رد شبهة انتحال اسم هاشم من الأسفار اليهودية
والاحتمال الأرجح هو أن مصدر الهجرات بجنوب البحر المتوسط وجنوب أوروبا متأت من الجزيرة العربية، فقبل أربعين ألف سنة كانت حضارة بالجزيرة العربية دامت عشرين ألف سنة، ويوضح ذلك المؤرخ العراقي أحمد سوسة فيقول : “إن حضارة العرب القديمة مرت بثلاث مراحل في خلال تطورها عبر التاريخ: المرحلة الأولى أقدمها تبدأ في حوالي أربعين ألف [40000 ] سنة قبل الميلاد، وتنتهي في حوالي 18000 سنة قبل الميلاد، وقد عاشت هذه الحضارة ضمن حدود جزيرة العرب. ففي هذه الفترة التي دامت حوالي عشرين ألف سنة (الدورة الجليدية الرابعة) كانت أوروبا مغطاة بالثلوج في حين كانت الجزيرة العربية تتمتع بجو معتدل رطب تكثر فيه الأمطار في كل المواسم شتاء وصيفا، مما ساعد على نمو الغابات الكثيفة في المنطقة تحولت فيما بعد عصر الجفاف نتيجة للضغط إلى طبقات نفطية، كما ساعدت هذه الظروف الملائمة إلى تكوين حضارة نهرية لا تقل شأنا عن حضارة وادي النيل وحضارة وادي الرافدين، وكان هناك نهران كبيران يخترقان جزيرة العرب من أقصاها إلى أقصاها، تقوم عليهما الزراعة التي تعتمد على الري الدائم. لذلك فلا سامية ولا جاهلية ولكن هناك عروبة وحضارة عاشتا في جزيرة العرب منذ أن عرف الإنسان القومية والتمدن قبل عشرين ألف سنة” [3 ]
(والذي يؤكد كلام احمد سوسة اكتشاف نهر جوفي يمر قرب مدينة الرياض ويمتد مئات الكيلومترات على عمق يتجاوز الألف متر حفرت به آبار أورتوازية، قدر العلماء عمر هذا النهر بثمانين ألف سنة، تكوّن في نفس الفترة الزمنية التي تكونت فيها البحيرة الألبية الضخمة الجوفية في صحراء الجزائر، وبحيرة صحراء ليبيا التي يمتد منها النهر الأخضر في اليبيا)”
ويستمر أحمد سوسة فيقول : “وهناك دلائل تشير إلى أن الماشية بما فيها الجاموس والماعز والضأن، دجنت واستخدمت اقتصاديا في اليمن وبلاد العرب القديمة قبل أن تدجن في مصر والعراق، كما أن القمح والشعير كان ينبت فيها بشكل طبيعي دون أن يزرع.. لذلك فقد أجمع العلماء على أن شبه الجزيرة العربية هي مهد الحضارة العربية، لأن قرائن عديدة دينية ولغوية وتاريخية وجغرافية تشير بوضوح إلى أن جزيرة العرب هي مهد الحضارات السامية ووطن الساميين الأوائل. فالأكاديون والعموريون والكنعانيون والأراميون والأشوريون والعمونيون والأدوميون والنبطيون والصابئة والأحباش والعرب (والأمازبغ االبربر طبعا) ، يعدون من الأقوام السامية التي تشترك في أسرة اللهجات السامية. وقد اعتبر البعض المصريين من الأقوام السامية في الأصل وأن وطنهم الأصلي هو جزيرة العرب، هاجروا منها واختلطوا هناك بزنوج وادي النيل، فنتج منهم ومن السكان الأصليين المصريين كما نعرفهم في التاريخ”. [ 4 ]
وقبل عشرين ألف سنة دخلت الكرة الأرضية المرحلة الدافئة الثالثة ، فراح الجليد يذوب في أوروبا وشمال إفريقيا، ويزحف الجفاف على الجزيرة العربية فهاجر الإنسان منها إلى بلاد الرافدين فالنيل فشمال إفريقيا بل وإلى أوربا. يقول أحمد سوسة: “أنه عندما دخلت الكرة الأرضية المرحلة الدافئة الثالثة Wurm3 في 18000 سنة قبل الميلاد، زحف الجفاف على الجزيرة العربية، وذاب الجليد في أوروبا راح الإنسان يهاجر وينتشر عبر الرافدين والهلال الخصيب ومصر وشمال إفريقيا”.
بل إن بعض المؤرخين الغربيين يرون أن هذا الإنسان العربي استوطن جنوب أوروبا، فويليام لانغر William Langer المؤرخ الأمريكي في كتابه [موسوعة تاريخ العالم يقول: “وانتشر فرع من عناصر البحر المتوسط والصحراء، الطويلة الرؤوس وأقاربهم من العرب والبربر وغيرهم في جنوب أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأدنى”، ويقول عن هجرة الإنسان: “فقد كان الاتجاه العام للحركة الحضارية من الجنوب إلى الشمال ، ومن الشرق إلى الغرب، ولهذا كانت المناطق الجنوبية والشرقية في أي وقت مضى تتمتع بحضارات أكثر رقيا من حضارات المناطق الهامشية في الشمال الغربي” [ 5 ]
ويتفق مع سوسة وِل ديورانت WellDiorant في أن مصدر الحضارة جزيرة العرب ، فيقول في كتابه الموسوعي [قصة الحضارة] : “إن الحضارة ـ وهي هنا زراعة الحبوب واستخدام الحيوانات المستأنسة ـ قد ظهرت في العهود القديمة غير المدونة في بلاد العرب، ثم انتشرت منها في صورة [مثلث ثقافي] إلى ما بين النهرين ( سومر وبابل وأشور) وإلى مصر]”. [ 6 ]
هجرة العرب لشمال إفريقيا :
حدثت هجرات عربية عديدة لشمال إفريقيا لم يسجلها التاريخ، ويقر هذا حتى بعض المؤرخين الأوروبيين كويليام لانغر، وغابرييل كامبس الذي يعيدها إلى ما قبل الألف الثامنة قبل الميلاد ، وبوسكويه . G.H Bousquetالذي يقول : “وعلى كل حال يوجد ما يجعلنا نقتنع بأن عناصر مهمة من الحضارة البربرية ، وبخاصة اللغة أتت من آسيا الصغرى عن طريق منخفض مصر، في شكل قبائل تنقلت في هجرات متتابعة، على مدى قرون عدة، في زمن قديم لم يبتّ في تحديده” [ 7 ]
لقد حدثت هجرات قحطانية من جنوب الجزيرة العربية، قبل آلاف السنين، والذي سجله التاريخ هجرة الكنعانيين الفينيقيين في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد، حضروا فأقاموا مدنا ساحلية تجارية، وأخرجوا عن طريقها بني عمومتهم الأمازيغ من العصر الحجري وأدخلوهم التاريخ، وأسسوا إمبراطورية قرطاج الذي يعتبر تأسيسها تزاوجا بين الكنعانيين والأمازيغ. فهي إمبراطورية كنعانية أمازيغية. فملحمة حنّا بعل العابرة لجبال الألب ساهم فيها الأمازيغ ، فقد كان سلاح الفرسان بجيشه أمازيغي، يقوده الفارس الأمازيغي مهر بعل. وحضارة قرطاج هي مكتشفة الحروف الهجائية وناشرتها بالقرن الثامن قبل الميلاد في أوروبا، فالحروف باللغات الأوروبية تسمى حتى الآن [ألف باء] . قال ويل ديورانت عن الكنعانيين الفينيقيين العروبيين ورسالتهم الحضارية بالعالم: “أقاموا لهم حاميات في نقط منيعة علي ساحل البحر المتوسط، أقاموها في قادز، وقرطاجنة، ومرسيليا، ومالطة، وصقلية، وسردانيا، وقورسقة، بل وفي انكلترا البعيدة. واحتلوا قبرص، وميلوس، ورودس، ونقلوا الفنون والعلوم، من مصر، وكريت، والشرق الأدني، ونشروها في اليونان، وافريقيا، وايطاليا، واسبانيا؛ وربطوا الشرق بالغرب بشبكة من الروابط التجارية والثقافية، وشرعوا ينتشلون أوروبا من براثن الهمجية”. [ 8 ]
اللغة العنصر الحي الباقي بين أيدينا:
عنصر اللغة هو العنصر الحي الباقي بين أيدينا، وهو يؤكد ما نقوله، يقول أحمد سوسة: “إن اللغة العربية (لغة جزيرة العرب الأمّ) حافظت على نسبة كبيرة من خصائص اللغة السامية الأصلية أكثر من أية لهجة من اللهجات السامية الأخرى، لأن بلاد العرب لم تخضع يوما من الأيام للأجنبي وسلطانه”. [ص19 ]. ويوضح أحمد سوسة موقفه من مصطلح سامي وسامية، فيقول: “إن تسمية سامية أطلقت على شعوب تزعم أنها انحدرت من صلب سام بن نوح، وكان أول من أطلقها بهذا المعنى العالم النمساوي شلوتزر عام 1781 للميلاد فشاعت منذ ذلك الحين وأصبحت عند علماء الغرب علَما لهذه المجموعة من الشعوب، وسرت إلى المؤرخين العرب وباحثيهم بطريق الاقتباس والتقليد، على الرغم من أن هذه التسمية لا تستند إلى واقع تاريخي أو إلى أسس علمية عنصرية صحيحة أو وجهة نظر لغوية. لذلك يرى بعض الاختصاصيين وجوب تسمية هذه الأقوام بالأقوام العربية لتشمل كل من سكن الجزيرة العربية وهاجر منها لأن العرب والساميين شيء واحد” [ 9 ]
ويتفق مع أحمد سوسة العالم الفرنسي بيير روسيه Pierre Rossi في كتابه [وطن إيزيس تاريخ العرب الصحيح] فيقول: “إن التسمية السامية خالية من كل معنى، لدرجة أن [الموسوعة الإسلامية] نفسها ـ التي نسبت العرب للساميين ـ لم تفرد لكلمة سامية مادة في فهرس موادها.. إن كلمة سامية لا أثر لها في المعجم اليوناني ولا في المعجم اللاتيني.. لو أن اليونان لم يتكون في الثقافة العربية لما ظهر البتة أرسطو إلى الوجود، إن اليونان لم يكن سوى شرفة أو ملحق للبناء العربي بالشرق.. إن روما أسست في بوتقة الثقافة العربية.. لا بد أن نحدد العروبة كثقافة وحيدة للشرق..” [ 10 ]
العالم اللغوي الجزائري عبد الرحمن بن عطية في كتابه الأخير بالفرنسية، المعنون بـ “العرب والهندو أوروبيون : هل تكلم الهندو أوروبيون العربية في الأصل”، والصادر في الجزائر سنة 2008 ، يثبت فيه من خلال المؤرخين الأوروبيين والنقوش المكتشفة بأوروبا، بأن اوروبا قبل غزو القبائل الهندو أوروبية في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، كانت تتكلم اللغات العروبية، (أي السامية وفقا للمصطلح الغير العلمي). فقد انتشرت اللهجات العروبية ابتداء من الأكادية، فالبابلية ، فالكنعانية وغيرها. ويذكر: “أن لاروس الكبير الموسوعي يضع النقوش الفينيقية ابتداء من الألف الثالثة ق.م ويحدد أن نقوش النصوص الهوريغليفية البابلية تحمل تواريخ بين 2100 و 1600 ق. م ، المحفوظة على حجارة أو برونز بحروف توحي بالهوريغليفية المصرية وأخرى بالأبجدية الفينيقية”. ويذكر بن عطية أن وادي الهندوس يضم شعوبا تحمل اسم [عربيتا] ، كما تحمل شعوبا بالبنجاب بباكستان اسم [عربي] مثلما أورد المؤرخ L.de la Vallée-Poussin الذي يؤكد أن هذه الشعوب ليست هندو أوروبية. ويقول بن عطية بأن اللغة العروبية الأمازيغية كانت منتشرة بالقوقاز وإيبيريا ويسميها اللغة البربرية الإبيرية. ومن الغريب أنه عندما كنت طالبا بجامعة القاهرة سمعت أرمنية تقول لرفيقتها (أوقور) فسألتها ما معناها فقالت : تعالى ، ونفس الكلمة بنفس النطق تعني بالأمازيغية اذهب. اسكندر المقدوني يلقب في القرآن الكريم بذي القرنين، الحروف الثلاثة لاسم اسكندر (إسك) وتعني بالأمازيغية القرن. [ 11 ]
ولقد وجد نقش كنعاني فينيقي في البرازيل في [ بارايبا ] سنة 1874 م ، ويذكر المؤرخون بأنه كتب في القرن السادس قبل الميلاد. وقد تمكن العالم السوري المتخصص في الخطوط العروبية أي العربية القديمة الأستاذ الدكتور بهجت قبيسي من قراءة للنقش وتحويله إلى حرف الجزم العدناني. [ 12 ]
الكنعانية اللغة الفصحى بالمغرب :
أدت اللغة الكنعانية الفينيقية قبل الإسلام بالمغرب العربي دور اللغة الفصحى، محاطة باللهجات الأمازيغية العروبية القحطانية الشفوية، كانت اللغة المكتوبة : لغة الحضر ، والعبادات، ودواوين الدول الأمازيغية، فموسوعة يونيفرساليس الفرنسية تقول : “صارت اللغة البونيقية اللغة المشتركة لا يتحدث بها القرطاجيون فحسب ، لكن يتكلم بها سائر سكان المدن، بل كانت لغة الملوك الأفارقة أنفسهم ، مثلما تشهد على ذلك العملة المضروبة في عهد مِسَنْ سِنْهثمْ [ماسينيسا] وسيفاكــس″ [ 13 ]
دمر الرومان مدينة قرطاج سنة 146 ق . م واستمروا يحكمون المغرب العربي ثمانية قرون دون أن تتمكن لغتهم اللاتينية من التغلغل في الذات المغاربية، واستمرت اللغة الكنعانية هي السائدة بشمالي إفريقيا ، حتى الفتح الإسلامي، حيث حدث الربط بين الكنعانية والعدنانية التي أتى بها القرآن الكريم، وهذا هو الذي يفسر لماذا انتشرت اللغة العربية بسرعة بالمغرب العربي. ويحدد سيطرة اللغة الكنعانية على الحضر والساحة الثقافية قبل الفتح الإسلامي العالم الفرنسي هنري باسيهH.Basset بسبعة عشر قرنا يقول : “إن البونيقية لم تختف من المغرب إلا بعد دخول العرب، ومعنى هذا أن هذه اللغة بقيت قائمة هذه المدة بالمغرب ، سبعة عشر قرنا ، وهو أمر عظيم”. [ 14 ]
يمثل أبو ليوس المولود سنة 80 ميلادية في مدينة مداوروش بالشرق الجزائري، والمقيم بليبيا والمتزوج بسيدة ليبية، الكاتب العروبي الأصيل، كان يكتب بالكنعانية وباللاتينية ، وما وصلنا من كتاباته باللغة اللاتينية، أشهر كتاب له [الحمار الذهبي ] الذي ترجمه الدكتور علي فهمي خشيم تحت عنوان [الجحش الذهبي] ، والكاتب الجزائري أبو العيد دودو تحت عنوان [الحمار الذهبي] ، وهي أول رواية في تاريخ الرواية بالعالم، وتروي قصة إنسان مُسخ حمارا، واستمر يناضل إلى أن استعاد صفته البشرية. وقد حللت ذلك في كتابي [الجزائر في التاريخ] ، بما يلي: “المثقف المغاربي المترومن تحول بالرومنة إلى حمار ، ويقصد سائر مظاهر الثقافة الرومانية باحثا عن عودته لأصله البشري، فتفشل ، فيقصد في النهاية الربة الشرقية المصرية إيزيس فتتمكن من إعادته إلى بشريته”. ومعنى هذا أن المثقفين المغاربة المترومنين تحولوا بثقافتهم إلى أحمرة، وأن عودتهم لأصلهم البشري لا يتحقق إلا بعودتهم لمشرقيتهم. وقد أدرك الرومان ما يرمي إليه أبو ليوس فحاكموه ودافع عن نفسه في كتاب عنوانه [دفاع] اعتبره النقاد في مستوى واحد مع كتاب شيشرون اللاتيني. [ 15 ]
والمثل الثاني هو الأب دونا الذي عاش بالقرن الرابع الميلادي ، المولود بمدينة نقرين شرقي الجزائر الحالية، كان أكبر قسّ مسيحي ولمدة أربعة عقود، ثار على استغلال الرومان للمسيحية في تثبيتهم لاستعمارهم بشمالي إفريقيا، فقال قولته المشهورة “لا علاقة للمسيحية بالإمبراطوية، الله ارسل المسيح لإنصاف المظلومين من الظالمين”، فنفاه الرومان إلى إسبانيا حيث مات في سجونهم سنة 355 م . وكون أتباعه مذهبا مسيحيا سموه باسمه (الدوناتية) ناضل ضد الاستعمار الروماني، ونشر الثورة بين الفلاحين الأمازيغ الذين سرق منهم أرضهم الكولون الإقطاعيون الرومان وكونوا منها اللوتيفوندات وهو اسم المزرعة الرومانية. كان الدوناتيون يصلون بكنائسهم بالكنعانية الفينيقية، بينما يصلي الرومان في كنائسهم الكاثوليكية باللاتينية، وهذا يؤكد عروبة الأمازيغ وسكان المغرب العربي عبر التاريخ، الأب دونا كان يصلي بالكنعانية ويخطب في الجماهير بالأمازيغية . ومن الغريب أنه في نفس القرن ظهر قسّ أمازيغي اسمه أريوس في برقة بليبيا التي كانت تسمى قورينا CYRENAIE ، وكون مذهبا مسيحيا نسب له (الأريوسية) ، توفي سنة 336 م، أي قبل تسعة عشر عاما من وفاة دونا، ومن غير شك فإن تنسيقا ما كان قائما بين أريوس ودونا الأمازيغيين، هذا بالجزائر الحالية وذاك بليبيا الحالية ثم بالإسكندرية تحت الاستعمار الروماني. وتتفق الأريوسية، مع الدوناتية في الطبيعة الواحدة للمسيح، أي في نكران صفة الألوهية عن المسيح، ويرتبط المذهبان بمذهب الأنطاكية مذهب بولس الأنطاكي السميساطي الموحدة أيضا. وفي أثناء بعث الإسلام في القرن السابع الميلادي، كانت الأريوسية منتشرة بالشام وبشمال الجزيرة العربية، وفي مراسلة محمد صلى الله عليه وسلم لهرقل، إمبراطور الرومان، ذكر سيد المرسلين الأريوسية. من أراد الاستزادة عن الأب دونا فليطلع على بحث مطول عنه نشره المؤلف في حولية مجمع اللغة العربية الليبي العدد السادس [ 16 ]
ومالنا نذهب بعيدا فسبطيم سفير الإمبراطور الروماني العروبي الذي حكم العالم من مدينة لبدة بليبيا في القرن الثاني الميلادي، كان يتكلم في بيته الكنعانية، وغيره من الأباطرة الرومان العرب التسعة، الذين كانوا كنعانيين يتكلمون الكنعانية.
علاقة اللغات العروبية وبالعربية الأم:
لم يبق بين أيدينا الآن قائما وواضحا إلا اللغات العروبية (أي السامية) فمنها نعرف جذورنا كعرب وعددها كبير وهي في أربع مجموعات: المجموعة الشرقية ومنها الأكدية والبابلية والأشورية؛ والمجموعة الشمالية ومنها العمورية والآرامية؛ والمجموعة الجنوبية ومنها المعينية والحميرية والسبئية والأثيوبية والعربية والأمهرية ؛ والمجموعة الغربية ومنها الكنعانية والفينيقية والموابية والعبرانية والأمازيغية البربرية.
وقبل التطرق في هذا المجال أود أن أوضح أن الوطن العربي من عُمان إلى موريتانيا هو عبارة عن حوض حضاري وليس حوضا عرقيا، وفق ما عبر عنه سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( ليست العربية فيكم بأب ولا بأمّ وإنما هي في اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي). وقد سبق بأربعة عشر قرنا ماركس وغيره من محاربي النزعات العرقية.
وأبدأ بالمصرية القديمة: فقد أجمع العلماء مؤخرا أنها لغة عروبية، بدأ في البحث في عروبيتها حتى المتشرقون، فعالم المصريات الألماني هينريش بروجش أورد في مقدمة كتابه ( المعجم الهيروغليفي ـ الديموطي) الصادر بالألمانية في سبعة مجلدات في القرن التاسع عشر ما يلي: “أتنبأ مقدما أن الدهشة ستعم ذات يوم مجال البحث اللغوي لدى تبيّن مدى عمق الوشائج العائلية الوثيقة التي تربط اللغة المصرية بأخواتها الساميات”. وقد حقق ذلك تلميذه المصري العالم أحمد باشا كمال الذي يكتب فيقول: “إن المصريين القدماء أرادوا تخليد ذكرى أصلهم فأثبتوه بالحفر على آثارهم المنقوشة على جدران معبد الدير البحري في طيبة الغربية بمدينة الأقصر قائلين أن أجدادهم يدعون الإعناء ( جمع عنو) ، أي أنهم أقوام من قبائل شتى اجتمعوا في وادي النيل ، وأسسوا فيه مدنا كثيرة منها مدينة عين شمس… إن اللغة المصرية أي لغة قبائل الإعناء التي سكنت مصر وما جاورها من الأقاليم هي أصل اللغة العربية بلا مراء بنص النقوش المذكورة… إعلموا أيها السادة أن كثرة مطالعتي في اللغة المصرية القديمة منذ كنت في الثامنة عشرة من عمري، إلى أن بلغت الستين مهدت لي سبل الوصول إلى اكتشاف غريب مفيد ألا وهو أن اللغة العربية واللغة المصرية القديمة من أصل واحد وهي لغة الإعناء ، وفي أثناء دراستي كنت أرى للألفاظ العربية مثيلا في اللغة المصرية القديمة وكنت أدونها شيئا فشيئا حتى كثرت” . وقرر أحمد باشا كمال تحرير قاموس يثبت عروبة اللغة المصرية القديمة واستمر في تحريره أكثر من عشرين سنة اكتمل سنة 1923 في 22 جزءا عنوانه: ( الفرائد البهية في قواعد اللغة الهيروغليفية )، فحجم الشين مثلا وحده أخذ 368 صفحة. وظل هذا العمل الكبير مخطوطا لم يطبع طيلة ثمانين سنة. وطبع جزؤه الأول فقط بالقاهرة سنة 2002 ضم حرف الألف المصرية [طائر العقاب الهيروغليفية] ويقع في 238 صفحة. ونتمنى أن يطبع المعجم كاملا. وقد عبرت سورية عن طبعه كاملا على حسابها.. وقد كتب دراسة قيّمة حول المعجم المذكور الأستاذ لؤي محمود سعيد شارك بها في ندوة (الوحدة والتنوع في اللهجات العروبية القديمة) التي أقامها مجمع اللغة العربية في طرابلس ليبيا سنة 2004 وقد استمددت هذه المعلومات منه. وهذه الحقائق هي رد على بيزنطية الكتاب العرقيين الفرعونيين بمصر.
وقد أصدر العالم الليبي الدكتور علي فهمي خشيم (معجم البرهان على عروبة اللغة المصرية القديمة) من 912 صفحة نشره مجمع اللغة العربية ليبيا سنة 2007 .
عروبة اللغة الأمازيغية البربرية:
أنا أمازيغي أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية هي قبيلة اللمامشة، أملك اللغتين العربية والأمازيغية ـ البربرية. مثلما وجد بمصر لويس عوض وسلامة موسى وغيرهما يقولون بلا عروبة مصر، وجد بالجزائر مولود معمري وسليم شاكر وغيرهما يقولون بالمغرب البربري بدل المغرب العربي، تحت توجيه الأكاديمية البربرية في فرنسا، التي أسسها الفرنسيون مباشرة بعد استقلال الجزائر لمنع تأسيس دول عربية بالمغرب العربي. أصدرتُ عدة كتب آخرها ( معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية ـ البربرية ) الصادر سنة 2007، الذي كلفني سنوات من البحث قمت خلالها بتفريغ كلمات أكبر خمس لهجات أمازيغية، اثنتان من الجزائر وثلاث من المغرب الأقصى، وأعدت كلماتها إلى اللغة العربية المستعربة العدنانية والعاربة القحطانية الحميرية من خلال المعاجم العربية القديمة والحديثة، ضم هذا المعجم تسعة آلاف كلمة، جذورها عربية تثبت أن تسعين في المائة من الكلمات الأمازيغية عربية عاربة أو مستعربة. فمثلا العمود الفقري للغة الحميرية القديمة باليمن وزن [ أفعول ] وهو العمود الفقري للغة الأمازيغية، وهذا الوزن غير موجود في العدنانية، فمثلا مدينة [ أسيوط ] بمصر على وزن أفعول سميت لأن الأمازيغ عندما هاجروا من اليمن سلكوا الطريق المار بها فسميت بهذا الاسم، وتوجهوا للغرب وبقي أثرهم في واحة سيوة غربي مصر التي يتكلم سكانها الأمازيغية، هذه الواحة التي زارها إسكندر المقدوني واستمد منها عقيدة التوحيد. ومن الغريب أن الإسكندر لقب في القرآن الكريم بذي القرنين وأن القرن في اللغة الأمازيغية اسمه [ إسِكْ ]، ويرى الكثير من العلماء أن البربرية واللغات العروبية كانت سائدة بأوروبا قبل هجرة القبائل الهندو أوروبية لها. ويشهد العلماء الغربيون النزيهون بعروبة الأمازيغية فوليام لانغر الأمريكي يقول: “وتتصل اللغة المصرية القديمة واللغات السامية ولغات البربر بأصل واحد” [ 17 ]
ويقول المؤرخ الفرنسي جابرييل كامبس Gabriel Camps في كتابه [البربر ذاكرة وهوية] الصادر بباريس سنة 1995 صفحة 11 : “إن علماء الأجناس يؤكدون أن الجماعات البيضاء بشمال إفرقيا سواء كانت ناطقة بالبربرية أو بالعربية، تنحدر في معظمها من جماعات بحر متوسطية جاءت من الشرق في الألف الثامنة بل قبلها، وراحت تنتشر بهدوء بالمغرب العربي والصحراء” [ 18 .]
والمستشرق الألماني أوتو روسلر Otto Rossler يسمي الأمازيغية النوميدية فيقول في كتابه ( النوميديون أصلهم كتابتهم ولغتهم) : “إن اللغةالنوميدية لغة سامية انفصلت عن اللغات السامية في المشرق في مرحلة مغرقة في القدم “.
وتعتبر اللغة الأمازيغية البربرية اللغة العروبية أي السامية الباقية حية متداولة ، ويقرأ بها الباحث اللهجة التي اشتقت من اللغة العربية الأم. فمثلا صانع الأحذية بالأمازيغية اسمه [ أخرّاز ]، وفي العربية : خرز إذا خاط الجلد، والكلمة الأمازيغية أفصح من الإسكافي. والجمل يسمى بالأمازيغية [ آلغم ] وفي العربية : اللُّغام الزبد الذي يخرج من أفواه الإبل. الأرض تسمى بالأمازيغية [ إمّورَثْ] وفي العربية : أرض ممرّثة إذا أصابها غيث قليل. والمرأة تسمى بالأمازيغية [ تامطّوث ] وفي العربية الطمث العادة الشهرية للمرأة، والطامث الحائض، ويبدو أن الاسم الأول للمرأة في العربية الأم كان طامطوث أي الكائن البشري الذي يحيض، ثم تطورت فصارت المرأة. على هذا المنوال يتكون قاموس الأمازيغية.
وقد اعتز الشعراء الأمازيغ بأصلهم القحطاني اليماني الحميري، فقال الشاعر الحسن بن رشيق المسيلي، المتوفى سنة 463 هـ ، مادحا الأمير الأمازيغي ابن باديس الصنهاجي :
يا ابنَ الأعزة من أكابر حِميـــر وسلالةَ الأملاك من قحطان
ويعتز الشاعر ابن خميس التلمساني المتوفى سنة 708 هـ بأصله الحميري ، فيقول:
إذا انتسبتُ فإنــني من دَوحـة يتفيّـأ الإنسان برْد ظلالهـا
من حِميرٍ من ذي رُعَينٍ من ذوي حَجْرٍ من العظماء من أقيالها
وفي بيتين يفتخر شاعر أمازيغي طرقي بانتساب قبائل الطوارق الأمازيغ إلى حمير فيقول:
قوم لهم شرف العلى من حميــر وإذا دُعوا لمتونة فهمُ همو
لِما حوَوا علياء كل فضيلــــة غلب الحياء عليهم فتلثموا [ 19 ]
وحتى السومرية التي يزعم المستشرقون أنها جاءت من أوربا فقد حدد هويتها وعلاقتها باللغة العروبية العالم العراقي أحمد سوسة، فقال : “وقد اعتاد الباحثون وأكثرهم من الأجانب مثل بريستد وغيره أن يعتبروا الحضارة السومرية التي نشأت في جنوبي العراق أقدم حضارة وجدت في العراق.. والحقيقة أن الحضارة السومرية الرئيسة ظهرت متأخرة ، ولم تزدهر وتبلغ أوج تقدمها إلا بعد أن اتصل السومريون ( سكان الأهوار) بالساميين ( سكان الريف )، وأخذوا يمارسون مع الساميين الزراعة التي تعتمد على مشاريع الريّ فاقتبسوا منهم الخبرة الفنية التي تتطلبها هذه المشاريع، وانتقلوا من ممارسة الزراعة البطائحية المقتصرة على تجفيف الأهوار، إلى طريقة الزراعة على جداول الريّ السّيْحية التي كان يمارسها الساميون في السهول، أي أن الحضارة السومرية الرئيسة لم تكتمل في تطورها إلا بعد أن واكب السومريون حياة الساميين ( 2351 ـ 2159 ق م ) فكونوا نتيجة اتصالهم بالساميين المملكة السومرية الثانية ( 2116 ـ 2003 ق.م ) التي ظهرت فيها سلالة أور الثالثة (2111 ـ 2003 ق. م ) .. وهذه الحضارة لم تدم أكثر من 113 سنة عاش السومريون فيها مع الساميين ، ثم كانت نهاية السومريين وانقراضهم سنة 2003 ق. م بعد تغلب الساميين عليهم”. بهذا بحدد تحديدا علميا هذا العالم الكبير مفهوم السومرية… [ 20 ] أحمد سوسة مرجع سابق ص 163
وقد تناول العالم الليبي الأستاذ عبد المنعم المحجوب المسألة السومرية في كتابه القيّم [ما قبل اللغة]. وفي اجتهاد يشكر عليه، وأثار نقاشا طويلا بالوطن العربي، فهمه البعض فهما خاطئا، وفهمته أنا بأنه عروبي في تفكيره.
بيير روسي الفرنسي والعروبة:
أروع ما كتب في أوروبا كتاب العالم الفرنسي بيير روسي Pierre Rossi( وطن إيزيس : تاريخ العرب الصحيح:) La Cité D’Isis : histoire Vraie des Arabes ) الذي طبع سنة 1976 بباريس : فقد تعقب الحضارة الإنسانية من خلال اللاهوت والمعتقدات الوثنية والمنزلة منذ آلاف السنين ، وأثبت حقيقة أن جذور الحضارة الإنسانية وبخاصة في مهدها بالبحر المتوسط كانت عربية: فهو يقول : “أن الثقافة اليونانية والثقافة الرومانية اللاتينية ما هما إلا شرفة صغيرة في صرح الثقافة العربية الكبير، وأن النزعة التعصبية الأوروبية أخفت هذه الحقيقة لتبرز زورا أن جذور الحضارة الأوروبية يونانية”. ومن الغريب أنه يتفق مع العالم الكبير العراقي العربي أحمد سوسة في كتابه (حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور ) الذي طبع ببغداد سنة 1979 والذي تتبع فيه جذور الحضارة الإنسانية العربية عبر الآثار الأركيولوجية في بلاد الرافدين . وعندما كنت سفيرا بالعراق سألت سوسة سنة 1974 ، إن كان قد اطلع على كتاب روسي، فعلمت أنه لا يعرف عنه شيئا بسبب اللغة فلغته الأجنبية الإنجليزية. وأنصح الشباب العربي أن يقرأ هذين الكتابين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق