجد في الشارع، أو حتى تواجد إعلامي مناسب، يصيب الجماهير بحالة شك في تلك الحركات، وفي قدرتها على إحداث التغيير أساسا. وتصبح المشكلة مزدوجة، فهناك مشكلة في جدول أعمال التغيير الذي تحمله تلك الحركات، والذي لا يبدو واضحا بالنسبة للجماهير، ويضاف لتلك المشكلة عدم قدرة تلك الحركات على الاستمرار في العمل والتأثير، حتى تصبح بالفعل قوة لها تواجدها في الشارع، وفي مواجهة النظام الحاكم.

ومع كثرة ظهور حركات واختفائها النسبي، سوف يقل اهتمام الشارع بأي حركات جديدة تظهر، أو بأي حركة تعود للظهور مرة أخرى، حيث سوف يتشكل لدى الجماهير قناعة بأن ما يحدث هو نوع من الحراك النخبوي الخاص بفئة من الممارسين للعمل العام، وأن ما يحدث هو جزء من صراعات النخب التي تتبوأ مكانة مهمة في المجتمع. وربما يؤدي هذا في النهاية إلى النظر لما يحدث باعتباره خلاف داخل النظام ، أي خلاف داخل القصر الحاكم، على أساس أن النخب هي جزء من المنظومة الحاكمة أو المؤثرة، لأن المسافة الفاصلة بين النخب والنظام تضيق، بقدر عدم قدرة النخب على مواجهة النظام الحاكم، وأيضا بقدر عدم وضوح الفرق في مواقف النخب ومواقف النظام الحاكم، حيث تبدو المسألة وكأن النخب تنافس النظام الحاكم على الحكم، أكثر من كونها تعارض سياساته الداخلية والخارجية.

وتلك مسألة مهمة، فالجماهير تنظر إلى الصورة الكلية، وليس الصورة التفصيلية، وتحدد رؤيتها وانطباعها عن الفاعلين في الساحة السياسية، وتحدد المسافة الفاصلة بينهم. وهناك العديد من الأسباب، التي تجعل الجماهير ترى أن المعارضة ممثلة في الأحزاب الرئيسة، تمثل جزءا من منظومة النظام، وهو انطباع ظهر في حالة انصراف الجماهير عن تلك الأحزاب بصورة تختلف عن الوضع في ثمانينات القرن العشرين. مما يعني أن الجماهير التي كانت تنظر إلى أحزاب المعارضة بوصفها معارضة حقيقية، أصبحت تنظر لها بوصفها جزءا من النظام القائم. ورغم أن حركات التغيير والاحتجاج تبدو مخاصمة ومعارضة للنظام، ولكن تصرفها النخبوي يمكن أن يجعل صورتها تبدو في النهاية كجزء من النظام الحاكم. فالقضية لا تتعلق فقط بقدر معارضة النظام، ولكن تتعلق بقدر معارضة سياسات ومواقف النظام، خاصة الخارجية منها. لأن الاختلاف مع النظام في السياسات، يعني أن حركات الاحتجاج تريد تأسيس وضع مختلف لمصر، ولا تريد فقط تدوير السلطة، حتى يكون لها نصيب في السلطة.

وهنا تظهر مشكلة أخرى، فبعض المعارضة الاحتجاجية، ترى أهمية أن يختار الناس الحاكم، ولكن تلك القضية ليست هي القضية الوحيدة بالنسبة للجماهير، لأن اختيارهم للحاكم قد لا يعني قدرتهم على اختيار من يريدون، فقد يتاح لهم فقط اختيار ما تسمح به الظروف الدولية، مما يعني عدم قدرة الجماهير على اختيار من يحمل جدول أعمال للسياسة الخارجية مختلف عن ما يحمله النظام. وعليه يمكن للجماهير أن تنظر لما يحدث، بوصفه خلافا بين نخب تريد الحرية، ولكن سياساتها الخارجية سوف تكون مثل سياسات النظام الحاكم، ونخبة حاكمة لها سياساتها المعروفة ولا تريد تحقيق حرية العمل السياسي.

وهنا يظهر الموقف من السياسات الغربية، فكلما أصبحت حركات الاحتجاج تبدو للجماهير على أساس أنها تحمل سياسات تتوافق مع السياسات الغربية في المنطقة، أدى ذلك إلى ظهورها بوصفها جزءا من النظام. فإذا كانت نخب الحراك النخبوي تحمل توجهات تتوافق مع السياسات الغربية، وتحمل جدول أعمال ليبرالي، في السياسة والاقتصاد والاجتماع، فمعنى هذا أن تلك النخب تحمل نفس توجهات النظام، ولكنها تختلف معه في أنها تريد تحقيق الديمقراطية، مما يعني أن الديمقراطية سوف تسمح بتغيير النخبة الحاكمة، ولكنها لن تغير السياسات الحاكمة، بقدر ما تغير الأشخاص، وتغير حالة الفساد والتراجع. وهذا الانطباع كافي لجعل الجماهير أو على الأقل جزء مهم منها، يرى أن نخب الحراك، لا تختلف كثيرا عن نخبة الحكم.

وفي الوقت نفسه، فإن ظهور حركات الاحتجاج ثم نزولها إلى الشارع أحيانا، ثم اختفائها بعد ذلك، يكرس الصورة النخبوية لها، مما يجعل الجماهير ترى أنها مسألة لا تخصها بقدر ما تخص النخب الحاكمة والمعارضة. خاصة عندما يبدو النزول إلى الشارع، وكأنه محاولة لكسب التأييد في مواجهة النخبة الحاكمة، أكثر من كونه خضوع لرغبات الشارع ومطالبه. فالزعامة تتحقق بقدر ما تستطيع التعبير عن مطالب الشارع، وبلغته ومصطلحه وخياراته، ولكن مجرد طلب تأييد الشارع في مواجهة النخبة الحاكمة، فإنه يعني أن المطلوب هو استقطاب الشارع في صراع نخب.

ورغم أن سفر البرادعي للخارج قد يكون مرتبطا باعتبارات خاصة، إلا أنه يصب في النهاية في الصورة المتكونة عن النخب في الشارع المصري، وهي أنها نخب مرتبطة بالغرب وبالفكر الغربي وبالقيم الغربية، خاصة وأن خطاب النخب لا يخلو من مصطلحات غربية ومفاهيم غربية ومفردات سياسية غربية، وربما يخلو كثيرا من المصطلحات والمفاهيم والقيم الحضارية التقليدية. وهو ما يصب في النهاية في تصور الجماهير للنخب، بوصفها نخب متغربة، وهي صورة تقليدية عن النخب الثقافية والسياسية، منذ فترة طويلة، خاصة مع تزايد تأثر النخب بالفكر الغربي الحضاري والسياسي.

كل هذه العوامل تتجمع معا، لتجعل حالة الحراك النخبوي، حالة افتراضية أو حالة إعلامية، وتقل فرص هذا الحراك في الانتقال من المستوى الإعلامي إلى الشارع، ومع تردد النخب في تحديد خطة عمل في الشارع، وكثرة الخلافات الداخلية، تصبح حالة الحراك النخبوي، حالة تتابعها الجماهير بأكثر من المشاركة فيها، وربما ترى في النهاية أنها حالة لا تخصها، وأنها حالة نخبوية تتابعها، مثلما تتابع أي شئون لا تعنيها مباشرة. وهنا سوف يصعب على النخب أن تتحرك في المستقبل، خاصة مع تكرار الحركة في العالم الافتراضي، والحركة التي تخبو سريعا قبل أن تكتمل، مما يعني أن الأمل الذي يظهر مع الحركة، ويخبو سريعا، لن يظهر بنفس الدرجة في المرات القادمة، وربما يخبو بسرعة أكبر.

ليست هناك تعليقات:

رسالة إلى آل سعيهود و آل شخيخ!! ردوا إلينا الحرمين وقايضوهم بالهرمين سنطالب ب #التدويل_إذا_أصروا_على_التثميل #التقديس_يتنافى_مع_التدنيس

 رسالة إلى آل سعيهود و آل شخيخ!! ردوا إلينا الحرمين وقايضوهم بالهرمين سنطالب ب #التدويل_إذا_أصروا_على_التثميل   #التقديس_يتنافى_مع_التدنيس