كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله) على دين الحنيفية دين جده إبراهيم الخليل (عليه السلام) وكان آباؤه وأمهاته صلوات الله عليه أيضاً على دين الحنيفية.
وقد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن الحنيفية , فقال: (هي الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله , وقال : فطرهم على المعرفة به).وعن الصادق (عليه السلام ) انه قال: (كانت شريعة إبراهيم (عليه السلام) التوحيد والأخلاص وخلع الانداد وهي الفطرة التي فطر الناس عليها وهي الحنيفية وأخذ عليه الميثاق ان لا يعبد الا الله ولا يشرك به شيئا وأمره بالصلاة والامر والنهي ولم يحكم عليه أحكام فرض المواريث وزاده في الحنيفية الختان وقص الشارب ونتف الابط وتقليم الاظافر وحلق العانة وأمره ببناء البيت والحج والمناسك فهذه كلها شريعته), وفي رواية أخرى عدد عشرة أشياء من الحنيفية بأضافه اعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال وغسل الجنابة والطهور بالماء.
وقد كان العرب قبل الاسلام يعملون ببعض الاعمال التي هي من الحنيفية, فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ( ان العرب لم يزالوا على شيء من الحنيفية يصلون الرحم ويقرون الضيف ويحجون البيت ويقولون اتقوا مال اليتيم فان مال اليتيم عقال ويكفون عن شيء من المحارم مخافة العقوبة.......). هذا هو الرأي الأول: وهو ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يتعبد على دين إبراهيم (عليه السلام).
وهناك من يرى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يتعبد على دين الاسلام الذي جاء به فيما بعد، إلا انه لم يؤمر بتبليغ تلك الاحكام الى الناس حتى بلغ الأربعين، وهذا هو الرأي الثاني.
وهناك من يرى وهو الرأي الثالث ان نبينا لم يكن متعبداً بشريعة من تقدم من الانبياء , ولكن وافقت شريعته شريعة إبراهيم(ع) , فلذلك قال تعالى: (( فاتبعوا ملة ابراهيم )) (آل عمران:95), والا فالله تعالى هو الذي أوحى بها اليه وأوجبها عليه وكانت شريعة له. وقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام): ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال بعد ذكر إبراهيم (عليه السلام): (دينه ديني وديني دينه وسنته سنتي وسنتي سنته وفضلي فضله وانا افضل منه). وقد روي عن الصادق (عليه السلام) انه قال: (الحنيفية هي الاسلام).
ويذكر جعفر العاملي في (الصحيح من السيرة) : (أن ايمان النبي (صلى الله عليه وآله) وتوحيده قبل بعثته يعتبر من المسلمات , ولكن الاختلاف وقع في انه (صلى الله عليه وآله) هل كان متعبداً بشرع أحد من الانبياء قبله أو لا؟
وهل هو متعبد بشرع نوح أو إبراهيم أو عيسى أو بما ثبت أنه شرع أو لم يكن متعبداً بشرع أحد؟ ذهب الى كل فريق) (انظر, الصحيح من السيرة ج2 ص195).
ثم يذكر في موضع اخر: (نعم ثمة روايات كثيرة تلمح وتصرح بنبوته قبل بعثته أشار اليها المجلسي, وأشار العلامة الاميني أيضاً الى حديث: انه (صلى الله عليه وآله) كان نبياً وآدم بين الروح والجسد. ورواه عن العديد من المصادر من غير الشيعة, ولكن لا يمكن الحكم بمضمون هذه الروايات الا بعد التأكد من أسانيدها ودلائلها وثبوت ذلك بشكل قطعي حيث انه يراد اثبات , أمر اعتقادي بها والمطلوب في الاعتقادات هو القطع ولا يكفي ما دونه.
وبعد كل ما تقدم فان ما نستطيع نحن الجزم به هو أنه (صلى الله عليه وآله) كان مؤمناً موحداً , يعبد الله, ويلتزم بما ثبت له انه شرع الله تعالى مما هو من دين الحنيفية شريعة إبراهيم (عليه السلام) وبما يؤدي اليه عقله الفطري السليم وانه كان مؤيداً ومسدداً وانه كان افضل الخلق واكملهم خلقاً وخلقا وعقلا وكان الملك يعلمه ويدله على محاسن الاخلاق.
كما اننا نجدهم ينقلون عنه (صلى الله عليه واله) انه كان يلتزم بأمور لا تعرف الا من قبل الشرع وكان لا يأكل الميتة ويلتزم بالتسمية والتحميد الى غير ذلك مما يجده المتتبع لسيرته صلوات الله عليه) (الصحيح من السيرة ج2 ص198).
ثم يقول: (وقد حرصت الآيات القرآنية العديدة على ربط هذه الامة بابراهيم (عليه السلام) فلاحظ قوله تعالى: (( وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم, هو سماكم المسلمين من قبل ))(الحج:78).
وقال تعالى: (( ومن احسن ديناً ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفاً )) (النساء:125).
وقال سبحانه: (( قل صدق الله فاتبعوا ملة ابراهيم حنيفاً )) (آل عمران:95).
وقال جل وعلا: (( ان اولى الناس بأبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي , والذين امنوا )) (آل عمران:68).
وقال تعالى: (( وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين ))(البقرة:135).
ثم نجد القرآن يصرح أيضاً ان النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) شخصياً كان مأموراً أيضاً باتباع ملة إبراهيم (عليه السلام) فقد قال سبحانه: (( ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفاً ما كان من المشركين )) (النحل:121)، وقال في موضع آخر: (( قل انني هداني... حنيفاً وما كان من المشركين )) (الانعام:161).
وهذا وان كان ظاهره انه (صلى الله عليه وآله) قد امر بذلك بعد البعثة وبعد نزول الوحي عليه, لكنه يثبت أيضاً انه لا مانع من تعبده (صلى الله عليه وآله) قبل بعثته بما ثبت له انه من دين الحنيفية ومن شرع إبراهيم (عليه السلام) , وليس في ذلك أية غضاضة ولا يلزم من ذلك ان يكون نبي الله إبراهيم (ع) أفضل من نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فان التفاضل انما هو في ما هو أبعد من ذلك.
هذا كله لو لم نقتنع بالادلة الدالة على نبوته (صلى الله عليه وآله) من صغره (صلى الله عليه وآله وسلم) (الصحيح من السيرة ج2/ ص199).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق