الثلاثاء، سبتمبر 10، 2024

برلمان معلق منقسم بشكل حاد على أسس أيديولوجيةالشارع الفرنسي يبدو مستعداً للنزول بقوة احتجاجاً على التضخم وتدهور القدرة الشرائيةلخفض الديون والعجز

 طلبت فرنسا مزيدًا من الوقت لتقديم خططها لخفض الديون والعجز إلى المفوضية الأوروبية في الوقت الذي يعمل فيه رئيس الوزراء الجديد ميشيل بارنييه على تشكيل حكومة على خلفية تدهور المالية العامة. 

وقالت وزارة المالية الفرنسية إنها طلبت من بروكسل منحها مزيد من الوقت لوضع الخطط، التي من المقرر تقديمها في 20 سبتمبر.

وأبلغ مسؤول بالاتحاد الأوروبي أن فرنسا سترسلها على الأرجح إلى جانب مشروع ميزانية 2025، المقرر تقديمه بحلول منتصف أكتوبر.

وقالت وزارة المالية يوم الأحد: "مثل الدول الأعضاء الأخرى في هذا العام من الانتقال إلى القواعد المالية الأوروبية الجديدة، طلبت فرنسا من المفوضية مثل هذا التمديد. ويهدف هذا إلى ضمان الاتساق بين الخطة ومشروع قانون المالية الفرنسي للعام 2025".

وفي الأسبوع الماضي، حذر وزير المالية المنتهية ولايته برونو لومير من أن العجز العام للبلاد سيكون أعلى من المتوقع هذا العام، حيث سيرتفع إلى 5.6 بالمئة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي.

وجاء في رسالته إلى النواب، في إشارة إلى خطط الإنفاق المرسلة في وقت سابق من هذا العام إلى بروكسل، "إن الخطر الرئيسي مرتبط بارتفاع سريع للغاية في الإنفاق من قبل السلطات المحلية، والذي قد يؤثر وحده على حسابات عام 2024 بمقدار 16 مليار يورو مقارنة ببرنامج الاستقرار 2024-2027".

وسيكون إقرار ميزانية البلاد للعام 2025، والتي يجب عرضها على البرلمان للمناقشة في بداية أكتوبر، أول عقبة كبيرة تواجه حكومة بارنييه الجديدة، وهي العقبة التي من المتوقع أن تكون مثيرة للجدل للغاية في برلمان معلق منقسم بشكل حاد على أسس أيديولوجية، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه.

وسوف يتم اختبار خبرة بارنييه، السياسي المحافظ المخضرم والمفاوض السابق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، باعتباره صانع صفقات سياسية أثناء محاولته تشكيل حكومة مستقرة في مشهد سياسي شديد الانقسام .

تم تعليق القواعد المالية للاتحاد الأوروبي التي تحد من الإنفاق بنسبة 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي أثناء الوباء ولكن تم إعادة تقديمها مع بنود وشروط جديدة.

وتعد فرنسا واحدة من سبع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تواجه إجراءات العجز المفرط، والتي أطلقتها المفوضية في يونيو، وهي توبيخ لانتهاك قواعد الكتلة التي تحد من الاقتراض السنوي بنسبة 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وستصدر المفوضية الأوروبية في الخريف تعليمات بشأن كيفية خفض الإنفاق بمجرد أن تقدم دول الاتحاد الأوروبي خططها المتعددة السنوات للمراجعة. ومع ذلك، لا تزال فرنسا لم تتشكل حكومة جديدة بعد شهرين من الانتخابات المبكرة التي أعادت برلمانا منقسما.

الديون الفرنسية

في أول مقابلة له منذ تعيينه رئيسا للوزراء من قبل ماكرون هذا الأسبوع، قال بارنييه يوم الجمعة إنه لا يريد زيادة ديون البلاد.

ومع ذلك، فإنه يواجه بالفعل ضغوطا بشأن خطط الإنفاق من القوى السياسية المختلفة التي سيحتاج إلى تحقيق التوازن بينها لتجنب الإطاحة بحكومته.

وقالت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، الذي جاء في المركز الثاني في انتخابات يوليو، في مقابلة مع صحيفة لا تريبون ديمانش: "لم يعد بوسع البلاد أن تتحمل الإنفاق المتهور في عدد معين من المجالات.. أفكر في الهجرة، ولكن أيضًا في الاحتيال".

وكان رئيس الوزراء يتشاور مع الزعماء السياسيين بشأن الوزراء المحتملين، لكنه سيحتاج إلى دعم من حزب الجمهوريين وغيره من الجماعات المحافظة والوسطية، فضلاً عن الاتفاق الضمني مع حزب التجمع الوطني بعدم التصويت ضده، إذا كان لائتلافه أن يبقى على قيد الحياة.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، قال رئيس الديوان الوطني للمحاسبة، بيير موسكوفيتشي، لصحيفة لو باريزيان: "لا شك أن الميزانية المقبلة ستكون الأكثر حساسية في الجمهورية الخامسة.

ويتعين علينا بكل تأكيد أن نسيطر على ديوننا... وإذا استمر هذا الوضع، فسوف يؤدي إلى انحراف هائل عن التزاماتنا وتعهداتنا تجاه شركائنا الأوروبيين".

وقالت المفوضية: "إن تقديم الخطة بعد العشرين من سبتمبر هو احتمال متوقع في القواعد. ويمكن للدول الأعضاء أن تتفق مع المفوضية على تمديد هذا الموعد النهائي لفترة زمنية معقولة. ولا نستطيع أن نؤكد في هذه المرحلة ما إذا كنا قد تلقينا طلب فرنسا".

الدين العام أول التحديات

من باريس، قال الكاتب والباحث عبدالغني العيادي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • فرنسا تواجه في ظل الحكومة الجديدة مجموعة من التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تستدعي اتخاذ قرارات حاسمة.
  • حسب الأولويات التي أفرزت عنها عديد استطلاعات الرأي حول هموم الفرنسيين التي جعلتهم يتوجهون نحو الخطوط المتطرفة سياسياً، يمكن القول بأن أول هذه التحديات هو ارتفاع الدين العام الذي بلغ 114.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، إلى جانب العجز المالي الذي وصل إلى أكثر من 4.9 بالمئة.
  • هذه الأرقام تزيد الضغط على الحكومة لخفض الإنفاق العام دون التأثير على القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة.
  • التضخم يعد من أكبر التحديات الراهنة، نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.
  • أزمة الطاقة المتفاقمة بسبب الحرب في أوكرانيا أدت إلى زيادة أسعار الغاز والكهرباء بنسبة 45 بالمئة. ردًا على ذلك، خصصت الحكومة 45 مليار يورو لدعم الأسر والشركات، مما يزيد من الضغوط على الميزانية.
  • في سوق العمل، رغم انخفاض البطالة العامة، فإن بطالة الشباب تظل مرتفعة بشكل ملحوظ.

وأوضح أن الحكومة الجديدة تركز على إصلاحات تهدف إلى تحسين تدريب الشباب وتقليل الفجوة بين المهارات المتاحة واحتياجات السوق.

إلى جانب هذه التحديات، تسعى الحكومة لتحقيق التحول البيئي وتهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، إلا أن هذا يتطلب استثمارات ضخمة تُقدر بـ70 مليار يورو سنويًا، ما يزيد من التعقيد المالي.

وأخيرًا، التفاوت الاجتماعي والاحتجاجات ضد سياسات مثل رفع سن التقاعد إلى 64 عامًا، تشكل تحديًا إضافيًا، وفق العيادي الذي أكد أن الحكومة تجد نفسها في موقف صعب بين تنفيذ الإصلاحات الضرورية واستجابة للمطالب الشعبية الملحة.

مطبات على طريق الحكومة

من باريس، قال الكاتب الصحافي، نزار الجليدي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"،  إن الحكومة الفرنسية الجديدة، التي وُلدت ولادة صعبة، تواجه ثلاثة تحديات كبرى تهدد بقاءها واستقرارها، على النحو التالي:

  • أول هذه التحديات هو المديونية المتزايدة في الميزانية العامة، التي باتت تمثل عبئاً ثقيلاً على أي حكومة تتولى زمام الأمور.
  • أما التحدي الثاني فيتمثل في ملف التقاعد، الذي لا يزال يؤرق المجتمع الفرنسي ويثير قلقاً واسعاً بين المواطنين.
  • في حين يشكل التحدي الثالث القدرة الشرائية، حيث يواجه الفرنسيون أزمة متفاقمة مع استمرار التضخم وتأثيراته على حياتهم اليومية.

أضاف الجليدي: "إن الحكومة الجديدة، رغم الضغوط السياسية الهائلة التي تواجهها في مجلس النواب الذي يفتقر إلى حزب كبير داعم، بالإضافة إلى الضغط الشعبي المتصاعد، مطالبة اليوم بتقديم حلول حقيقية.. فالشارع الفرنسي يبدو مستعداً للنزول بقوة احتجاجاً على التضخم وتدهور القدرة الشرائية، إلى جانب رفضه لعدد من القوانين التي تم تمريرها في عهد ماكرون رغم المعارضة السياسية. وبالتالي، فإن هذه الحكومة تواجه تحدياً غير مسبوق في قدرتها على الصمود ومعالجة هذه الملفات الحارقة."

واختتم الجليدي تصريحه قائلاً: "لم تشهد فرنسا منذ سنوات حكومة استطاعت معالجة هذه القضايا الجوهرية، ويبقى السؤال ما إذا كانت هذه الحكومة قادرة على تقديم الحلول الجذرية، أم أنها ستسقط في فخ التفكك قبل تحقيق أي تقدم."

ليست هناك تعليقات: