الخميس، أغسطس 28، 2008

قصة المفاعل الذي يهدد أمن مصر

50سنة ديمونا الخطر علي بعد خطوات
امتلاك سلاح نووي، وغيره من أسلحة الدمار الشامل، لم يكن حلماً لما يعرف بـ"دولة إسرائيل" التي تم تأسيسها منذ 60 عاماً فقط، وإنما كان حلماً للعصابات الصهيونية التي أسست هذه الدولة حتي قبل قيامها، حيث عملت إحدي هذه العصابات، وهي "الهاجاناه" علي إنشاء قسم علمي بداخلها، للعمل علي امتلاك هذا السلاح، مستعينة بالعلماء الأوروبيين الصهاينة، الذين لم يبخلوا علي أقرانهم الذين استوطنوا فلسطين بعلمهم.
إذن، كانت البداية الفعلية لمشروع إسرائيل النووي والكيميائي والبيولوجي قبل قيامها، ولم تتوقف هذه الفترة علي الأبحاث فقط، وإنما أيضاً وصلت إلي استخدام هذا السلاح في حرب 1948، عندما لجأت عصابة الهاجاناه الصهيونية إلي استخدام سلاح بيولوجي ضد الفلسطينيين والمصريين. إلا أن العام 1956، شكل علامة فارقة في تاريخ هذا البرنامج النووي، حينما وقعت إسرائيل مع فرنسا اتفاقاً سرياً يقضي باشتراك إسرائيل في العدوان الثلاثي، في مقابل تزويدها بمفاعل "ديمونا"، وكانت نقطة الانطلاق الحقيقية للبرنامج الإسرائيلي، في عام 1958، أي قبل 50 عاماً من الآن، عندما بدأت إسرائيل في العمل بهذا المفاعل.
وبعد 50 عاماً من هذا البرنامج النووي الإسرائيلي، وبعد الضجة الكبيرة التي أثارتها إسرائيل إثر كشف موقع "جوجل إيرث" العديد من المواقع والمؤسسات العسكرية قبل وقت قريب، انتهت بقيام الموقع المذكور بتشويش الصور الملتقطة فوق إسرائيل بدرجة معينة، خرج مجموعة من المفكرين والمثقفين والصحفيين الإسرائيليين، بموقع باللغة العبرية، ينشر أسرار إسرائيل العسكرية، بما في ذلك أماكن إنتاج وتطوير وتخزين الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية.
لم تكن رغبة الذين أنشأوا الموقع في شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل فقط، سواء نووية أو بيولوجية أو كيميائية أو أي أسلحة أخري، بمقدار ما عمل هذا الموقع العبري علي كشف جانب كبير من تلك الترسانة فوق العادية التي تمتلكها إسرائيل، والذي تحايل مؤسسوه علي الرقابة العسكرية الإسرائيلية، التي تفرض شروطاً صارمة علي النشر في هذا الشأن، حيث تلقوا خدمات الإنترنت من شركة مزودة للخدمة موجودة في أستراليا، لضمان عدم حجب الموقع.
تفتح «البديل» ملف مفاعل ديمونا بمناسبة مرور 50 عاما علي إنشائه، وتعيد قراءة ما جري وما يجري، مستعينة ببعض الشهادات العلمية والاستراتيجية، حول المنتجات العسكرية الخطيرة لهذا المفاعل والتي تهدد الأمن القومي المصري بالضرورة بالاضافة إلي التسريبات الاشعاعية الحادثة والتلوث الناتج عنها الذي طال المزروعات المصرية ومساحات اخري من حياة المصريين..
«البديل» اليوم إذ تحقق في هذا الملف فإنها تحقق في "الخطر" الرابض علي بعد أميال قليلة من حدود الوطن..يلوح بأسلحته الفتاكة تارة،ويلوح بمخاطره البيئية تارة أخري

قصة المفاعل الذي يهدد أمن مصر
يشتغل به 2700 عامل وتقني.. أصيب عدد منهم بالسرطان ولجأوا للقضاء الإسرائيلي طلبا للتعويضات

بعد 8 سنوات فقط من تأسيسها علي أرض فلسطين المغتصبة، شاركت إسرائيل في العدوان الثلاثي علي مصر، إلي جانب بريطانيا وفرنسا، وهي الحملة العسكرية التي تعرف إسرائيلياً بـ"معركة قادش"، ولم يكن التدخل الإسرائيلي في هذه الحرب بلا ثمن، بل مدفوع الأجر، عن طريق اتفاق سري وقعته فرنسا مع إسرائيل يقضي بدخول قواتها الحرب، في مقابل تزويدها بمفاعل نووي، عرف بعد ذلك باسم "ديمونا.
انتهت الحرب، وتلقت إسرائيل الثمن، "مفاعلا نوويا" كبيرا لدولة لم يتعد عمرها 10 سنوات في ذلك الوقت، حيث بدأ العمل فيه في بداية عام 1958، في صحراء النقب، علي بعد 15 كيلو مترا فقط من الحدود الأردنية، بقرار من "ديفيد بن جوريون" وبعض ممن حوله.
منذ أن أعلنت إسرائيل عن مشروعها لإقامة المفاعل علي لسان رئيس وزرائها "ديفيد بن جوريون"، من علي منصة الكنيست في 21 ديسمبر 1960، حاولت أن توهم العالم، ومستوطنيها وممثليهم في الكنيست والحكومة الإسرائيلية أن هذا المفاعل، مقام فقط للأهداف المدنية والسلمية، وليس لبناء سلاح نووي، في هذا اليوم تحدث "بن جوريون" في الكنيست قائلاً "مفاعل الأبحاث الذي نقوم ببنائه حالياً في النقب لن يكتمل قبل 3 أو 4 سنوات، هذا المفاعل، كالمفاعل الأمريكي، مقام فقط للأهداف السلمية، ويتم بناؤه بإدارة خبراء إسرائيليين، وهو يشبه المفاعل الذي ساعدت به حكومة كندا لإقامته في الهند، مع الأخذ في الاعتبار أن مفاعلنا يعمل بقوة أقل"، وفي محاولة لتسويق كذبه، ادعي بن جوريون في كلمته أن المفاعل "السلمي" سيكون مفتوحاً بعد ذلك لكل المتخصصين في كل أنحاء العالم. ورداً علي سؤال قدمه عضو الكنيست د. "يونيتشمان" من حركة "حيروت" المعارضة، سأل فيه عن مصدر المعلومات التي تتحدث عن إنتاج قنبلة ذرية إسرائيلية، أجاب "بن جوريون" "مصدر هذه المعلومة يكذب بعلم وبغير علم".
بعيداً عن حديث "بن جوريون"، ومن تبعه من الساسة الإسرائيليين، فإن الحقيقة التي كشفت عنها الأيام بعد ذلك، تؤكد أن المفاعل منذ بدايته كان جزءا من مشروع سري لوزارة الدفاع ومكتب رئيس الوزراء، ولم يستخدم أبداً لإنتاج الكهرباء كما زعم "بن جوريون"، ولم يبن لغرض البحث، ولم يكن أبداً مفتوحاً ولم يزره أكاديميون من كل العالم، وأيضاً لم يستخدم في الصناعة، ولا الزراعة ولا الصحة، مهمته منذ البداية كانت شيئاً واحداً فقط، إنتاج البلوتنيوم، الذي يمكن استخدامه بعد ذلك في صنع قنبلة نووية.
استمر العمل في "ديمونا" 4 سنوات فقط، ليتم الانتهاء منه سنة 1962، وبعد عام واحد فقط بدأ المفاعل النووي في العمل، حيث تم تزويده باليورانيوم الطبيعي والماء الثقيل، الذي يستخدم في المفاعل بغرض التبريد، وبدأ المفاعل بالعمل بقوة 24 - 26 ميجا وات، كما سلمه الفرنسيون لإسرائيل، إلا أن الإسرائيليين طوروه بعد ذلك في سرية تامة ليعمل بقوة 70 ميجا وات، وبعد ذلك تم تطويره مرة أخري ليعمل بقوة 150 ميجا وات.
وبحسب " موردخاي فانونو"، الخبير النووي الإسرائيلي، الذي أفشي أسرار "ديمونا"، ليدفع ثمن ذلك 18 عاماً في السجن، فإن مفاعل "ديمونا" ينتج حوالي 40 كيلو جرام بلوتنيوم في السنة، وهناك تقديرات تقول إنه حتي منتصف السبعينات أنتجت إسرائيل حوالي 200 كيلو جرام بلوتنيوم، وحتي منتصف الثمانينيات أنتجت حوالي 350 كيلو جراما من نفس المادة، ومن المعلومة التي صرح بها "فانونو"، وتم اختطافه من إيطاليا علي أثرها، يتضح أن إسرائيل تستخدم حوالي 4.5 كيلو جراما بلوتنيوم للقنبلة الواحدة، وهو ما يعني أن لديها حوالي 200 أو 300 قنبلة ذرية.
ينقسم مبني مفاعل "ديمونا" الشهير إلي عدة أقسام، الأول منها هو قلب المفاعل نفسه، والثاني يتم فيه إنتاج الوقود الذي يحرك المفاعل، بالإضافة إلي دوره في انتاج مادة "ليثيوم 6"، التي تستخدم في تركيب القنبلة الذرية، والقنابل الثيرمونووية، وقد أنتجت إسرائيل حتي الثمانينيات حوالي 220 كيلو جرام ليثيوم، وهي الكمية الكافية لإنتاج 35 قنبلة ثيرمونووية، وهي قنابل بحسب الدكتور "عبد الفتاح بدوي"، الخبير في أسلحة الدمار الشامل، "تعطي إشعاعا ولا تعطي طاقة انفجارية، يعني تقتل في صمت، وتحتفظ بالأماكن كالمصانع وغيرها، لتدخل بعد ذلك وتحتلها"!.
وهذا القسم عبارة عن مبني مساحته 60 مترا علي 24 مترا، وهو عبارة عن طابقين بدون أي نوافذ فيهما، يوجد تحتهما 6 طوابق أقامت فيهما إسرائيل بسرية معملا لعزل البلوتنيوم الذي يستخدم لإنتاج القنبلة الذرية، وفي السنوات الأخيرة اتضح أن هذا المعمل أقيم أيضاً بمساعدة فرنسية.
وفي ستينيات القرن الماضي، زار مفتشين أمريكيون الطابق الأول من هذا المبني، فلم يجدوا سوي مطعم وعدة مكاتب!!، حيث أقام الإسرائيلين وقتها حائطاً خاصاً لإخفاء المصعد الذي يستخدم للنزول للطوابق السفلية والصعود منها!!.
العمل في هذه الطوابق السفلية يبدأ حين تحضر الشاحنات اليورانيوم إليها من المفاعل، وتفرغ حمولتها لتبدأ عملية الإنتاج في الطوابق السفلية، حيث يوضع اليورانيوم في خزانات حامض النيترو لمدة 30 ساعة، ليبدأ بعدها ضخ اليورانيوم والبلوتنيوم الذي يتم فصله بعملية كيميائية، ليخرج من الفرن كرة صغيرة من البلوتنيوم وزنها 130 جم، تنتج منها إسرائيل 1.7 كيلو جرام في الأسبوع، أي أكثر من ثلث الكمية المستخدمة في إنتاج القنبلة، حيث تتطلب القنبلة الواحدة حوالي 4 كيلو جرامات بلوتنيوم.
أما الطابق الثاني من هذا القسم فيوجد فيه شرفة خاصة أقيمت للضيوف، ويطلق عليها "ِشرفة جولدا"، ويمكن لمن يقف فيها مشاهدة سير العمل في القسم، أما الطابق الرابع من المبني فيتم فيه إنتاج مادة تسمي "تريتيوم"، تستخدم لإنتاج القنابل الثيرمونووية، وهي قنابل ذات قدرة هائلة تفوق القنبلة الذرية، بالإضافة إلي ذلك ينتج في القسم مادتان ضروريتان للقنبلة هما "الليثيوم" و"الديتوريوم".
أما القسم الرابع من المفاعل فيتم فيه عجن نفايات الإشعاع النشط للمفاعل قبل أن يتم دفنها في الأرض، والقسم الخامس يتم فيه مشاهدة عجن وقود المفاعل بالألومونيوم، أما القسم السادس فهو محطة القوة التي تزود المفاعل بالكهرباء، والقسم الثامن عبارة عن مختبر تنتج فيه إسرائيل اليورانيوم المخصب، الذي يمتلك نفس قدرة البلوتنيوم، في صناعة القنبلة، والقسم التاسع فهو عبارة عن مفاعل لتخصيب اليورانيوم بالليزر، وهو ابتكار إسرائيلي، أما القسم العاشر فهو عبارة عن مفاعل لإنتاج اليورانيوم المخفف، وهو مركب هام لإنتاج القنابل المضادة للمدرعات.
وكي يستمر "ديمونا"، الذي يعمل فيه اليوم 2700 عالم وتقني إسرائيلي، في أداء مهمته المتمثلة في إنتاج البلوتنيوم اللازم لإنتاج القنابل الذرية، فإنه بحاجة للإمداد المستمر باليورانيوم الطبيعي والماء الثقيل من أجل تبريد القلب، ولهذا فإن فرنسا كانت قد زودت إسرائيل بكميات صغيرة من اليورانيوم و4 أطنان من الماء الثقيل، وهي الكميات البعيدة كل البعد عن الطموح السري والحقيقي لإسرائيل، والمتمثل في إنتاج قنبلة ذرية، إلا أن إسرائيل نجحت في شراء 20 طن ماء ثقيل من النرويج عن طريق بريطانيا، التي اشترت الماء الثقيل من خلال مشروعها النووي ولكنها ألغت الصفقة وطلبت تقليل الخسائر المالية، عن طريق نقل الصفقة إلي إسرائيل!.
وفي يونيو 1959 ويونيو 1960 تم شحن 10 أطنان ماء ثقيل علي سفن إسرائيلية ترسو في بريطانيا لكل مرة، وهكذا تمت الصفقة بمعرفة الدولتين، النرويج وبريطانيا، بالغرض الحقيقي الذي يستخدم فيه الماء الثقيل بهذه الكميات، ومن سخرية القدر، أن يكون الماء الثقيل الذي تم تزويد مفاعل "ديمون" به في النهاية، تم إنتاجه في المفاعل الذي أقامه النازيون في الحرب العالمية الثانية في النرويج كجزء من المشروع النووي الألماني!.
الولايات المتحدة هي الأخري زودت إسرائيل بـ 4 أطنان إضافية من الماء الثقيل سنة 1963، بعد ثلاث سنوات من اكتشافها إقامة إسرائيل مفاعلا نوويا بـ"ديمونا"، إلا أن إسرائيل التي زادت قوة مفاعلها من 25 ميجا وات إلي 70 وبعد ذلك إلي 150 ميجا وات، كان واجباً عليها، وخاصة للعمل بهذه القوة، إحضار كميات إضافية تصل إلي حوالي 60 طنا من الماء الثقيل، إلا أنه لا يوجد معلومات دقيقة حول ما إذا كانت إسرائيل قد أنتجت كميات بنفسها، ولكن هناك اتهاما يوجه لفرنسا، التي أحضرت علي مدار سنوات كميات كبيرة من الماء الثقيل من الولايات المتحدة، ومن خلال الكميات التي طلبتها في وقتها، أقامت مفاعلا لإنتاج الماء الثقيل بنفسها.
تشغيل المفاعل في بدايته كان يتطلب حوالي 20 و25 طنا من اليورانيوم الطبيعي، وهي الكمية التي حصلت عليها إسرائيل علي ما يبدو، من فرنسا.
وفي 17 نوفمبر 1968 أبحرت السفينة "شيرسبيرج أ" (Scheersberg A )من بلجيكا متجهة إلي شواطئ جنوة في إيطاليا بينما كانت تحمل علماً ليبيرياً، وعلي متن السفينة كان يوجد 200 طن يورانيوم، وبعد 15 يوما من هذا التاريخ ظهرت السفينة في شواطئ الإسكندرونة في تركيا، واختفت الشحنة، حيث كان عملاء الموساد قد نقلوها في عرض البحر لسفينة أخري، ومن هناك إلي إسرائيل!!.
كان علي إسرائيل أن تبحث لنفسها عن مصادر بديلة للتزود باليورانيوم، وخاصة بعد الحصار الذي فرضته فرنسا علي إسرائيل في أعقاب حرب 67، وكانت أفريقيا!، حيث مناجم الجابون ونيجيريا ودول في وسط أفريقيا، بالإضافة إلي الأرجنتين، وجنوب أفريقيا، في فترة التمييز العنصري، ومن هذه الصفقات المشتركة، صفقة عقدت سنة 1977، تم بموجبها حصول إسرائيل علي 600 طن يورانيوم في مقابل 30 جراما من مادة التريتيوم التي تستخدم في الطاقة الذرية.
و إلي جانب المصادر البديلة، نجحت إسرائيل علي مدار سنوات في إنتاج كميات محدودة من اليورانيوم الطبيعي من خلال الفوسفات الموجود في النقب، وبالإضافة إلي ذلك، نجحت إسرائيل في الحصول علي 100 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب، وهي المادة الكافية لإنتاج 6 قنابل ذرية، وهي الكمية التي تمت سرقتها من المفاعل الأمريكي في بنسلفانيا بالولايات المتحدة، بين السنوات من 1962 إلي 1965، مفاعل NUMEC
المخابرات المركزية الأمريكية CIA، بعد بحثها في اختفاء تلك الكمية من اليورانيوم، قررت أن اليورانيوم تم نقله إلي إسرائيل بواسطة مدير المفاعل، "زلمان شفيرو"، وهو يهودي الديانة وكان علي علاقة بالموساد.
قامت إسرائيل بعدد من التجارب النووية، منها ما تم اكتشافه في 22 سبتمبر 1979 في الساعة 12:53 ليلاً، بواسطة القمر الصناعي الأمريكي "Vela"، الذي رصد انفجارين قويين فوق المحيط الهندي، ناتجين عن انفجار نووي، الانفجار الأول كان سريعا وقويا، والآخر أضعف منه، وكانت تجربة نووية قامت بها إسرائيل مع جنوب أفريقيا، التي كانت ترتبط بعلاقات قوية مع إسرائيل فترة الحكم العنصري.
و قد تعرضت إسرائيل لعدد من الحوادث النووية، حدث أولها قبل إقامة المفاعل، كان هذا في الفترة ما بين 1956 و1957، حينما كان العلماء في معهد "فايتسمان" يخططون لإقامة المفاعل وعمل قنبلة ذرية، حيث حدث تسرب إشعاع عالي المستوي، وجدت آثاره علي أجسام العمال، وفي منازل العلماء الصغار، كما نشرت جريدة "معاريف" سنة 2006 لأول مرة.
و في 14 ديسمبر 1966 وقعت حادثة أخري في "ديمونا"، في الوحدة رقم 36 الموجودة في القسم الثاني من المفاعل، وقتل فيها عامل واحد، وأغلق المفاعل علي أثره لعدة شهور، لتطهير المكان، ولم تنشر أي تفاصيل إضافية إطلاقاً عن الحادث، وفي 1982 وقع انفجار صغير في المفاعل نتيجة لتسرب الهيدروجين، وفي بداية التسعينيات اندلع حريق كبير في المفاعل، ولم ينشر أي شيء عن هذا الحادث، وفي عام 1994 و2004 حدثت مشكلة أخري نتيجة سقوط أمطار بكميات كبيرة تسربت إلي المفاعل عبر محطات الصرف.
و علي مدار سنوات عمل المفاعل، الذي يطابق المفاعل الفرنسي في "ماركولي"، والذي أغلقته فرنسا سنة 1984، لأن المفاعلات من هذا النوع مخطط لها أن تعمل 40 عاماً فقط، علي مدار سنوات من عمله، استقبلت المستشفيات الإسرائيلية أكثر من 120 حالة إصابة بالسرطان من بين عمال المفاعل، نتيجة تعرضهم للإشعاع والمواد الأخري الموجودة في المفاعل، إلا أن الحكومة الإسرائيلية رفضت من جانبها الاعتراف بأنهم أصيبوا بالسرطان نتيجة عملهم في المفاعل وتعرضهم لمواد مشعة، ويوجد حالياً دعاوي قضائية في المحاكم الإسرائيلية لأكثر من 50 عاملاً من عمال المفاعل، والعمال السابقين به، الذين يقولون إنهم أصيبوا بالسرطان من جراء عملهم بالمفاعل

*******

«موردخاي فانونو» .. كاشف أسرار البرنامج النووي الإسرائيلي

ولد "موردخاي فانونو" في الرباط، في أكتوبر 1954، وعندما بلغ التاسعة من العمر، قرر والده الهجرة إلي إسرائيل، وهناك انخرط والده في حزب "أجودات إسرائيل" الصهيوني المتطرف، وأكمل "موردخاي" تعليمه، وأمضي في الجيش الإسرائيلي فترة خدمته الإلزامية التي انتهت في 1974، ليدرس بعد ذلك الفيزياء، التي أهلته دراستها للالتحاق بالعمل في مفاعل "ديمونة" النووي الإسرائيلي، وأثناء عمله بالمفاعل درس "فانونو" الفلسفة في جامعة "بن جوريون"، الأمر الذي يبدو أنه قد أثر علي طريقة تفكيره، حتي وصل الأمر إلي رفضه الخدمة في الجيش الإسرائيلي أثناء حرب لبنان الأولي سنة 1982، عندما تم استدعاؤه!.
و في 1985، قررت الحكومة الإسرائيلية تسريح عدد كبير من العاملين بمفاعل "ديمونة"، وقد منحتهم في مقابل ذلك مبلغاً كبيراً من المال في ذلك الوقت، بلغ 7500 دولار أمريكي، قرر "فانونو" إنفاقها علي رحلات قرر أن يقوم بها حول العالم، وبالفعل توجه إلي عدة دول متنزها سائحا.
تمكن فانونو أثناء عمله في مفاعل "ديمونة"، أو "معبد الشيطان"، كما وصفه بعد ذلك، من الدخول إلي مصنع إعادة معالجة البلوتنيوم، وهي المادة الأساسية في إنتاج القنابل النووية، وهناك التقط "فانونو" أكثر من 60 صورة للماكينات والآلات المستخدمة فيه، كما التقط تلك الصور في مراحل مختلفة من عملية الإنتاج، وأصبحت هذه الصور بعد ذلك هي الصور الوحيدة في العالم الذي توضح، ولو قليلاً، ما يدور داخل هذا المفاعل المحاط بسرية تامة من قبل الإسرائيليين.
لم تكن الصور التي التقطها "موردخاي فانونو" هي الكنز كله، وإنما كان لهذا الكنز جزء آخر، تمثل في الوثائق والمستندات التي حصل عليها "فانونو" من داخل المفاعل، التي توضح نوع وكمية المواد المستخدمة داخل المفاعل، والتي أكد من خلالها، أن البرنامج النووي الإسرائيلي وصل لمرحلة متقدمة جداً، حتي إنه وصل لإنتاج حوالي 200 قنبلة نووية في ذلك الوقت!!.
لندن، كانت إحدي المحطات الهامة، ليس في حياة "فانونو" وحسب، وإنما في حياة البرنامج النووي الإسرائيلي كله، حيث وصل إليها "فانونو"، محملاً بصور ووثائق ومستندات ومعلومات أخري كان قد اختزنها في ذاكرته أثناء عمله بـ"ديمونة"، واتجه بها جميعاً إلي حيث يقع مقر صحيفة الـ"صنداي تايمز"، في قلب العاصمة البريطانية، وهناك عرض كل ما يملك علي الصحيفة، التي استعانت بخبراء في المجال النووي، لتحليل وثائق "فانونو" وصوره، وكانت نتيجة ذلك التحليل أن إسرائيل تمتلك سادس أكبر مخزون نووي في العالم!.
"أسرار الترسانة النووية الإسرائيلية"، كان ذلك هو المانشيت الرئيسي لصحيفة الـ"صنداي تايمز"، التي نشرت الملف كاملاً، بعد التأكد من صحة كل المعلومات التي قدمها إليها "موردخاي فانونو"، وبعد النشر، تأكد العالم أجمع، بما لا يدع مجالاً للشك، من حقيقة البرنامج النووي الإسرائيلي، وهنا ثارت إسرائيل التي افتضح أمرها وأمر برنامجها، وكان أقل ما يمكن أن يفكر فيه قادتها في ذلك الوقت، هو اعتقال "فانونو" ليس فقط للانتقام منه، وإنما لجعله عبرة لكل من يعمل في هذا المجال داخل إسرائيل.
في هذه الأثناء، كان "فانونو" قد تعرف علي فتاة أمريكية تدعي "سيندي بنتوف"، التي لم تكن سوي عميلة للموساد الإسرائيلي، دعته للسفر معها إلي إيطاليا، حيث كان الموساد الإسرائيلي في انتظاره، في الفندق الذي حدده للفتاة الأمريكية للإقامة فيه، وهناك تم تخدير "فانونو"، في 30 سبتمبر 1986، ونقله إلي إسرائيل لمحاكمته، وقد فتحت الحكومة الإيطالية تحقيقاً حول اختفائه، إلا أنها سرعان ما أغلقت التحقيق بحجة "نقص في الأدلة"!!.
في القدس، كانت المحاكمة، وسط حصار أمني شديد، لمنع "فانونو" من الحديث إلي وسائل الإعلام، إلا أنه نجح في التغلب عليه، بواسطة جملة كتبها علي كف يده، وأشار بها إلي الصحفيين، لتفسير سر اختفائه في روما، وإعلان الحكومة الإسرائيلية في تل أبيب أنه في قبضتها، وكان نص ما كتبه "فانونو"، "تم اختطافي في روما في 30/9/1986"، وهو الأمر الذي وضع الحكومة الإسرائيلية في حرج شديد، حيث أدان البرلمان الأوروبي المحاكمة، معتبراً اختطاف "فانونو" انتهاكاً للسيادة الإيطالية، وفي مارس 1988، أصدرت محكمة إسرائيلية حكما يقضي بسجنه لمدة 18 عاماً، قضي 12 منها في حبس انفرادي!
و في أبريل 2004، كان "موردخاي فانونو" علي موعد مع الحرية، أو هكذا ظن، فقد أفرجت السلطات الإسرائيلية عنه بعد قضائه المدة كاملة في السجن، إلا أن قرار الإفراج، لم يكن سوي قرار سجن جديد!! حيث حظر عليه امتلاك جواز سفر، لمنعه من السفر إلي الخارج، ومنعه من الحديث إلي أي شخص حول ظروف عمله بالمفاعل أو اختطافه والتحقيق معه ومحاكمته، كما حظر عليه الاقتراب من المعابر الحدودية، والسفارات والقنصليات والمنظمات الدولية، وحددت له مسافة 100 متر بالقرب من هذه الأماكن لا يجوز له تعديها، كما حظر عليه التحدث إلي أي شخص غير إسرائيلي سوي الأقارب، وأيضاً منع من التجوال خارج الحدود البلدية للمكان الذي يسكن فيه إلا بعد طلب إذن من مركز الشرطة

ليست هناك تعليقات: