الخميس، ديسمبر 18، 2025

مجموعة العربي المصرية.. لماذا أنهت 6 عقود من الشراكة مع "توشيبا"

 بعد أكثر من 6 عقود شكّلت خلالها واحدة من أنجح قصص الشراكات الصناعية في مصر والمنطقة، أعلنت مجموعة العربي المصرية رسمياً إنهاء جميع تعاقداتها الصناعية والتجارية مع علامة "توشيبا" اليابانية في قطاعي الأجهزة المنزلية والتلفزيونات، بنهاية عام 2025، في خطوة لافتة تعكس تحولات أعمق في استراتيجية المجموعة وسوق الأجهزة المنزلية عالمياً.

القرار، الذي جاء بالتزامن مع كشف مجموعة العربي عن استثمارات وشراكات جديدة تقترب من نصف مليار دولار، لا يبدو انفصالاً تقليدياً بقدر ما هو إعادة تموضع استراتيجي.

نهاية شراكة تاريخية.. لكن دون قطيعة مع العملاء

حرصت مجموعة العربي، التي يقودها اليوم الجيل الثاني من العائلة، على التأكيد أن إنهاء التعاقد مع "توشيبا" لا يمس حقوق العملاء، مشددة على الالتزام الكامل بخدمات ما بعد البيع لجميع المنتجات التي بيعت بضمان المجموعة.

وأكدت أن الوفاء بالتعهدات تجاه المستهلكين "ثابت لا يتغير"، في رسالة تهدف إلى طمأنة السوق بأن القرار استثماري بحت، وليس انعكاساً لأزمة تشغيلية أو خلافات تجارية.

لماذا الآن؟.. التحول من وكيل إلى صانع قرار

وفق معطيات السوق وتصريحات المجموعة، فإن العامل الأبرز وراء القرار يتمثل في تغير نموذج العمل.

فمجموعة العربي، التي ارتبط اسمها لعقود بعلامة توشيبا في الوعي الاستهلاكي المصري، لم تعد ترى مستقبلها كشريك حصري لعلامة واحدة، بل كمجموعة صناعية متعددة العلامات تمتلك قدراتها الذاتية في البحث والتطوير والتصنيع.

هذا التحول تدعمه استثمارات ضخمة، أبرزها إنشاء أكبر مركز للبحوث والتطوير في الشرق الأوسط باستثمارات تجاوزت 3 مليارات جنيه، لتصميم وتطوير الأجهزة المنزلية والإلكترونية، ليس فقط للعلامات المملوكة للمجموعة، بل أيضاً لشركات عالمية كبرى.

شراكات جديدة.. ومحفظة عالمية متنوعة

بالتوازي مع إنهاء شراكة "توشيبا"، أعلنت مجموعة العربي عن توسيع محفظة تحالفاتها الدولية لتشمل أسماء ثقيلة في الصناعة العالمية، من بينها شارب وهيتاشي (اليابان)، لاجيرمانيا وهوفر (إيطاليا)، وTCL (الصين)، إلى جانب العلامات المملوكة للمجموعة مثل تورنيدو (مصر)، كاجيتو (اليابان)، وهيلر (ألمانيا).

هذه الشراكات، بحسب المجموعة، تأتي ضمن خطة لاستهداف الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية بمنتجات قادرة على المنافسة من حيث الجودة والتكلفة.

الصناعات المغذية.. حجر الأساس للاستقلال الصناعي

أحد الأسباب غير المعلنة لإنهاء الاعتماد على شريك واحد، يتمثل في تعميق التصنيع المحلي. فمجموعة العربي وسّعت استثماراتها في الصناعات المغذية عبر شراكات مع Richtech التايوانية لتصنيع الكباسات، Toyotouchi اليابانية لصناعة الزجاج، Shin Steel وNex الكوريتين لمكونات الثلاجات، وشركة Core لتصنيع مواتير الغسالات.

هذا التوسع يمنح المجموعة تحكماً أكبر في سلاسل التوريد ويقلل اعتمادها على العلامات العالمية التقليدية، في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات لوجستية وتقلبات في تكاليف الإنتاج.

هل تراجع دور العلامات اليابانية؟

لا يمكن فصل القرار عن التحولات العالمية في صناعة الأجهزة المنزلية، حيث تراجعت الهيمنة المطلقة لبعض العلامات اليابانية، مقابل صعود قوي لشركات صينية وكورية وأوروبية، تعتمد على الابتكار السريع، وتعدد النماذج، والمرونة السعرية.

وفي هذا السياق، يبدو أن مجموعة العربي اختارت تنويع المخاطر بدل الارتهان لشريك واحد، مهما كان تاريخه أو سمعته.

يذكر أن شركة "ميديا" الصينية استحوذت على "توشيبا لايف ستايل" والتي يقع تحتها الأجهزة المنزلية وغيرها من المنتجات في عام 2016 في صفقة أولية قدرت بأكثر من 473 مليون دولار، تبعها صفقة أخرى في يونيو من نفس العام لشراء الحصة المتبقية البالغة نحو 20%.

وفيما لم يتم الكشف عن تفاصيل عن موقف الشركاء وعمليات التصنيع والتجميع الخارجية لشركاء "توشيبا" اليابانية مثل "مجموعة العربي"، إلا أن مرور نحو 10 سنوات على الاستحواذ قد يكون وضع نهاية ضرورية لهذه الشراكة الممتدة لعقود.

إنهاء الشراكة مع "توشيبا" ربما لا يمثل نهاية قصة، بل بداية مرحلة جديدة لمجموعة العربي، عنوانها تنويع الشراكات وتعميق التصنيع المحلي مع التحول من شريك صناعي إلى منصة تصنيع إقليمية.


ويعكس هذا التحول نضج القطاع الصناعي المصري، وقدرته على إعادة تعريف علاقته بالعلامات العالمية.

قد يكون تعويض "توشيبا" التي كانت جزءاً من العلامة التجارية لمجموعة العربي لسنوات، يحتاج إلى أكثر من بديل لتعويض الحصة السوقية المتوقعة خسارتها، وهو ما سرع من إطلاق العديد من الشراكات من الشرق والغرب، وحتى إطلاق "تورنيدو" كعلامة محلية خاصة بـ"العربي" في محاولة لاستقرار أعمال المجموعة بعد حقبة "توشيبا" المنتهية.

ليست هناك تعليقات: