الخميس، يوليو 24، 2008

جمال عبد الناصر،...

http://www.elmessجمال عبد الناصر، الذي كاد أن يكون ... رمضان جربوع
24/07/2008
بدءً، أقرّ بعدم مقدرتي علي أن أكون محايدا تماما في استعراض ظاهرة الزعامة عند التطرق لجمال عبد الناصر، فأنا من الجيل الذي انفتح علي الوعي وعبد الناصر كان ملزمة في أسرتي ومدينتي بنغازي بل وليبيا كلها وبلاد العرب.ولن يمنعني ذلك من المحاولة.نحن بني يعرب، تحكمنا ثقافيا ثلاثة اعتبارات:- القلب، عندما يكون موقفنا بدواعي العاطفة وما يحب الإنسان أن تكون عليه الأمور (أية أمور! كانت) وما قد ينجذب إليه هذا الإنسان إلي شيء ما بكونه معبرا عن مكنونه.- العقل، ولكلٍ عقل أيا كان، وهو ما قد يراه إنسان بحكم تحكيم العقل وإعمال الفكر، والكل مرتبط أيما ارتباط بمقدار وعي الإنسان في برهته، وتتفاوت رجاحة الموقف المتخذ اعتمادا علي صحة أو وجاهة بيانات وعي صاحب الموقف.- الروح، وأقصد بها هنا ما قد يكون الجمع بين الاثنين أو استقرار في منهج وعقيدة يعتقد بها الإنسان ورثها صغيرا من بيئته أو بفعل اجتهاد تحصيل ووقف عندها راضيا مستقرا، وهي كما يقول رضي الله عنه الإمام أبي حامد الغزالي ما معناه يفتح الله صدرك ويقذف فيه الإيمان أو كما يشابه ما يقول بعض من السلف: التسليم البسيط والقناعة به مع الإشارة علي سبيل التدليل بـ إيمان العجائز .قبل الولوج علي زعامة جمال عبد الناصر وممارسته لها، لا مفر من استعراض حال مصر قليلا علي مستوي التاريخ والسياسة والاجتماع ولو باقتضاب حتي نستطيع عرض موضوعنا هذا الخميس.مصر، شأنها شأن بلدان المسلمين والعرب، تحت الخلافة العثمانية التي تولدت عند أفول نجم بني العباس في بغداد، فحلـّت محلها، فئة قادها أشاوس حرب أفذاذ، من قبائل التركمان، استطاعت بناء امبراطورية تمتد عبر آسيا وأفريقيا ووسط أوروبا حيث توقفت علي أبواب فيينا النمسا.عانت مصر ومعها نحن، عندما أخذت مملكة آل عثمان التركمان في الأفول شأنها شأن غيرها من الأمم كما يقول سيدنا ابن خلدون، من التخلف والركود والسكون.يحلو لنا نحن بني يعرب وضع مثالب الماضي علي بني عثمان من آل تركمان، بل ونقول حتي استعمارهم لنا، كما ولو لم نكن نستعمر أنفسنا بأنفسنا، ونتناسي وننسي أن دولة بني عثمان قامت علي أكتاف العرب وإسلام العرب، وأن قرابة نصف كوادر الدولة العثمانية طوال الخمسة قرون كان من بني يعرب، حتي وإن تترّكوا أو تعثمنوا إن شئتم ! ... كلنا في الهم شرق و ونشرق في لعابنا أحيانا!مصر كانت أول ضحايا غزوات الفرنجة الجدد (بعد الصليبيين) في حملة نابوليون الشهيرة بنهاية القرن الثامن عشر، ثم أجلي الإنجليز الفرنسيس بتحالف مع آل عثمان، أصحاب العهدة في الحكم وإن كان متولية طوائفهم من المماليك، وكانت هجمة الفرنجة الجديدة وما صاحبها بمثابة صعقة كهربائية لمجتمع غارق في الخمول استفاق منه عقبها، وأول المستفيقين كان محمد علي باشا الألباني وهو أحد المماليك من ذوي الصولة والجولة وبعض من الدهاء، وتمثل دهاؤه في التمكن من التخلص مبكرا عبر عملية تصفية دموية من منافسيه الطامحين لتبوء مرتبته، فيما صار يعرف بمذبحة القلعة بمطلع القرن التاسع عشر (بالمناسبة بعدها ببضع سنوات قام باشا آخر، هذه المرة لدينا في ليبيا يوسف باشا القرمللي بإعادة إنتاج ذات المذبحة في مدينة بنغازي بسنة 1816 وكان الضحايا شيوخ قبائل الجوازي، عندما رأي أنهم يشكلون خطرا علي باشويته. ... والمذبحتان كانتا بعد مأدبة !سيدنا محمد علي عندما استقر له الوضع شرع في مشروعه المتمثل بإقامة مملكة لعائلته، كان مستنيرا واستفاد من تجربة غزوة الفرنجة، وتأثر بهم دون شك، وعزم علي إنشاء دولة حديثة وابتعث الدارسين إلي فرنسا، ونجح إلي حد ما في تحديث نسبي لمصر وإخراجها، او إخراج هيكلية الدولة إلي العصر الحديث، بل وشرع في ترتيب الجيوش وقام بغزوات هو وابنه ابراهيم واستطاعت دولته بلوغ مرتبة عالية من حيث القوة العسكرية والاقتصادية، إلا أن ذلك العصر كانت دول عظمي تهيمن عليه (فرنسا، إنجلترا والامبراطورية النمساوية الهنغارية) ولم تر السماح له بالتمادي فأحكمت عليه الخناق وقصفت أجنحته إلي حد ما في نفس الوقت الذي كانت تخطط فيه للقضاء علي ما بقي للمسلمين ومعهم آل عثمان من خلافة وقوة وتأثير، فالعالم أصبح لهم وهم في حاجة لأسواق ومناطق نفوذ يتقاسمونها بينهم وهم بالتأكيد قرروا القضاء علي أي تواجد قوة إسلامية كبري تنافسهم.شيئا فشيئا صار نفوذ الغرب عظيما في مصر ليس في تقليص نطاق حراكها خارج البلاد فحسب، بل حتي في التركيبة الاجتماعية الجديدة التي أخذت طابعا هجينا: عائلة مالكة برئاسة عاهل (خديوي) يحكم بتخويل اسمي من عاصمة الخلافة بالآستانة باعتماد من دول الغرب، حاشية ومقربون للعائلة يستظلون بها وبالدرجة الأولي من كبار ملاك الأراضي الزراعية وكبار الإداريين والعسكريين، ثم طبقة جديدة تتكون أساسا من الجاليات الأجنبية التي بدأت في التوارد علي مصر إما باستدعاء من الحكومة في سبيل تحديث الدولة أو من المستوطنين من ذوي الميزة نظرا لتأهلهم المهني وما يتمتعون به من حصانات.ما رسخ هذه التركيبة حدثان عظيمان، تمثل الأول في تنفيذ مشروع حفر قناة السويس ثم إدخال الإنجليز لزراعة القطن علي نطاق واسع بأكثر مما تحتاجه البلد من قبل الإنجليز عند اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية في (1861-1865) وما نتج عنها من انقطاع توريد قطن الولايات الجنوبية بأمريكا لمحالج بريطانيا العظمي وكان لابد من بديل، فكانت مصر! بالدرجة الأولي.نتناول الحدثين لأهميتهما فيما سيحدث لمصر.قناة السويسأحدثت ما يشبه الزلازل في عالم التجارة الدولية، فلقد اختصرت المسافة إلي أكثر من النصف ما بين أوروبا وأسواقها ومستعمراتها في آسيا. المشروع قام به الفرنسيون عن طريق شركة مساهمة طرحت أسهمها بالسوق حازوا فيها نصيب الأسد وخصص جزء منها للدولة المصرية أو الخديوي اسماعيل، بريطانيا التي لم تكن تعتقد كثيرا بالجدوي استيقظت متأخرة بعد تحققها مما توفره لها القناة من سهولة الوصول لمستعمراتها في الهند وتجارتها مع الصين.خشيت علي ممتـــلكاتها ومصالحها والطريق إليها فغيرت رأيها واهتمت بمصر بهمة انتهت في خاتمة المطاف باحتلالها وإعلان الوصاية عليها، بمعني أن الاستقلال النسبي لمصر انخفض مقداره لحد كبير جدا، منطقة قناة السويس المصرية أصبحت بمثابة منطقة محتلة لا سلطان للخديوي عليها. هذا الخديوي كان مأخوذا أصلا بالحدث والحداثة القادمة معه وصار يقلد الغرب بل ويحاول تحويل مملكته إلي قطعة من أوروبا فأهدر أموالا لا حصر لها في تشييد العمائر وفي مشاريع عديدة بكلفة مرتفعة لم تتحملها خزائنه فأخذ يقترض بل وباع أو ارتهن جزء كبير جدا من أسهم الدولة المصرية في قناة السويس. من ضمن مشاريعه الغريبة وعلي سبيل المثال لا الحصر، إصراره علي إقامة دار للأوبرا حيث كلف الموسيقار الإيطالي الشهير (فيردي) بتأليف أوبرا (عايدة)، هذا التكليف لوحده، ولكي نتبين مدي التبذير بل السفاهة التي وصل إليها الخديوي اسماعيل، وصل لمبلغ مائة وخمسين ألف فرنك ذهب، ولا يدخل في ذلك ما أنفق علي الإخراج والديكور والملابس (لا ندري ما استفاد الفلاح المصري أو عامل السخرة الرقيق من هذه الأوبرا!)، لا بد أن نضيف أن من تغلب علي إسماعيل باشا في مثل هذا الإسفاف هو شاه إيران السابق في الاحتفال بذكري مرور ألفي عام علي إنشاء بيرسيبوليس حيث كاد أن يفرغ خزانة إيران، وكل ذلك عشقا وتماهيا في الروم والفرنجة والأنغلوساكسون!لو كان العز بن عبد السلام حيا وذا قضاء، لحجر علي الاثنين!قناة السويس أسهمت في تشكيل الطبقات، المسحوقة منها (عمال السخرة والفلاحين) والطبقة المتميزة المدعية بأرستقراطية (ملاك الأراضي الزراعية وذوي العلاقة بالقصر) وطبقة الخواجات الأجانب ثم طبقة البيروقراط المصرية الوطنية، قليلة الشأن نوعا ولكنها كانت تجاهد وتكافح، إلي جانب كل هؤلاء طبقة بورجوازية صغيرة (سكان المدن والبلدات) من تجار وموظفين ومهنيين.المأساة الكبري لقناة السويس أنها رسخت الفرقة بين كل هؤلاء والطبقة المسحوقة للنخاع من عموم المصريين وتحديدا الفلاحين وعمال السخرة الذين تم جرّهم قسرا للعمل في حفر القناة ويعاملون معاملة لا تمت للإنسانية بصلة ويموتون هناك، الحيوانات التي كانت تستخدم في عمليات حفر القناة من حمير وبغال وإبل، كانت تعامل بطريقة أفضل!هذه الطبقة في تقديري قد تصل إلي 70% من الشعب المصري.... والجناة؟الأجانب ومن تعاون معهم من أهل البلاد!القطن القطن!المأساة الثانية التي ربما زادت من معاناة الشعب المصري أضعافا أخري، هي إدخال الإنجليز لزراعة القطن علي نطاق واسع في مصر (القطن معروف في مصر منذ القدم ولكنه للاستعمال المحلي)، وكما أسلفنا السبب هو انقطاع تدفق قطن الولايات الجنوبية من أمريكا (والذي كان ينتج بالمناسبة من قبل الرقيق الأفارقة المستعبدين قسرا).نجحت تجربة زراعة القطن وحلت مشاكل محالج ليفربول البريطانية إلا أن القطن المصري (طويل التيلة المتميز) صار سلعة تجارية دولية ذات شأن وتعيير في بورصات العالم ومضارباتها، ومن الذي استفاد؟ ثلاث فئات لا غير! وليس من بينهم صاحب المصلحة!سماسرة القطن وبورصته في مصر والعالم، ثم الإنجليز بكونهم تحصلوا علي سلعة مطلوبة وذات مكسب وجدوي، ثم؟ ... ملاك الأراضي الزراعية الكبري في وادي نهر النيل والدلتا.وهنا نتوقف قليلا لنتعرف علي ما أصبح يعرف بالإقطاع.الإقطاعالإقطاع في مصر لم يتأسس كما صنوه في أوروبا، أي من قبل أمراء ولوردات وبارونات تملكوا الأراضي واستعبدوا الناس لحمايتهم كما كانوا يبررون بل بفعل منح مباشر من صاحب بيت المال في مصر، ومن هو صاحبه؟ الوالي أو المملوك أو الباشا ومن بعده الخديوي، أي الذين تولوا أمر حكم مصر، وكيف؟لإن مصر فتحت علي يدي عمرو بن العاص عنوة، أي ليس صلحا، بل حربا، والسبب؟ المسلمون قاموا بالغزو والحرب ضد الرومان، حكام مصر، الذين كانوا يشكلون تهديدا للدولة الإسلامية الناهضة، والتوصيف الشرعي؟كل بلد يفتح عنوة تؤول أراضيه لبيت مال المسلمين ويسمح لمالكها السابق أو مستغلها بالاستمرار في استثمارها مقابل دفع العشر لبيت المال.عادة لا يسمح بالتنازل عن ملكية عقار تعود لبيت المال، ولكن في ظروف محددة عينها الفقهاء قديما، كان ذلك لا يسمح به إلا في حالات معينة تتعلق بالمصلحة العليا للأمة، وحيث أن الأمة تطرطشت وانتصب علي مقعد الحكم أناس أخر دون شوري (يعني بلا ديموقراطية بلا كلام فاضي)، صار الجالس علي كرسي العرش ينصب نفسه أمين بيت المال، ومن ثم كانت الأراضي والإقطاعات تمنح علي الهوي، إما مكافأة علي تعاون أو علي سبيل مرتب تقاعد أو ثمن يدفع لكي يبتعد فلان أو علان عن التفكير في أشياء أخري!من قام بهذا في مصر تحديدا؟حسنا، القائمة طويلة ولكنها تبدأ من الممالك والمماليك من حين آل بني أميّة وصولا لمحمد علي باشا، ونهبت مصر وبيعت وأعطيت لغير أصحابها المستغلين لها وامتهن الفلاح الكادح من الفجر إلي العشاء وأصبح يباع مع الأرض التي يجلس فوقها مثله مثل الأنعام!وهكذا عندما صار للقطن إقبال ترسخ الوضع أكثر ولم يستفد الفلاح الذي ينتجه سوي بعض من فتات! وتكونت ثروات سمحت بشراء ألقاب الباشوات والبكوات وأصحاب السعادات.طرفة فتوي إيطالية في ليبيا!أنتقل بكم لطرفة لعلها تخفف وقع المقال وطوله:في ثلاثينات القرن الماضي، عندما تمكن الإيطاليون بعد حرب استمرت عشرين سنة، من القضاء علي المقاومة الليبية في إقليم برقة، شرعوا في إنشاء المشاريع ومنح امتيازات بها لشركاتهم، هذه الشركات كانت تريد أوراقا شرعية لإثبات ملكية الأراضي الزراعية في بورصات إيطاليا، فما كان من الإيطاليين إلا أن قاموا بالبحث والتنقيب وعثروا علي ما ذكرت آنفا بخصوص ملكية أراضي البلاد التي يتم فتحها عنوة ومن ثم بكونها تعود ملكيتها القطعية لبيت مال المسلمين، وما كان الأمين علي بيت المال هذا، الذي هو الخليفة العثماني عند احتلال إيطاليا لليبيا في سنة 1911، ولما كان سيدنا الخليفة العصمللي قد أبرم معاهدة صلح مع إيطاليا في مدنية لوزان بسنة 1912 تنازل فيها عن كل صلاحياته الشرعـــية وحقوقه في ممارسة السلطة (طبعا لم يتنازل عن حقه في ممتلكاته الخاصة في ليبيا) وكذلك اقر واعترف بأن ليبيا أصبحت إيطالية، حسنا وبناء علي ذلك خرّج فاشست إيطاليا بأن الأمين علي بيت مال المسلمين في ليبيا الآن هو (قصير الضرطة) أومبرتوا ملك إيطاليا، وبالتالي يصبح لسيدنا الملك الإيطالي الحق في إصدار مرسوم يسحب فيه حق الانتفاع من مواطني الجبل الأخضر في برقة! لماذا؟ لأنهم لم يسددوا العشر السنوي عن دخلهم، ولما كانت إيطاليا مقدرة وحنونة، خصوصا بعد تبينها حالة الليبيين الغارقين في البؤس والفقر، لذلك أعفتهم من تسديد العشر وطلبت منهم الانسحاب من الأراضي بهدوء ووعدتهم ببضع فرنكات علي سبيل التعويض (ابشروا يا أهل فلسطين!) وهكذا صار ... ما سلف هو فحوي فتوي إيطالية إسلامية، هل تعرفون من حررها؟ ..... السيد العالم المستشرق نيللينو ، وهو شيخ الاستشراق في بلاد المعكرونة .... العبرة؟ .... استشراق؟ أكاديميا؟ بحوث علمية؟ تسهيل استعمار؟ .... اللهم ارحم حبيبنا إدوارد سعيد مؤلف كتاب الاستشراق!لمن يشك في معلومتي أفيده بأن لدي نص فتوي الشيخ نيللينو بلغتها الإيطالية الأصلية!نيللينيو (NELLINO) أفني عمره في دراسة الإسلام واللغة العربية.مصر التي نحب وما لا نحب لها!نعود لمصرنا التي نحب ويؤلمنا ما لا نحب لها، في نهاية القرن التاسع عشر تكبلت الدولة من ثقل أحمال الديون التي أنفقت في عبثيات وترّهات لا فائدة منها ولا يحزنون، فما كان للدول العظمي إلا أن تأتي لمصر هذه المرة بمنطق جديد:رقابة موارد الدولة المصرية وضمان عدم شعترتها وتسديد القروض وفوائدها للدائنين الأوروبيين، الهيمنة علي الحكومة بحيث تعمل تماما بما يقال لها في باريس ولندرة.في هذه الآونة تشكلت في مصر طبقة من الوطنيين الذين لم يتحملوا الغبن، وكانت ثورات، دنشاوي، عرابي ... الخ. ولما كانت مصر قلب الإسلام والعروبة النابض (شاء البعض أم أبي) فلقد اهتم أهل مصر (من غير المدهنين) وانتبهوا لما يدبر لهم ولإخوانهم خصوصا بعد الاحتلال العسكري المباشر لمصر من قبل الإنجليز (1882) وما يحاك في سبيل القضاء علي هوية المسلمين والعرب عموما ومن ثم ضرورة التوعية والحشد للأمة، فكان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومن قبلهم الكواكبي .. الخ. ونشطت في مصر حركة تدعو للتصدي للقادم من الشمال! العازم طرّا علي الهيمنة علي الجميع، بالمال بالسلاح بالثقافة ... بجميع الوسائل.في بدايات القرن العشرين، ظهرت صحافة وخرجت كتابات في المضمون (لطفي السيد إلي حين- عبد العزيز جاويش (من مواليد بنغازي 1861) سعد زغلول (والذي يتنازع البعض إلي الآن في كونه استقطب أم لم يٌستقطب من طرف إخوتنا الإنجليز) .....استقر الحال علي المطالبة بالاستقلال والجلاء كيفما كان، ولم يكن ذلك سهلا، استعرّت الحركة التي صارت وطنية وعاني منها الإنجليز وأصحاب العرش المعينين، ثم الاتفاق علي دستور وإلغاء الحماية و استقلال بشكل ما ولكن مع دوام احتلال القنال.في عام 1936، كان اتفاق آخر، أخذ فيه الاستقلال طابعا أكثر وضوحا، وفي هذا العام سمح لأول مـــرة بدخول الكلية العسكرية لعــامة الناس، وهي الســــنة الفصل، لصاحبنا جمال عبد الناصر وصحبه، إذ تمكن أبناء البورجوازية الصغيرة من دخول المراتب العلي التي كانت قصرا علي أهل الحظوة.أحسب أنه كان في وعي جمال عبد الناصر ما تليت سلفا، وعند تأملنا أحداث الحقبة التالية:الحرب العالمية الثانية والتهديد بضياع مصر من يد الإنجليز، وحسم أمر إعادة تعيين النحاس رئيسا للوزراء في يوم 4 فبراير تحت وطأة دبابات بريطانيا، انتهاء الحرب وبدء مأساة فلسطين والحرب هناك ثم المرارة من الهوان وحال الفقر والبؤس وهيمنة الأجانب والإقطاع وقناة السويس وملكية خانعة خائبة وارستقراطية تعاني من عقد النقص ... الخ. ثم تيار وحراك إسلامي جارف متمثل في حركة الإخوان المسلمين وبعض حراك من جماعة أهل اليسار لا يظهر للعيان سوي في مجال الثقافة والبيان.عبد الناصر كان مهموما بقضايا الوطن، ومن هنا شرع في التدبير والتخطيط وجمع من حوله أفرادا من طبقة العسكر وقليلا من أهل الفكر، نجح في انقلاب، سرعان ما تحول إلي ثورة فعلا وتفعيلا، لقد كان الرجل ينطق بما يحب أن يسمعه شعبه ...بل حتي بما كنا نحن نحب أن نسمعه في ليبيا وبقية أوطان العروبة والإسلام بل وحتي في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، في بضع سنين.ماذا كان يريد عبد الناصر أن يفعل؟الاستقلال الكامل لمصر، إجلاء القوات البريطانية، مكافحة الفساد، إصلاح الدولة القضاء علي الإقطاع، إقامة الحكم الرشيد، الإصلاح الزراعي والاقتصادي، التعليم العام المجاني، الثأر لهزيمة 48 في فلسطين، وربما التخلص من شركة قناة السويس الفرنسية- المتمتعة بحماية الإمبراطورية البريطانية .... ثم و من بعد؟ .... بعد أن هاجت به الجماهير حبا، في مصر وبلاد العرب وغيرها ..... الوحدة العربية، الحياد الإيجابي، دعم حركات التحرر ومكافحة الاستعمار، ثم والأهم من ذلك كله، صار الرجل زعيما لأننا كلنا في ذلك الوقت أردنا ذلك! كنا نبحث عن زعيم!المشروع كبير، واللحاف قصير، وإن كان هنالك أمل في أن يطول بدعم وزخم ... ولكن، وكالعادة، الآخر متربص، الغرب وماضيه وتاريخه وطموحاته، كان متربصا، لم يكن يخشي كثيرا من عبد الناصر لشخصه، ولكنه ارتعب مما يمكن أن ينتج عن خطابه في مصر والأخطر منها، رحاب عالم العرب والإسلام ودول العالم النامي، فالرجل لم يكن سوي عسكري من دول العالم الثالث، وطني عفوي، متحمس، تصادف أن كان خطيبا مفوها يلامس القلوب والعقول أيضا من حيث الذاكرة، لاقي صدي عظيما، القضاء عليه أو احتواؤه لم يكن صعبا، ولكن إن قدر لخطابه السريان فجمهور المتلقين عظيم ورحابهم يغطي رقعا شاسعة من العالم بالغة الحساسية الإستراتيجية وقد يمس مصالحهم إلا أنهم رأوا التريث إلي حين.سير الأحداث كان بوتيرة سريعة، انتهت الملكية وذهبت طبقات الحكم الأولي بعيدا، وتولي نصاب الدولة شباب بدوا وكأنهم لا يخشون شيئا، انضوت مصر كلها تحت لوائه، بمن فيهم أهل الحراك الإسلامي، ألهب المشاعر! ولا يلام الرجل إن شرع في مشروعه، أخذ يقلص من حجم تأثير رأس المال القديم ومن في ركابه من دهاقنة السياسة المعتادين، إصلاح زراعي، تأميمات، تعبئة جماهيرية ... صارت مصر تحكم من قبل مصريين لا غير ... لأول مرة منذ زمن بعيد!باشر بالإنجليز، ونجح في ترحيلهم فما كان لهم من عزيمة علي المقاومة، أخذ في وضع المشاريع الكبري .... السد العالي، مٌنع التمويل فعجل بالتأميم، قناة السويس آخر معاقل الكبار.حرب 56ارتعب القوم وقرروا، الإنجليز والفرنسيس اتحدوا ومع آل عبران، المتوجسين شرا، تآمروا ثم ضربوا (حرب 56) كاد عبد الناصر أن يذهب سدي، التفاف شعبي منقطع النظير، مقاومة شعبية غير متوقعة (بورسعيد)، موازنات دولية، إنذار الرفيق بولجانين ، غضب أيزنهاور من الحلفاء الأقدمين وعزوفه عن تغطيتهم ودعمهم كما كانوا يتوقعون (لإنهم لم يستشيروه؟ أم لأنه كان يريد انقضاءهم؟ حزر فزر!)في الختام باءت الحملة بالخيبة وانتصر عبد الناصر! من الذي كان يستطيع في ذلك الوقت أن يطعن في الزعيم؟ ... اكتسح جمال الجميع، جاء إليه أهل الشام للوحدة طالبين، توحد البلدان، وبقصر نظر البعض من الجهتين لم يتحقق المنشود، وكانت أولي الخيبات، ثم لمواجهة تمنّع الغرب عن التعامل والتعاون اضطر للجوء للشرق، الاتحاد السوفييتي وركبه، ثم الاشتراكية والتأميمات وتوليد ديناصور القطاع العام وبعدها اليمن ، هذه لوحدها يستحق عليها الجائزة، وإن كانت الكلفة جد عظيمة، ثم الحرب في 67 والكارثة التي نتجت عنها ... نجاح هنا وفشل هناك! ... لماذا؟الاعتداد بالرأي؟ إعلان الحرب علي الإسلاميين وبالتالي فقدان اللٌحمة؟ الاضطرار للشرق بسبب نفور وعزوف الغرب؟ إعادة إنتاج البوليس السياسي خاصة الملك فاروق؟ مباحث ... أمن .... مخابرات .... إعلام علي الطراز السوفييتي؟ شطيطح بن طيطح؟ زمرة الطبل الزمر المتزلفين؟ تغييب الرأي الآخر؟ .... شطحات الحلفاء اليساريين ثقافة؟ تكون طبقة بيروقراطية عسكرية؟ مركزية السلطة؟ معلومات خطأ؟ أم هي مجرد عدم مواءمة الديمقراطية مع طبقة العسكرية؟أيًا كان الأمر، أحمال وأعباء الرحل كانت مما تنوء به الجبال!استيقظ بعد نكبته ، وأخذ يراجع ذاته، وتصدي لدرء ضرر الموبقات وأخذ في محاكمات (فساد المخابرات؟!) ثم باشر بالاستعدادات لاستعادة المسلوبات وكاد أن يحقق ... إلا أن المنية وافته، وجاء بعده غيره، تلك سنة الله في خلقه ... ونعود نسأل:كيف نحكم عليه؟ ...من جهتي أعلنت مقدما بأني لن أستطيع أن أكون محايدا، فأنا وعيت علي الدنيا وأنا وأسرتي نحب الرجل، أتذكر شقيقي الأكبر عندما أحضر صورا في إطارات لتعليقها في مربوعة الوالد، لم يمانع أبي فلقد كانت لمجلس قيادة الثورة المصرية وأخري لجمال عبد الناصر وبجانبه محمد نجيب، هل لا زلت أحبه؟ لا أدري ولكنه كان ينفخ فينا روحا! لازلت أعاني .... منه!فشل وانتكس وتسبب في أذي واعتقال وتعذيب وقتل بالآلاف، ثم جعل من جماعة البصاصة والعساسة يصولون ويجولون ويصنفون ويكتبون التقارير ويكيلون التهم بالباطل يمنة ويسرة، ماذا اقول؟فعلها كثير غيره ممن سبقوه وبه لحقوا...أو لم يكن زعيما؟ نعم كان زعيما ... وكاد أن يكون الزعيم ...هل نحن بحاجة لزعيم؟ لا أحير لكم جوابا ....لكل جواب، فليبحث كل واحد عن جوابه!ہ كاتب من ليبياiri.com/encyclopedia/JEWISH/ENCYCLOPID/START/MAFAHIM/M0072.HTM

ليست هناك تعليقات: