الثلاثاء، ديسمبر 15، 2020

براءة القتلى الخمسة من تهمة قتل ريجينيCCCCCCCCCCالقتل العمد والتعذيب والخطف

 

 قاتل ريجيني مجهول.. فماذا عن الخمسة الذين قتلوا بهذه التهمة؟

السيارة التي قالت الشرطة المصرية إنها تخص العصابة الإجرامية التي قتلت ريجيني (من بيان وزارة الداخلية المصرية)
السيارة التي قالت الشرطة المصرية إنها تخص العصابة الإجرامية التي قتلت ريجيني (من بيان وزارة الداخلية المصرية)

سوف يمضي الأمر في مساره المعهود، سيموت بعض الأبرياء من أجل إبعاد التهمة عن القاتل الحقيقي. يبدو أن ذلك كان منطق الجهات الأمنية في مصر عند تعاملها مع قضية مقتل الإيطالي جوليو ريجيني؛ فبعد نحو 50 يوما من اختفائه ثم العثور على جثته أعلنت وزارة الداخلية التوصل لتشكيل عصابي تورط في قتل ريجيني.

وكي لا تكون هناك خيوط يمكن من خلالها نسج الرواية الحقيقية لما جرى، قالت وزارة الداخلية -في بيان لها- إن التشكيل العصابي يتكون من 5 أفراد، قتلوا جميعا في تبادل لإطلاق النار بينهم وبين قوة شرطية.

وهكذا انتشرت الصور لما نتج عن واقعة تبادل إطلاق النار؛ 4 جثث غارقة في الدماء مكومة داخل حافلة مثقوبة بمئات الرصاصات وجثة وحيدة تحيطها دائرة حمراء ملقاة على الطريق إلى جوار الحافلة.

ومع التطورات الأخيرة في قضية ريجيني، حيث أغلقت السلطات المصرية "مؤقتا" ملف التحقيق، في ظل بقاء مرتكب واقعة القتل "مجهولا" كما وصفته؛ تعتزم النيابة الإيطالية إجراء محاكمة غيابية لـ5 أفراد يعملون بأحد الأجهزة الأمنية بالقاهرة. ويبدو السؤال مشروعا حول مصير المصريين الخمسة الذين اتضح بعد سنوات أنهم كانوا كبش فداء ذبحته القاهرة من أجل إرضاء روما، وإبعاد التهمة عن آخرين.

متعلقات ريجيني التي قالت الشرطة المصرية إنها عثرت عليها مع من قتلوه (وزارة الداخلية المصرية)

كبش فداء

أتى ريجيني إلى القاهرة من أجل إتمام دراسته الأكاديمية بجامعة كامبردج حول النقابات العمالية المستقلة بمصر، لكنه وبعد أسابيع قليلة من تواجده بالعاصمة المصرية اختفى، في 25 يناير/كانون الثاني 2016، وسط انتشار أمني كثيف بالشوارع، بالتزامن مع ذكرى ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ثم عُثر على جثته بعد 9 أيام ملقاة في منطقة صحراوية بمحافظة الجيزة، وعليها آثار تعذيب.

وإثر الحادثة، وقع خلاف دبلوماسي بين القاهرة وروما؛ إذ أشارت أصابع الاتهام الإيطالية بعد أيام قليلة من اكتشاف جثة ريجيني إلى تورط السلطات بمصر في الجريمة، حيث ظهرت عدة تسجيلات تثبت مراقبة أجهزة أمنية مصرية للطالب الإيطالي قبل اختفائه.

ومع محاولات القاهرة نفي تورط مسؤولين أمنيين في الجريمة، ظهرت عدة روايات تُبعد التهمة عن الجهات الرسمية، ومنها أن ريجيني قُتل في حادث سيارة، ورواية ثانية تقول إن الدافع وراء الجريمة جنسي، وأشارت رواية ثالثة إلى أن الضحية شوهد وهو يتجادل مع أجنبي بالقرب من القنصلية الإيطالية في المساء الذي سبق يوم وفاته.

لم تنطل تلك الروايات على سلطات التحقيق الإيطالية؛ مما دفع الأجهزة الأمنية في مصر لتدفع برواية أخيرة تتعلق بتشكيل إجرامي قالت إنه استهدف ريجيني من أجل سرقته، وكان ذلك في 24 مارس/آذار 2016.

وأرفقت وزارة الداخلية في بيانها حول التشكيل العصابي صورا لمتعلقات الطالب الإيطالي التي كانت بحوزته قبل اختفائه للأبد، مثل هاتفه الجوال ونظارته الشمسية وجواز سفره وبطاقة الهوية الجامعية.

اعلان

كما ذكر البيان هوية 4 من أعضاء العصابة المزعومة، وجميعهم سبق اتهامهم في قضايا سرقة ونصب -حسب الرواية الرسمية- وتتراوح أعمارهم بين 26 و60 عاما، أما الخامس لم يتم الاستدلال على هويته.

وصرح مسؤول مركز الإعلام الأمني بأن الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة تمكنت من استهداف تشكيل عصابي بنطاق القاهرة الجديدة تخصص في انتحال صفة ضباط شرطة واختطاف الأجانب وسرقتهم بالإكراه، وتمت تصفيتهم في تبادل لإطلاق النار.

ولم تقتنع روما بدماء المصريين الخمسة، واعتبرت ما أعلنته القاهرة بشأن التشكيل العصابي رواية غير قابلة للتصديق، ومجرد تغطية على المجرم الحقيقي، بل إن بعض المحللين السياسيين اعتبروا أن الحادثة تدين السلطات المصرية أكثر مما تبرئها، على اعتبار أنه لا أحد سيصل للمتعلقات الشخصية لريجيني سوى جهة أمنية.

وأمام الرفض الإيطالي، تراجعت القاهرة عن تلفيق التهمة للمواطنين الخمسة بعد قتلهم، واكتفت النيابة العامة المصرية بحصر الجرم الذي ارتكبوه في سرقة متعلقات ريجيني.

وقالت صحيفة الغارديان في تقرير لها نشر، في سبتمبر/أيلول 2016، إن المجموعة التي قتلها الأمن المصري والمكونة من 5 أشخاص، هم سائق و3 أشقاء وصديق لهم، كانوا يحملون سجلا إجراميا لكنهم لم يكونوا مجرمين عتاة، فأحدهم مثلا سُجن لأنه مدمن مخدرات.

وأوضحت أن المواطنين المصريين يوم مقتلهم كانوا في طريقهم إلى أحد المنازل في القاهرة من أجل طلائه، لكنهم قبل وصولهم إلى هناك قتلتهم الشرطة.

كم ريجيني في مصر؟ سؤال ردده حقوقيون (الجزيرة)

أهالي الضحايا

مع الريبة التي تحيط حادث مقتل المصريين الخمسة، كان من الطبيعي أن تتجه الأنظار إلى ذويهم لاستبيان مدى صحة ادعاءات الأجهزة الأمنية بحق المقتولين، لكن يبدو أن طريق الوصول إليهم سُدّ بواسطة الجهة المستفيدة من التعتيم، وطوي ما جرى لهم ضمن ما جرى لريجيني.

ولا يوجد أثر لصوت أهالي الخمسة سوى ما نقله بيان وزارة الداخلية عن رشا شقيقة المتهم الأول طارق سعد عبد الفتاح، حيث قالت إن أخيها كان يتردد عليها بصفة مستمرة على مدار الأيام الماضية، وأنها كانت تعرف امتهانه السرقة والسطو المسلح على الضحايا وسرقة متعلقاتهم الشخصية.

وأضافت أنه قبل قتله على يد الشرطة بـ48 ساعة، حضر إليها وترك لها على سبيل الأمانة حقيبة حمراء اللون عليها علم دولة إيطاليا، وبداخلها "محفظة جلد بنية اللون بها جواز سفر باسم شخص أجنبي، وبطاقات كتب عليها باللغة الأجنبية، و"فيزا كارت"، وجهازا تليفون، وحافظة جلدية حريمي، ومبلغ 5 آلاف جنيه، وقطعة داكنة تشبه مخدر الحشيش، وساعة يد حريمي سوداء اللون و3 نظارات شمسية".

غير أن صحيفة البديل نشرت خبرا، في سبتمبر/أيلول 2016، أي بعد نحو 5 أشهر من الحادثة يفيد بعزم أهالي الضحايا على مقاضاة جهاز الشرطة، بعد أن أعلنت النيابة العامة المصرية براءة القتلى الخمسة من تهمة قتل ريجيني.

ونقلت البديل عن أسر القتلى الخمسة قولهم "لا نستطيع نسيان مشاهد أبنائنا المشرحة بعد قتلهم من قبل قوات الشرطة بطريقة بشعة"، مؤكدين أن الشرطة "لم تبقِ شاهدًا واحدًا لسرد الحقيقة".

الملفت أن الصحيفة نقلت تصريحا عن رشا شقيقة طارق يخالف رأيها الذي نقله بيان وزارة الداخلية، حيث أكدت أن الضحايا قتلوا من دون وجه حق، وعلى خلفية تهمة لم يرتكبوها.

ولكن يبدو أن الجهة المستفيدة من التعتيم أوقفت أهالي الضحايا عن اللجوء إلى المسار القانوني، ولم يقدموا على رفع دعوى قضائية بخصوص مظلوميتهم، ورأى بعض المراقبين أن تصرف الأهالي يعني تعرضهم للتهديد.

كم ريجيني في مصر؟

وبعد عزم إيطاليا على إجراء محاكمة غيابية لأفراد من الأمن المصري بتهمة قتل ريجيني، قالت صحيفة الجارديان إن القضية أصبحت بالنسبة لكثير من الإيطاليين والمراقبين الدوليين تمثل البحث عن العدالة ليس من أجل ريجيني، ولكن لآلاف المصريين الذين اختفوا وعذبوا على يد قوات الأمن المصرية.

وفي تقرير لها حمل عنوان "كم ريجيني في مصر منذ 2013؟" أكدت منظمة "كوميتي فور جستس" وصول حالات الوفاة داخل أماكن الاحتجاز إلى 1058 حالة خلال الفترة من يونيو/حزيران 2013 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وذكر المدير التنفيذي لـ"كوميتي فور جستس" أحمد مفرح أن ريجيني لم يكن الضحية الوحيدة للسلطات المصرية، فمن بعده جاء المواطن الفرنسي إريك لانج، والأميركي جيمس هنري لون، وغيرهما من الذين قتلوا بدم بارد، ومن دون محاسبة لقاتليهم ومعذبيهم حتى الآن، وسط صمت دولي مريب.قال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إن إجراء محاكمة في قضية اختفاء ومقتل الطالب والباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة يمثل "وسيلة للوصول إلى الحقيقة التي من المتوقع أن تكون صادمة".

واختفى ريجيني (28 عاما) -وهو طالب دكتوراه في جامعة كامبردج- في القاهرة في يناير/كانون الثاني 2016، وعُثر على جثته بعد نحو أسبوع، وأظهر فحص الطب الشرعي أنه تعرض للتعذيب قبل موته.

وقال كونتي لصحيفة "لا ستامبا" (LA STAMPA) "هذه القصة تثير الحزن في نفوسنا، لكن سلطاتنا القضائية ستبدأ الآن محاكمة… محاكمة حقيقية وجادة ويُعتد بها. هذه المحاكمة هي الوسيلة للوصول إلى الحقيقة التي من المتوقع -مع الأسف- أن تكون صادمة".

وردا على سؤال عما إذا كانت إيطاليا ستبحث سحب سفيرها من القاهرة مثلما طالب والدا ريجيني مرارا؛ قال كونتي إن المحاكمة أهم من اتخاذ هذه الخطوة.

وأعلن النائب العام الإيطالي مايكل بريتيبينو الجمعة الماضي انتهاء التحقيقات في قضية مقتل ريجيني بتوجيه تهم القتل العمد والتعذيب والخطف إلى 4 ضباط مصريين، في حين أُسقطت الدعوى عن المتهم الخامس لعدم كفاية الأدلة.

وسبق أن قال كونتي إن ما صدر عن النائب العام في روما بشأن نتائج التحقيقات أمر مهم للغاية، "مع وجود أدلة قوية لا تدع مجالا للشك". وأضاف أن المحاكمة ستكون ذات أهمية دولية، وأن هناك احتمالا لمشاركة مراقبين دوليين، رغم محاولات عديدة جرت من أطراف -لم يسمها- لمنع حدوث ذلك.

إرجاع أوسمة

من جهة أخرى سلّم المؤلف والصحفي الإيطالي كورّادو آوجاس (Corrado Augias) وسام "جوقة الشرف" إلى السفارة الفرنسية في روما؛ احتجاجا على منح وسام مماثل للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام.

وقال آوغياس -الذي حصل على الوسام عام 2007- إن مقتل ريجيني يمثل بالنسبة للإيطاليين جرحا عميقا، مؤكدا أنه كان ينتظر من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حركة أخوّة وتفهّما تجاه الإيطاليين.

اعلان

وأضاف آوغياس أن السيسي شريك بشكل موضوعي في الجرائم التي ارتكبها موظفو نظامه في كل ما وقع لريجيني من تعذيب وقتل، على حد تعبيره.

وأوضح آوغياس للجزيرة أنه أحس بخيبة أمل من قرار الرئيس الفرنسي منح السيسي نسخة من الوسام نفسه.

وقال "طبعا من حقه (ماكرون) أن يستقبل الرئيس السيسي بكل التشريفات التي يستحقها رئيس دولة، لكن منحه جوقة الشرف كان أمرا مبالغا فيه. وأنا قلت إن الرئيس السيسي، وهنا يجب أن أكون دقيقا، هو مشارك موضوعيا مع عصابة من المجرمين ومن الوكلاء الذين تصرفوا على نحو إجرامي؛ لذلك فهو مشارك في الجريمة بصفته رئيس دولة".

شخصيات أخرى

وكانت للقرار الذي اتخذه الصحفي كورّادو آوغياس ردودُ فعل لدى شخصيات إيطالية أخرى سبق أن حصلت على الوسام الفرنسي.

فقد أعلن عضو مجلس البرلمان الإيطالي السابق والأمين العام السابق لنقابات العمال الإيطالية سيرجيو كوفيراتي رغبته في إعادة الوسام الذي قلدته إياه فرنسا، لعمله الدؤوب في الدفاع عن حقوق الطفل وضد استغلال القاصرين.

كما أعربت وزيرة الثقافة السابقة وعضو البرلمان الإيطالي جوفانا ميلاندري عن رغبتها في إعادة وسام "جوقة الشرف"، الذي منح لها في 2003.

ومن المتوقع أن تبادر شخصيات إيطالية أخرى لإعلان رغبتها في التخلي عن وسام الشرف الفرنسي.

وانتقدت وسائل إعلام فرنسية ما اعتبرته تعتيما من قصر الإليزيه (الرئاسة الفرنسي) على مراسم تقليد السيسي أرفع درجة في وسام الجمهورية الفرنسية، خلال زيارته إلى باريس، التي أثارت انتقادات داخل فرنسا بسبب سجل مصر في مجال حقوق الإنسان.

وقالت وسائل إعلام -في مقدمتها برنامج "لوكوتيديان" (Le Quotidien) التلفزيوني- إنها اضطرت للحصول على بعض الصور من موقع الرئاسة المصرية، في ظل عدم دعوة الإليزيه أي صحفي فرنسي، وعدم السماح بدخول أي كاميرا لوسيلة إعلام فرنسية، واعتبرت وسائل الإعلام أن الإليزيه سعى لإخفاء التكريم عن أعين الفرنسيين.

02:27

احتجاجات ترافق زيارة السيسي فرنسا مطالبة بإطلاق السجناء

تظاهر أمام الجمعية الوطنية بباريس نواب فرنسيون وممثلون عن جمعيات حقوقية فرنسية ودولية للاحتجاج على زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي باريس، وطالب المحتجون فرنسا بالضغط على السيسي من أجل إطلاق السجناء.لم يعد السؤال متعلقا برغبة النظام المصري في إغلاق قنوات المعارضة التي تبث من الخارج بعد أن هيمن على إعلام الداخل، لكن السؤال الحقيقي هو مدى قدرته على تنفيذ الرغبة المستمرة منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في صيف 2013 عندما كان وزيرا للدفاع.

سؤال القدرة عاد للظهور في الأيام الماضية بعد حوار السيسي مع صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية، والذي أجراه خلال زيارته الأخيرة لباريس، حيث بث شكواه من قنوات المعارضة، وعبّر عن أسفه لكونها تبث عبر الأقمار الصناعية الأوروبية، وألمح لوجود تفاهم مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مواجهتها.

وفي الحوار، قال السيسي "نحن في مصر نعاني كل يوم من حملات التشويه التي تهدف إلى نشر الشك والفرقة في صفوف الشعب المصري، وهناك ما لا يقل عن 6 قنوات فضائية تديرها وتمولها دول أجنبية تستهدف شعبنا".

وتابع "من المؤسف أن هذه القنوات التي تنشر الأيديولوجية الظلامية تبث عبر الأقمار الصناعية الأوروبية، وقد أكّدنا -أنا والرئيس ماكرون- مجددا عزمنا منع نشر الدعوات إلى العنف والكراهية والإرهاب".

التفاهم الذي ألمح السيسي إلى وجوده مع ماكرون، فسره البعض بأنه يأتي في إطار مساع لمحاولة حذف تلك القنوات من الأقمار الصناعية الأوروبية التي تتيح للمصريين مشاهدة القنوات التي منعها النظام المصري من البث على القمر الصناعي المصري "نايل سات" (Nilesat).

وعضد هذا التفسير تعاطي وسائل إعلام مصرية مع تصريحات السيسي، حيث أفرد عدد منها تقارير ومقالات للتحريض على تلك القنوات، والمطالبة بالاستجابة لطلب حجبها.

ليست الأولى

لم تكن هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها السيسي قنوات المعارضة باعتبارها خطرا يهدد استقرار البلاد، إلا أن الحديث عن كونها تبث عبر أقمار أوروبية في سياق توافق مع الرئيس الفرنسي ضدها، دفع إلى التكهن بوجود مساع جديدة لحجبها والتساؤل عن مدى إمكانية تحقيق ذلك.

الإعلامي والكاتب الصحفي سليم عزوز سخر من حديث السيسي عن تلك المساعي، واعتبر الأمر أشبه بمن يسعى لإصدار قرار بإغلاق مقهى يعمل دون ترخيص، واستبعد في مقال بصحيفة القدس العربي إمكانية حجب تلك القنوات، والسيطرة عليها.

اعلان

ولفت عزوز إلى أن تلك القنوات تصل إلى المشاهد المصري، وأن البدائل في حال الحجب كثيرة ومتعددة، وأن فشل السيسي في محاولات سابقة لإغلاقها دفعه لتحريض الغرب عليها.

ويجد عزوز في هذا التحريض دليلا على فشل الترسانة الإعلامية التي تقف خلف السيسي، واعترافا من الأخير بذلك، رغم تحرر تلك المنابر الإعلامية الداعمة له من أي قيد أخلاقي، واستباحتها الخصوم، وممارستها التلفيق، على حد قوله.

البدائل متاحة

وفي سياق تأكيده على صعوبة حجب قنوات المعارضة، يوضح مدير قناة "مكملين" أحمد الشناف أن الشركات المالكة للأقمار الصناعية التي تصل من خلالها هذه القنوات للمشاهد المصري، هي شركات استثمارية، تحكمها التجارة والمصالح وترتبط بعقود واتفاقيات يصعب تجاوزها.

ويرى الشناف في حديثه للجزيرة نت أن تجاوب تلك الشركات مع مساعي حذف قنوات تبث عليها سيكلفها سمعتها ومصداقيتها، خاصة وأن القنوات المصرية المعارضة تحترم التزاماتها المالية، وتتبع القواعد المهنية العامة المنظمة للبث.

لكن الشناف في الوقت ذاته يؤكد أن البدائل في حال تحقق هذا المسعى متاحة، منها خيار الأقمار الصناعية الحرة مثل "سهيل سات" (Es’hailSat ) و"ترك سات" (Turksat)، وكذلك بث القنوات على تردد "هوت بيرد" (Hot Bird)، الذي يمكن للمشاهدين الوصول له في مصر، فضلا عن فضاء الإنترنت الذي بات أرحب وأوسع لوصول الرسالة الإعلامية للجمهور.

أحمد الشناف: بدائل الأقمار الفرنسية متاحة وكثيرة (الجزيرة)

واعتبر الشناف مهاجمة السيسي قنوات المعارضة دليل على قوتها وتأثيرها ووصولها لشرائح كبيرة وواسعة من المجتمع المصري، لأن المشاهد يجد فيها ما يعبر عن همومه ويوصل به صوته، في ظل الصوت الواحد لإعلام النظام العسكري.

يشار إلى أن السيسي كرر في أكثر من مناسبة مهاجمة إعلام المعارضة بوصفه يشكك فيما يعتبرها السيسي إنجازات للنظام، وتوعد بمحاسبة القائمين عليه مرات عدة.

المسلك القانوني

بدوره، أبدى رئيس تحرير قناة "الشرق" مسعد البربري استغرابه لنقل صحيفة فرنسية حديث السيسي عن توافق مع رئيس بلادها للعمل على إيقاف قنوات المعارضة، وتساءل: كيف يحدث ذلك في بلد تقدم نفسها كقبلة الحريات؟

وذهب البربري في حديثه للجزيرة نت إلى أن ذلك يستلزم رد فعل قويا من قبل منظمات حقوق الإنسان وحماية الصحفيين والإعلاميين في فرنسا، كون ما ذكره السيسي "مسيء لفرنسا قبل أن يكون كاشفا وفاضحا له ولنظامه".

 

ومع استبعاد البربري قدرة القاهرة على حجب قنوات المعارضة، إلا أنه يرى أن تقليد السيسي أعلى وسام في الدولة رغم الانتقادات الواسعة لحقوق الإنسان بمصر، وتقديم ماكرون مصالح فرنسا الاقتصادية والعسكرية، يجعلان الأمر غير مستبعد، وذلك من خلال إدراج القنوات تحت تصنيف يجعلها مخالفة لشروط الظهور على الأقمار الفرنسية، ومن ثم حذفها.

لكنه يرى أن الأمر مع عدم استبعاده ليس سهلا، مؤكدا أنه في حال حصول هذا الحجب، فإن القائمين على هذه القنوات سيسلكون المسلك القانوني للدفاع عن حقوقهم، فلديهم تعاقدات رسمية، وجميعهم ملتزمون ببنود تلك التعاقدات، سواء المادية أو الفنية أو المهنية.

كما لفت إلى وجود العديد من البدائل المتاحة، حيث تتوفر أقمار بديلة في مختلف المدارات الموجودة، مشيرا في هذا السياق إلى استمرار قنوات مختلفة حاولت أنظمة كثيرة إسكاتها إلا أنها لم تفلح في ذلك.

ويقول عاملون في قنوات المعارضة إن اتهامات السيسي ونظامه هي مكايدة سياسية بالأساس، خاصة تهمة التحريض والإرهاب، مؤكدين أن الإعلام المؤيد للسيسي هو من يحرض على قتل المصريين، مثل تحريض المذيع المقرب من النظام محمد الباز على قتل المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور والمذيعين محمد ناصر ومعتز مطر.

فشل السيسي

بدوره يلفت المذيع السابق بقناة "وطن" محمد جمال إلى أن محاولات السيسي حجب قنوات المعارضة ليست وليدة الأيام الأخيرة، ولا محصورة في محاولاته التوافق مع ماكرون لتحقيق هذا الغرض، وأنها بدأت حتى قبل الانقلاب العسكري.

وأغلقت السلطات المصرية في نفس يوم انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 فضائيات عدة ذات توجه إسلامي، كما أغلقت مكتب الجزيرة في القاهرة، ونفذت عمليات تشويش على قنوات الجزيرة، لكن بعض القنوات المغلقة عاودت بثها خارج مصر على أقمار اصطناعية بديلة للقمر الاصطناعي المصري "نايل سات".

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى جمال -المقيم في تركيا- أن فشل السيسي المستمر منذ 7 سنوات في تحقيق هذا الهدف لن يتغير، مشددا على أن نظامه "لا يمتلك القدرة ولا الدبلوماسية اللازمة لتحقيق هذا الغرض".

ولفت إلى أن الشركات التي تتعاقد معها قنوات المعارضة هي شركات وسيطة أغلبها لاتيني، ومواقفها محايدة، ولن تسمح بأن تُبتز من طرف السيسي ونظامه.

ويؤكد جمال أن خشية السيسي من أي صوت معارض لا تتوقف عند هذه القنوات، وإنما تقلقه أمور أقل تأثيرا من تلك القنوات التي باتت ترعبه، ففي تقديره أن مقالة أو قصيدة تكفي لإزعاجه وينشغل بكيفية حجبها أو استهداف صاحبها.

ويعتبر الإعلام من أبرز الموضوعات التي يكرر السيسي الحديث عنها في معظم المناسبات، حيث يبدي ضيقه من الإعلام المعارض في الخارج، كما يلوم إعلامه المحلي ويتهمه بالتقصير في الدفاع عن النظام وحشد المصريين وراء السلطة، كما كان يفعل إعلام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

واتهمت محامية أسرة ريجيني النظام المصري بالضلوع في مقتل موكلها قبل نحو 5 سنوات، وذلك بعد أيام من توجيه اتهامات لـ4 ضباط مصريين تمهيدا لبدء محاكمتهم.

في رسالة إلى ماكرون.. أيمن نور يسخر من اتهامات السيسي لقنوات المعارضة

السيسي (يمين) خلال استقباله ماكرون في القاهرة (الجزيرة)
السيسي (يمين) خلال استقباله ماكرون في القاهرة (الجزيرة)

وجّه المرشح الرئاسي الأسبق في مصر أيمن نور رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن قنوات المعارضة وإمكانية حذفها من الأقمار الصناعية الأوروبية.

وخلال زيارته فرنسا الأسبوع الماضي، أجرى السيسي حوارا مع صحيفة لوفيغارو (Le Figaro)، هاجم خلاله جماعة الإخوان المسلمين وحرض عليها عبر الربط بينها وبين التطرف والإرهاب، الذي تقول فرنسا إنه أصبح عدوها الأول حاليا.

وفي الحوار، قال السيسي "نحن في مصر نعاني كل يوم من حملات التشويه التي تهدف إلى نشر الشك والفرقة في صفوف الشعب المصري، وهناك ما لا يقل عن 6 قنوات فضائية تديرها وتمولها دول أجنبية تستهدف شعبنا، ومن المؤسف أن هذه القنوات التي تنشر الأيديولوجية الظلامية تبث عبر الأقمار الصناعية الأوروبية، وقد أكّدنا -أنا والرئيس ماكرون- مجددا عزمنا على منع نشر الدعوات إلى العنف والكراهية والإرهاب".

دهشة وتحريض

حديث السيسي عن قنوات المعارضة وإشارته إلى تفاهمه مع ماكرون، فهم منهما البعض أنهما محاولة لحذف تلك القنوات من الأقمار الصناعية الأوروبية التي تتيح للمصريين مشاهدة القنوات التي منعها النظام المصري من البث على القمر الصناعي المصري "نايل سات" (Nilesat).

وفي رسالته للرئيس الفرنسي عبر مواقع التواصل، قال أيمن نور الذي يترأس قناة الشرق المعارضة إن "ما أعلنه عبد الفتاح السيسي حول طلبه من الرئيس ماكرون منع بث قنوات المعارضة المصرية عبر الأقمار الصناعية الفرنسية والأوروبية، أثار دهشة القوى الوطنية المصرية بأن يستخدم السيسي فرنسا جسرا يدعم قمعه واستبداده".

وأكد نور ما وصفه بـ"زيف ادعاء السيسي"، نافيا كل ما أشار إليه في هذا الصدد من معلومات كاذبة ومضللة، أبرزها أنه لا توجد 6 قنوات مصرية بالخارج، وليس هناك سوى قناة "الشرق"، وهي قناة ليبرالية، وقناة "مكملين"، وهي قناة مستقلة ذات توجه إسلامي معتدل، وقناة "وطن" المملوكة لجماعة الإخوان المسلمين.

وقال المرشح الرئاسي الأسبق إن هذه القنوات التي تتنافس فيما بينها تعبّر عن أطياف مختلفة داخل الحياة السياسية المصرية، ولا تحض على العنف والإرهاب والكراهية كما يزعم السيسي، مذكرا في الوقت نفسه بأن إعلام السيسي لديه العديد من النماذج والفيديوهات في قنواته تدعو إلى قتل شخصيات سياسية وإعلامية، وتلك القنوات تبث أيضا على القمر الصناعي الفرنسي.

وكان المذيع المصري المقرب من النظام محمد الباز قد دعا في وقت سابق، وعلى الهواء مباشرة، إلى قتل أيمن نور والمذيعين المعارضين محمد ناصر ومعتز مطر.

اعلان

دعوات الإصلاح

وفي سياق متصل، عبّر نور عن أمل القوى الوطنية المصرية وكل أطياف المعارضة وأنصار الإصلاح في الداخل والخارج، عن أن تكون فرنسا جزءا من الحل في أزمة الملف الحقوقي والديمقراطي في مصر، بدلا من أن تكون جزءا من الأزمة.

وقال إن القوى الوطنية المصرية تنتظر من فرنسا -الرسمية والشعبية- فتح حوار جاد يكون بمثابة البداية الصحيحة لإصلاح مستحق لأوضاع شائنة على الصعيد الحقوقي والسياسي والإنساني تمر بها مصر، مضيفا أن القوى الوطنية تؤمن بأن أمن مصر وفرنسا المشترك لن يتحقق بالاستثمار في بيع الأسلحة، ولكن بالاستثمار في إنسانية البلدين المشتركة.

واستطرد في رسالته أن المعارضة المصرية تؤمن حد اليقين بأن أهم مكتسبات البشرية في هذا القرن هو عولمة حقوق الإنسان، وأن الضمير الإنساني لا يعترف بالحدود الجغرافية التي تتحصن خلفها أنظمة استبدادية، تحول بلادها بدعوى السيادة الوطنية إلى إقطاعيات تنفرد فيها بشعوبها، وترتكب بحقهم أبشع الفظائع، مما يؤدي إلى حقن بلادها والمنطقة وكل بلاد العالم بالكراهية والعنف والإرهاب، الذي تمتد نيرانه لشعوبنا وشعوبكم.

وختم نور رسالته بأن فرنسا ليست كل العالم، لكنها تتحمل الشطر الأكبر من المسؤولية الأخلاقية بحكم تاريخها وقيمها وانحيازها للحرية، الذي لا نتصور معه مؤازرتها لأنظمة فاسدة، مهما كانت قدرة وخبرة هذه الأنظمة في مبادلة المصالح بالمبادئ.

ا

ليست هناك تعليقات:

ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في البنوك المصرية

  بشكل مفاجئ، ارتفع سعر صرف   الدولار مقابل الجنيه   في البنوك المصرية ليستقر عند مستوى أعلى من 48.50 جنيهًا في التعاملات الأخيرة. يأتي ذلك...