الثلاثاء، أبريل 20، 2010

انهيار الأنظمة الاستبدادية العربية في كل من مصر والسعودية واليمن وعشرات الدول العربية الأخرى الساداتى لم ولن يكن شهيداً



دعت أوباما إلى عدم تفويتها.. "واشنطن بوست": هناك فرصة حقيقية لإحداث التغيير في مصر مع ظهور البرادعي الإصلاحي ذي المصداقية


أكد الكاتب الأمريكي جاكسون ديل أن الولايات المتحدة لديها فرصة حقيقية الآن لإحداث التغيير في الشرق الأوسط، وأنها يجب ألا تضيع فرصة إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي، خاصة في دولة مثل مصر مع زيادة الحركات المعارضة المطالبة بإصلاحات سياسية، بدلا من التركيز على أمور تدرك أنها لن تحل في الوقت الراهن، مثل الصراع العربي الإسرائيلي الفلسطيني خاصة في ظل وجود حكومة اليمين بزعامة بنيامين نتانياهو وانقسام الفلسطينيين.

وأضاف في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في عددها الصادر أمس، إن واشنطن تواجه ثلاثة تحديات استراتيجية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وهما التهديد الإيراني، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والفساد، وانهيار الأنظمة الاستبدادية العربية في كل من مصر والسعودية واليمن وعشرات الدول العربية الأخرى، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في تأجيج التطرف الإسلام، وزيادة عدد مجندي تنظيم "القاعدة".

ورأى الكاتب أن الأوضاع في الشرق الأوسط تجعل من إمكانية تحقيق سلام وتسوية شاملة بين العرب وإسرائيل أمرًا مستحيلاً خلال هذه الفترة، كما أن كبح طموح إيران النووي أمر غير قابل للتحقيق الآن ما لم تحدث ثورة داخلية أو باستخدام القوة العسكرية.

واعتبر أن المناخ الحالي يمثل فرصة ذهبية لإرساء الديمقراطية فقط، بعد أن عاب على إدارة الرئيس باراك أوباما اهتمامها بالملف الإيراني والسلام في الشرق الأوسط وأنها تضع أهداف وطموح مستحيلة، بينما تتجاهل الظروف الحالية الغير مواتية، وتتجاهل الفرص المهيأة لإحداث تغيير في بلد مثل مصر ( الدولة العربية الرائدة في المنطقة) حيث ظهرت حركة شعبية قوية مؤيدة للديمقراطية اكتسبت تأييد مئات الآلاف.

وقال إن ذلك حصل مع ظهور قائد إصلاح ذو مصداقية بشكل مفاجئ حاصل على جائزة "نوبل" هو الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يقود حركة تضغط من أجل إلغاء قانون الطوارئ المفروضة منذ 28 عاما والتي تقيد من حرية التجمع والتجمعات السياسية وتنادي بتعديل الدستور من أجل ضمان انتخابات رئاسية نزيهة العام القادم.

وأضاف إنه في مصر يوجد مجال وفرصة حقيقي لإحداث تغيير في الدولة الرائدة في الشرق الأوسط، في حين يقول إن الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون لم يظهرا أي اهتمام بقضايا الديمقراطية في مصر.

ومضى قائلا: حتى وإن كان أوباما قد تناقش مع الرئيس المصري بشكل خاص خلال لقائهما في واشنطن العام الماضي، إلا أنه لم تصدر أي تصريحات علنية عن هذا الأمر، ولم تمارس الإدارة الحالية نفس الضغوط التي مارستها إدارة جورج بوش السابقة، وبدلا من ذلك أضاع أوباما هذه الفرصة وركز جهوده الدبلوماسية على الصراع في منطقة الشرق الأوسط وهو يدرك أنه ليس هناك أي فرصة لحلول على المدى القريب.

وفي الوقت الذي ضرب فيه مثلا بالرئيس الأمريكي السابق في قضية الإصلاح السياسي، إلا أنه اعتبره أنه كان ينتهج نفس المسار الخاطىء إذ اعتقد بوش أن الديمقراطية أمر أساسي لمكافحة التطرف، وقام بالضغط من أجل إجراء انتخابات حرة في مصر في وقت لم تكن الحركة الجماهيرية فيه موجودة وناضجة بهذا الشكل الحالي
حكايتي مع شيخ القضاة

لقد شيعت العدالة المصرية ـ الأحد 11-4-2010م ـ القاضي العادل والمجاهد المستشار يحيى الرفاعي.. الذي لقبه زملاؤه "بشيخ القضاة".. والذي وهب حياته لأشف المقاصد، وفي مقدمتها: 1ـ تحري العدل بين الناس 2ـ والجهاد في سبيل تحقيق استقلال القضاء، وتحصينه ضد الاختراق والإفساد. 3ـ والعمل الدائب لحشد قضاة مصر ـ من خلال "مؤتمر العدالة" ـ في ميدان الدفاع عن الشريعة الإسلامية، مصدرًا أول للتشريع والتقنين في الدولة والمجتمع.

كان شجاعًا بقدر ما كان متبتلاً في محراب العدالة، حتى لكأن العدالة هي التي منحته الشجاعة.. وحتى لكأن الشجاعة هي التي منحته الإخلاص في العدل بين الناس.

عرفته الحياة العامة منذ أن كان واحدًا من ضحايا مذبحة القضاء سنة 1969م.. ولم يقنع ـ يومئذ ـ بموقف الرفض لاختراق القضاء وتسييسه، وإنما رفع الأمر إلى القضاء، يوم أن كان لا يجرؤ على التفكير في مثل ذلك إلا أولوا العزم من المجاهدين!.

ولقد شاء الله أن يكون تعرفي على المستشار يحيى الرفاعي في ظروف غريبة، تستحق أن يشار إليها.. ففي سنة 1971م طلبت مني مجلة "الطليعة" ـ وكانت تصدر عن الأهرام ـ كتابة "ملف" من المعركة الفكرية التي أثارها صدور كتاب (الإسلام وأصول الحكم) لعلي عبد الرازق سنة 1925م.. ولم تكتف المجلة بنشر الدراسة التي كتبتها، وإنما نشرت نص الكتاب في باب "الوثائق" ـ الذي تزيل به صفحاتها.. وفي العام التالي صنعت المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت ـ ذات الشيء ـ نشرت الكتاب ملحقًا بالدراسة..

وعندما تنبه ورثة علي عبد الرازق لنشر كتاب والدهم دون إذن منهم رفعوا الأمر إلى القضاء، لكنهم بدلاً من أن يخاصموا الناشرين اختصموني أيضًا في هذه الدعوى.. وبعد نحو عشر سنوات من التقاضي.. وبعد أن خسرتُ القضية في الابتدائي وفي الاستئناف.. وجدتني مطالبًا بأن أدفع لورثة علي عبد الرازق أثنى عشر ألف جنيهًا ـ وكان مرتبي يومئذ لا يزيد على الثلاثين جنيهًا! ـ وزاد الطين بلة والمأساة ملهاة أن الطليعة أفلتت من الخصومة، لأن الدعوى رفعت ـ خطأ ـ على رئيس تحرير الأهرام، وليس رئيس مجلس الإدارة.. وأن المؤسسة العربية ـ ببيروت ـ قد اختفت بفوضى الحرب الأهلية اللبنانية.. وهكذا جاء "المحضر" إلى الشقة التي كنت أسكنها منذ كنت طالبًا، فحجز على ثلاجة 6 قدم وتلفزيون 14 بوصة ـ أبيض وأسود ـ وعدد من الكراسي!.. ولقد حمدت الله على أن "الحجز" لم يصل إلى المكتبة ـ التي هي أهم وأثمن محتويات المنزل..

وأمام النقض جاء اللقاء، فصدر حكم البراءة، الذي مثلت حيثياته قطعة من الفن القانوني، ضمنها "المكتب الفني" بوزارة العدل إلى سجلاته.. ولم أدر ـ يومئذ ـ من هو القاضي الذي أنقذني من قلق السنوات العشر، وأنقذ منزلي من "حجز" ورثة علي عبد الرزاق، إلى أن كان يوم تشييع جنازة العالم الجليل الشيخ زكريا البري، عندما صافحني رجل مهيب الطلعة، وقال لي: إنه المستشار يحيى الرفاعي.. وأضاف: "لقد كان لي شرف نظر قضيتك حول كتاب الإسلام وأصول الحكم".

ومنذ ذلك التاريخ توثقت علاقات الفكر والمودة والمحبة بيني وبين شيخ القضاة ـ النموذج الذي يعيد إلى الأذهان صورة السنهوري باشا، في الدفاع عن الشريعة وعن استقلال القضاء ـ رحمه الله..
صهاينة الحزب الوطني !

يبدو أننا دخلنا موسم المزايدات الحزبية الرخيصة من أوسع أبوابها هذه الأيام ، هناك ترتيبات داخل الحزب الوطني لاختيار مرشحيه للانتخابات المقبلة سواء لمجلس الشورى أو الشعب المقبل ، هناك كلام كثير قاله أمين التنظيم في الحزب أحمد عز عن أنهم أخطأوا في الاختيار في الانتخابات السابقة مما أدى لظهور أعضاء بالبرلمان أصبحوا عبئا على الحزب وعارا عليه ، وأنهم سيحاولون هذه المرة أن يكونوا أكثر دقة في الاختيار ، وهو ما أثار القلق في أوساط برلمانيين حاليين وآخرين طامعين ، ولا يحتاج كلام عز لشرح واستدلالات ، لأن هذا البرلمان الجديد ، برلمان أحمد عز ، شهد أكبر عدد من الانحرافات السلوكية والإجرامية لأعضائه ، الذين اختارهم الحزب بعناية وعلى الفرازة ، فخرج منهم تجار المخدرات والمهربون ومحترفو القمار وفاسدو الذمم الذين باعوا الأكياس الملوثة التي لا يعلم إلا الله كم دمرت من أكباد المصريين وأجسامهم ومنهم القتلة الذين أعماهم الجشع فانتهى الأمر إلى إغراق ألف مواطن دفعة واحدة ثم الهرب خارج البلاد بالتواطؤ مع آخرين ، وهكذا ، وما حدث في البرلمان المصري أول أمس لا يخرج عن هذا الإطار ، إطار الانحرافات الإجرامية لبعض نواب الحزب الوطني التي تصب في النهاية في خانة العار الذي يلحق حزب الرئيس مبارك ، الكلمات التي أطلقت في البرلمان المصري أول أمس تعقيبا على سلوك الجهاز الأمني تجاه مظاهرات الشباب يوم 6 أبريل وجرأة بعض النواب على المطالبة بقتل الشباب المصري بالرصاص الحي دفاعا عن السلطة ، هو كلام ساقط وإجرامي من نفس نوعية الانحرافات التي جلبت العار للحزب الوطني الحاكم ، ولنا أن نتصور المجتمع الدولي عندما يسمع قيادات الحزب الحاكم في مصر تنادي بقتل المواطنين إذا تظاهروا للمطالبة بحقوق سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها ، لنا أن نتصور مستوى الفضيحة عندما نقول لهم أن نواب الشعب يطالبون بقتل الشعب ، إذا أغضب السلطة أو السلطان وتجرأ على النزول إلى الشارع للاحتجاج السلمي ، هذا ضرب من الجنون أو السفه أو الغباء السياسي ، وهو دليل جديد على أن "الفرازة" التي استخدمها أحمد عز ورجاله لاختيار مرشحيه للوطني كانت مقاييسها لا تتصل بالسياسة ولا تعنى حتى بأبسط معايير الخبرة السياسية ، مجموعة من الأميين سياسيا وثقافيا واجتماعيا ، ربما كان معيار الاختيار هو "الدفع" أو التوقيع المسبق على بياض لأي قرار يطرحه الحزب أو مشروع قانون أو غيره داخل البرلمان ، بكل تأكيد تأتي مثل هذه الكلمات الرخيصة والساقطة في سياق مزايدات ، ستكثر في الفترة المقبلة ، من كل المتطلعين والذين يريدون أن يقدموا شهادات حسن سير وسلوك حزبي والتزام تام بالأوامر ، ولكنهم مثل "الدبة" التي تقتل صاحبها ، في المثل البسيط الذي كانوا يحكونه لنا صغارا ، فها هم يقدمون الحزب الحاكم أمام الرأي العام المحلي والدولي كحزب دموي متطرف ، وأن قيادات الحزب أكثر دموية واشتهاء للقمع والترويع من الأجهزة الأمنية للدولة ذاتها ، وأنه حزب غير أمين على شعبه وأمنه وأمانه وحقوقه الأساسية ، حتى الحق في الحياة ، أصبحوا يصادرونه إذا نزل المواطن إلى الشارع وقال : لا ، في وجه السلطة ، سيكون مؤسفا ومخجلا أيضا أن نطرح مقارنة من نوع خاص ، وأن نقول أن "الصهاينة" في فلسطين لا يجرؤن على إعلان مثل هذا الكلام الإجرامي في مواجهاتهم مع الشعب الفلسطيني ، حتى وإن مارسوا ـ عمليا ـ جنس هذه الجرائم ـ كقوة احتلال ـ هناك ، ولكن "صهاينة الحزب الوطني" جرؤا على أن يطالبوا علانية بتصفية أبناء الشعب هنا وقتل شباب مصر إذا تظاهر طلبا للحرية أو الإصلاح أو التغيير رجال الأعمال ... وثقافة العطاء

كثيرا ما نبهر حين نسمع عن تبرعات الأثرياء ورجال الأعمال السخية جدا في الغرب للمؤسسات الخيرية، فعلى سبيل المثال الملياردير الأميركي بيل جيتس تبرع بمبلغ (28) مليار دولار (أي أكثر من 150مليار جنيه مصري) من ثروته لأعمال الخير!! ووارين بافيت ثاني أغنى رجل في العالم تبرع إلى المؤسسات الخيرية التي يديرها صديقه الملياردير بيل جيتس بنحو (37) مليار دولار (أي أكثر من 200مليار جنيه مصري) وهو ما يزيد عن 80 % من إجمالي ثروته، والمتابع للتقارير الرسمية عن حجم التبرعات والعمل الخيري في أمريكا وأوربا يُعْجَب كثيرا بهذا الوعي الرائع بدور وأهمية البذل والعطاء في الحياة الإنسانية، وبغض النظر عما يقال من ارتباط المؤسسات الخيرية الغربية بأعمال التنصير، والنشاطات المشبوهة المرتبطة بماكينة الاستخبارات الهادفة إلى تحقيق أغراض دنيئة بعيدة كل البعد عن نبل وسمو فكرة أعمال الخير... بغض النظر عن كل ذلك فضخامة حجم التبرع السخي الذي ينفقه الأثرياء للقيام بأعمال البر والإحسان من وجهة نظر المتبرع ـ تعطينا مؤشرا قويا على مستوى الوعي والنضج الراقي الذي بلغه رجال الأعمال الغربيين في هذه الناحية!!

وللعلم فقد سبقت الحضارة الإسلامية الخالدة الغرب والغربيين بقرون طويلة إلى فكرة العمل الخيري؛ لأنه ضرب من ضروب الإنفاق في سبيل الله تعالى، فها هو الصديق أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ سيد المنفقين والباذلين ينفق ثروته كلها في سبيل الله تعالى، وحينما يسأله الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"ماذا تركت لأبنائك وأهلك؟" يقول ـ رضي الله عنه ـ :"تركت لهم الله ورسوله!!" ومذ أشرق نور الإسلام على البشرية وثقافة البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله تعالى جزء أصيل من البنية الثقافية والمنظومة القيمية للمسلمين الذين ينفقون أموالهم في كل أوجه البر والإحسان؛ تحقيقاً للتكافل الاجتماعي والترابط والتعاون بين جميع أبناء المجتمع المسلم، والأوقاف الإسلامية خير شاهد على رقي ونبل المسلمين في ذلك، ونضج ثقافة البذل والعطاء لديهم على امتداد التاريخ الإسلامي المجيد، وقد شملت أموال الأوقاف الإسلامية جميع أوجه البر وأعمال الخير، ودون مبالغة شملت جوانب الحياة كافة: فهناك الإنفاق على اليتامى والأرامل والفقراء والمساكين والضعفاء، والإنفاق على طلبة العلم، وبناء المستشفيات، والإنفاق على بناء المساجد، وتعبيد الطرق وبناء الجسور، وإقامة الأسْبِلَة والتكايا، وشق الترع والقنوات وحفر الآبار، وتوفير المياه النقية للناس في المنازل للشرب والطهي، وكذلك توفير مياه الري، وتزويج الشباب والفتيات، والإعانة على سداد الديون والقروض، ودفع الديات والغرامات، بل لقد وصل الأمر إلى حد أن بعض أهل الخير من المسلمين أوقفوا أجزاء كبيرة من ثرواتهم لإقامة حظائر للحيوانات المسنة التي لا يرغب فيها أصحابها، كالخيول والبغال، والحمير... وغيرها، والإنفاق على طعامها وشرابها!!

نتحدث في ذلك الموضوع مع الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الضرورية والمتطلبات الحيوية التي لا غنى لأي أسرة عنها كالأرز والسكر والدقيق والزيت واللحوم ... وغيرها، حيث تتصاعد الشكوى وتئن قطاعات كبيرة وشرائح واسعة من المجتمع، وربما لا يستطيع الكثيرون من أبناء الطبقة المخملية تخيل حال الشعب المسكين وما وصل إليه من قمة البؤس والمعاناة...!! علما بأن الإحصاءات الرسمية الحكومية تشير إلى تزايد أعداد الفقراء، ومن هم تحت خط الفقر، ووصول نسبتها إلى أكثر من 40% من تعداد السكان.

وأريد أن أناقش هذه القضية هنا من الجانبين الديني والاجتماعي فقط ، دون تطرق لبقية الجوانب الأخرى السياسية والاقتصادية... فحالة الفساد المستشري في كامل منظومة السلطة الحاكمة على مختلف المستويات أصبحت مُوَثَّقَة، ومُثْبَتَة بالأوراق الرسمية، والشهادات الرسمية الصادرة عن عدد كبير من رجالات الحكم أنفسهم، فها هو الدكتور زكريا عزمي يصرخ مؤخرا تحت قبة البرلمان قائلا "لعن الله الخصخصة" وتقارير منظمة الشفافية الدولية عن شيوع الفساد في مصر، وانتشار ما يسمى باقتصاديات الفساد تغنينا عن محاولات إثبات ذلك، فالفساد أصبح بكل أسف ثقافة ونمط حياة تتبناه السلطة بدرجات متفاوتة، ويكفي تزاوج الثروة مع السلطة كأبرز دليل على شيوع هذه الثقافة الرديئة!!

وليس بخافٍ دور السلطة والمؤسسة الحاكمة ومسؤوليتها الكبيرة والأمانة الضخمة التي تتحملها أمام الله تعالى، ثم أمام شعبها وأمام التاريخ، ففي رقاب جميع المشاركين في هذه السلطة كل مسكين بات ليلة طاوياً لا يجد ما يسد به رمقه ورمق أطفاله، وفي أعناق هؤلاء أمام الخالق عز وجل كل شيخ بائس ضعيف لا يجد دواءً لعلاج أوجاعه، وكل أرملة مسكينة هزمتها الحياة وهدتها بمطالب أطفالها التي لا تنتهي، وكل يتيم ملتاع اعتصر قلبه الألم والحزن وهو عاجز عن إيجاد لقمة العيش، فضلا عن أن تتوافر له سبل الحياة الكريمة، وفرص الصحة والتعليم كغيره من الأطفال!!!

وسأركز كلامي هنا على دور المجتمع عامة، ورجال الأعمال والأثرياء خاصة في علاج ظاهرة الفقر، ومسؤوليتهم أمام الله تعالى في هذا المجال، لاسيما وأن بمصر عددا كبيرا من المليارديرات والمليونيرات الذين جمعوا ثرواتهم الطائلة من هذا المجتمع البائس الفقير...!!

إن الفقر من أهم عوامل الانحطاط البشري والارتكاس الفكري والخلقي، وبيئة الفقر ملوَّثة بجراثيم الفساد والانحراف، وقد أدى تحول الفقر إلى ظاهرة واسعة الانتشار في المجتمع إلى استفحال المشاكل الاجتماعية، وانتشار الأمراض الأخلاقية والسلوكية بشكل لم يسبق له مثيل ، فقد عمَّ الفساد المالي والإداري، وزادت الاختلاسات والرشاوى، وانتشرت المخدرات، وانخفضت الإنتاجية، واتسعت الفجوة بشكل رهيب في مستويات المعيشة بين أبناء المجتمع الواحد، وليس من الإيجابي تكرار الحديث بشكل سلبي عن هذه المشاكل والإلحاح عليها، لأن ذلك يكرسها، وينشر حالة من اليأس والقنوط نحن في غنى عنها!!

إننا بحاجة إلى الإلحاح على النجاح، والبحث عن مخارج عملية سريعة تحمي مجتمعنا من الانهيار والضياع ـ لا قدر الله ـ وهنا نؤكد على أهمية الدور المجتمعي على كلٍّ منا، وبخاصة رجال الأعمال الذين تقدر ثرواتهم بالمليارات، فهؤلاء عليهم واجب ديني ووطني، واجب حتمي وعاجل ومُلِحٌّ وفوري للمساهمة في علاج مشكلة الفقر المستشرية في كل مكان، ويعاني جرَّائها ملايين الأسر، والسؤال المهم الآن: هل يؤتي الأغنياء زكاة أموالهم على النحو المطلوب؟! وإذا كان الأمر كذلك فهل يتصدقون بجزء آخر من ملياراتهم لمحاربة الفقر في المجتمع؟!

ولأضرب لذلك مثلا: فقد سمعنا جميعا أن أحد رجال الأعمال المصريين قد أقام علاقة مع مغنية وأنفق عليها أموالا طائلة، يقال والعلم عند الله إنها بلغت نحو مئة مليون جنيه بالتمام والكمال...!!! وبغض النظر عن مشروعية هذا التصرف من عدمها، فسأركز عل الجانب الاجتماعي للمسألة، فلو أن رجل الأعمال هذا أنفق هذا المبلغ (مئة مليون جنيه) على عشرة آلاف شاب فقير معدم، لكان قد أعطى كلا منهم عشرة آلاف جنيه!! ولكان بذلك قد فتح باب الرزق أمامهم، وبعد عدة سنوات لربما أمكن كل منهم أن يتزوج ويبني أسرة جديدة...!!!

وهذا مثال واحد، فما بالنا لو أصبح العطاء ثقافة عامة ورؤية شاملة يتمتع بها رجال الأعمال؟ وقد يقول قائل: ومن أدراك أن هذا الرجل أو غيره لا يؤتي زكاة ماله؟ والإجابة عن ذلك بسيطة جداً ففي المال حق سوى الزكاة، لاسيما مع تنامي ثروات رجال الأعمال بهذا الشكل الأسطوري، حتى أصبحت ثروة رجل أعمال واحد تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، فكيف يرضى رجل كهذا أن يعيش متقلباً في النعيم في قصر من ذهب، ورفاهية لا حدود لها، وحوله ملايين الناس يعيشون في أكواخ، أو يسكنون في المقابر (والعشش)، ويرى ويشاهد بأم عينيه ملايين الجائعين يعانون الفقر والبؤس والجوع والحرمان، ثم يتحجج بأنه أدى ما عليه من زكاة!!!

لا والله فأغلب الظن أن مثل هذا ما أدى ما عليه!! فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في سفر مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ جاءه رجل على راحلة، فجعل يضرب يمينا وشمالا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من كان معه فضل ظهرٍ فَلْيَعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فَلْيَعُدْ به على من لا زاد له " قال : فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بفلاة يمنعه ابن السبيل، ورجل بايع رجلا بسلعته بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا، فصدقه فأخذها وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها ما يريد وفى له وإن لم يعطه لم يفِ" وفي رواية أخرى قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" ورجل حلف على سلعته لقد أُعْطِيَ بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماءٍ فيقول الله عز وجل له: اليوم أمنعك فضلي كما منعتَ فضلَ ما لم تعمل يداك" رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأبو داود.

وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وَقُعِدَ لها بِقَاعٍ قرقرٍ تَسْتَنُّ عليه بقوائمها وأخفافها، ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت وَقُعِدَ لها بِقَاعٍ قرقرٍ فتنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها ليس فيها جمَّاء، ولا منكسر قرنها، ولا صاحبِ كنْزٍ لا يفعلُ فيه حقَّه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعا أقرع يتبعه فاتحا فاه، فإذا أتاه فرَّ منه، فيناديه خذ كنزك الذي خبأته فأنا عنه غني، فإذا رأى أن لا بد له منه سلك يده في فيه فيقضمها قضم الفحل" رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفايح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقْضَى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" قيل: يا رسول الله فالإبل؟! قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بِقَاعٍ قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحدا، تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أُوْلَاها رُدَّ عليه أُخْرَاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟! قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ لها بِقَاعٍ قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها شيئا ليس منها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطَحُه بقرونها وتطَؤُه بأظلافها، كلما مر عليه أوَّلُها رُدَّ عليه آخرُها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" قيل: يا رسول الله فالخيل؟! قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء لأهل الإسلام فهي له وزر، وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينسَ حق الله في ظهورها، ولا رقابها فهي له ستر، وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كُتِبَ له عددُ ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها فاستنت شرفا أو شرفين إلا كتب له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه، ولا يريد أن يسقيها إلا كُتب الله تعالى له عدد ما شربت حسنات" قيل: يا رسول الله فالحمر؟! قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"ماأنزل علي في الحمر إلا هذه الآية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" رواه البخاري ومسلم واللفظ له.


وعن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"أعطي لا توكي فيوكى عليك" وفي رواية:"أنفقي أو انفحي أو انضحي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك" رواه البخاري ومسلم وأبو داود، والمعنى المقصود هنا ـ والله أعلم ـ أنفقي في سبيل الله، ولا تبخلي بما لديك من أموال، وتشدي ما عندك وتربطي عليه، وتمنعي ما في يدك عن أخوانك فينقطع الرزق عنك بسبب هذا البخل.

وبعدُ، إن مجتمعنا اليوم في أمس الحاجة إلى كل صور وأشكال التكافل والتعاون، فلينفق كل ذي سعة من سعته، إن مظاهر الفقر والبؤس والجوع والحرمان تملأ المجتمع، وليذهب من يريد إلى القرى ولاسيما في الصعيد ليرى حجم الكارثة بنفسه، لقد شاهدت بنفسي ذات مرة في أحد الحافلات وقبيل عيد الفطر موظفا حكوميا يجهش بالبكاء بحرقة ألماً وحسرة على عدم استطاعته تلبية المطالب الأساسية لأسرته وأولاده من طعام وكساء وعلاج ودروس خصوصية... وعندما تدخلت لأخفف عنه وأهدئ من حالته انهمرت دموعه وتحشرج صوته وقال والأنين المكتوم يمزق ضلوعه: :والله يا أستاذ ما عندي ما أشتري به هدوم العيد للعيال زي غيرهم من ولاد الناس"... وانخرط في بكاء مرير، وتعاطف معه بعض الركاب الآخرين، وشاركوه مشاعره قائلين: "كلنا على دي الحال" وفي غمرة البكاء الشديد الذي يقطع الكبد قال الرجل: "والله يا جماعة بنفضل بالأربع شهور ما نشتري لحمة وفين وفين على ما أجيب كيلو للعيال...!!"
كان هذا الكلام وثمن كيلو اللحم 35جنيها، وأعتقد أن أمثال هذا الرجل المسكين لن يشتري اللحم أبدا بعد أن وصل ثمن الكيلو أكثر من80جنيها كاملة!! اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين و قهر الرجال.

فأين أهل البر والإحسان من هؤلاء البؤساء المحرومين المحزونين وهم كُثُر حولنا في كل شارع، وفي كل حي، وفي كل قرية؟ أين رحماء القلوب؟ أين رجال الأعمال أصحاب الملايين والمليارات؟ أم أن هؤلاء لا يفكرون إلا في (تسقيع الأراضي) ونهب المال العام؟! لعلهم يلتفتون قليلا لمجتمعهم، ويعطفون على من حولهم من الفقراء والمساكين، فيرحمون ضعفهم، ويجبرون كسرهم، ويبردون نار قلوبهم، على الأقل ليحموا ثرواتهم وصحتهم وصحة أبنائهم من نيران الحسد والحقد التي قد تأكل أكباد هؤلاء المهمشين البائسين الذين تخلت عنهم الدولة، وسحقتهم الحياة، وعجز إخوانهم عن مد أيدي العون والمساعدة إليهم!!!
.

ليست هناك تعليقات:

مقطع صوتي منسوب لزوجة اللاعب إمام عاشور الثانية وتدعى «داليا»، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يحوى على اعترافات تؤكد هذا الأمر.

  بلاغ للنائب العام ضد كهربا وإمام عاشور يتهمهما بتهريب المخدرات تقدم المحامي بالنقض والإدارية العليا، جمال عبد الكريم سيد ببلاغ للنائب العا...