الثلاثاء، مايو 28، 2013

إرتريا،أوجادين،الصومال،المخابرات،المعارضة،الأقليات،يجب إستخدام كل الوسائل لضرب سد الوكسه ؛ من ضرب الحفار يضرب السد، مخابرات مصر زمان عملتها،وتقدر تعملها النهارده،الشعوب التي تخشى الحروب أو تتلاشاها تموت من الخوف والجبن!!سالم القطامي

تعددت استخدامات الأنهار الدولية في العقود القليلة الماضية بشكل كبير، وأدى هذا التعدد في الاستخدامات وكثافة الأنشطة المرتبطة بها إلى مزيد من الندرة في المياه العذبة،‮ ‬وإلى صراعات ومنازعات حولها بشأن حقوق كل دولة من الدول النهرية في الإفادة من مياه النهر في الأغراض المختلفة‮ (1). ‬أثار ذلك الأمر العديد من التساؤلات التي تتعلق أساسا بطبيعة ومدى حقوق كل دولة مشاطئة على مياه النهر والالتزامات المتبادلة بينها‮. ‬فإذا كان لكل دولة نهرية حقوق مساوية لحقوق الدول الأخرى، فكيف يجري التوزيع المنصف لمنافع النهر؟، وما هي الالتزامات التي تقيد الدولة النهرية في مواجهة‮ ‬غيرها من الدول النهرية عند استخدام حصتها؟‮. ‬كما تتعلق هذه التساؤلات بمدى التزام الدولة بالاستخدام البرئ للنهر الدولي، ومدى مسؤليتها الدولية عما قد يقع من ضرر من جراء الاستخدام، ومدى الالتزام بالتعاون والإخطار والتشاور بالنسبة للمشروعات المستقبلية‮.‬

ولقد طرح هذا على الباحثين في نطاق القانون الدولي سؤالا،‮ ‬مؤاده‮: ‬إلى أي مدى،‮ ‬يمكن القول إن ثمة قواعد قانونية محددة يمكن الارتكان إليها لحل ما قد ينشأ من منازعات في هذا الصدد بطريقة سلمية، وبما يكفل تطبيق مبدأ حسن الجوار، ويحفظ الحقوق المشروعة لكل دولة من الدول النهرية في الإفادة من موارد النهر؟‮. ‬كما أدى إلى ظهور قاعدة قانونية جديدة مؤداها أن كل دولة نهرية ينبغي عليها عند استعمالها للجزء من النهر المار عبر أراضيها ألا تتسبب في أضرار هامة لدولة أخرى من دول المجري المائي الدولي‮.‬

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى وجوب التمييز بين حالتين‮: ‬الحالة التي نكون فيها بصدد اتفاقات دولية قائمة تنظم طريقة الإفادة من موارد النهر فيما بين الدول المشتركة في حوضه، وهنا فالأصل أنه ليس ثمة صعوبة كبيرة تعترض طريق التسوية السلمية لأي نزاع ينشأ بين أي من هذه الدول، حيث يمكن الرجوع إلى أحكام الاتفاقات ذات الصلة‮. ‬أما الحالة الأخرى،‮ ‬فهي التي لا توجد فيها اتفاقات من هذا القبيل، وهنا فالأرجح أن الخلاف واقع لا محالة بين الدول المشتركة في حوض النهر، حيث يمكن لبعضها أو إحداها أن تتمسك مثلا بما شاع في فقه القانون الدولي التقليدي من نظريات صارت‮ ‬غير مقبولة في عالم اليوم،‮ ‬كنظرية السيادة المطلقة للدولة النهرية على الجزء من النهر الدولي الواقع المار عبر إقليمها (2).‬

والحق أنه في كلتا الحالتين،‮ ‬فإن الاعتبارات السياسية كثيرا ما تكون لها الغلبة على الاعتبارات القانونية، حيث تلعب دورا لا يستهان به في زيادة حدة الخلافات بين الدول المشتركة في حوض النهر‮.‬وهنا،‮ ‬فإن ما تقوم به إثيوبيا من إنشاء لسد النهضة، وما يقترن به من مخاوف مشروعة لكل من مصر والسودان،‮ ‬في ضوء الدراسات التي تشير إلى ما سيلحق بهما من آثار سلبية، أهمها العجز المائي في حصة مصر، وانخفاض القدرة الإنتاجية من الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان، يستدعي بيان الوضع القانوني لنهر النيل عبر نقطتين،‮ ‬تركز أولاهما على أهم القواعد التي تحكم استخدام الأنهار الدولية في‮ ‬غير أغراض الملاحة، وتركز الأخرى على الوضع القانوني لنهر النيل،‮ ‬وحقوق الدول المشاطئة عليه‮.‬

أولا‮- ‬أهم القواعد التي تحكم استخدام الأنهار الدولية في‮ ‬غير أغراض الملاحة‮:‬

ليس ثمة شك في أن استغلال الأنهار الدولية،‮ ‬وتحديد حصص الدول المشاطئة للنهر،‮ ‬يتعين أن يتما وفقا للأحكام العامة للقانون الدولي المكتوبة أو المستقرة عرفا، ما لم تكن هناك اتفاقيات خاصة ثنائية أوجماعية بين دول مجري النهر تنظم هذه الأمور، حيث تكون لها الأولوية في التطبيق،‮ ‬أخذا بمبدأ أن الخاص يجب العام، والتزاما بمبدأ قدسية العهود والمواثيق‮. ‬ولما كان الواقع يشير إلى اختلافات لا حصر لها في الظروف والأحوال والاعتبارات المحيطة بكل نهر دولي عن سواه من الأنهار الدولية، بحيث إن كل نهر منها يعد نموذجا فريدا في ذاته،‮ ‬وإن تشابه في بعض الجوانب مع‮ ‬غيره،‮ ‬فإنه يكون من البدهي ألا تكون هناك قواعد قانونية دولية موحدة تصلح للتطبيق على كل الأنهار الدولية في آن واحد، وإنما قواعد عامة يأخذ منها ذوو المصلحة ما يرونه ملائما،‮ ‬ويدعون ما يرونه‮ ‬غير ملائم‮. ‬ومن ثم،‮ ‬فقد كان العرف الدولي هو المصدر الأكثر قدرة على تقديم هذه القواعد العامة‮.‬

والحق أن ثمة مجموعة من القواعد القانونية العامة التي تنظم استغلال الأنهار الدولية،‮ ‬نشأت في سياق العرف الدولي، ثم تأكدت في الاتفاقيات الدولية،‮ ‬ومن خلال أحكام القضاء‮. ‬كما شهدت الممارسة الدولية العديد من الاتفاقيات التي اعترف أطرافها صراحة أو ضمنا بالحقوق المتساوية للأطراف فيما يتعلق باستخدام مياه النهر الدولي،‮ ‬والاستفادة منه‮.‬

وإذا كان مبدأ الانتفاع المنصف بمياه الأنهار الدولية يحظي بالقبول العام في الفقه والعمل الدوليين المعاصرين، فإن كيفية تطبيقه لا تحظي بالقبول‮  ‬نفسه، فليس ثمة اتفاق‮ -‬جازم‮- ‬على الأسس التي يتعين مراعاتها لتحقيق هذا المبدأ،‮ ‬حيث يتصل الانتفاع بمياه الأنهار الدولية بالعديد من العوامل المترابطة،‮ ‬التي هي في مجملها عوامل شديدة الحساسية من زاوية حاجات الشعوب التي تعتمد على هذه المياه (3).‬بيد أن هذا لم يمنع من وجود محاولات فقهية جادة سعت لصياغة بعض القواعد العامة التي يمكن الاسترشاد بها لوضع هذا المبدأ موضع التنفيذ‮. ‬وقد صدرت هذه المحاولات جميعها عن مبدأ حسن الجوار،‮ ‬الذي تبدو الحاجة إلى الأخذ به ملحة في إطار علاقات الدول المشاطئة لنهر دولي واحد(4).‬

ولعل أهم المحاولات الفقهية وأشهرها في هذا الصدد هي تلك التي وضعتها جمعية القانون الدولي عام‮ ‬1966،‮ ‬فيما عرف بقواعد هلسنكي، والتي تبنت مبدأ الانتفاع المنصف في مادتها الرابعة، ثم صاغت مادتها الخامسة أسس هذا الانتفاع‮. ‬ولقد بلورت قواعد هلسنكي أهم العوامل التي يجب مراعاتها عند تحديد الانتفاع المنصف، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر، تجنبا لوضع قواعد ثابتة في موضوع شديد الحساسية‮.‬

ويكشف الواقع الدولي عن حالات لتنازع أولويات‮ "‬الانتفاع المنصف‮" ‬بمياه الأنهار الدولية‮. ‬فقد ترغب إحدي الدول المشاطئة، وهي بصدد تنفيذ بعض برامج التنمية فيها، في الحصول على نصيب أكبر من مياه النهر، يزيد على ذلك الذي كانت تحصل عليه من قبل، الأمر الذي يؤثر بلاشك في حصة الدول المشاطئة الأخرى‮. ‬ومن ثم،‮ ‬يثور التساؤل حول أولوية الانتفاع بمياه النهر، وهل يكون للاستخدامات القائمة والحقوق التاريخية،‮ ‬أم للاستخدامات المحتملة والاستعمالات المستقبلية؟.

ومما لا شك فيه أن التطبيق السليم لمبدأ الانتفاع المنصف يقتضي أن تلتزم كافة الدول المشاطئة للنهر الدولي بأن تتعاون فيما بينها لتحقيق أقصي انتفاع ممكن بمياه هذا النهر،‮ ‬وهو ما يستقيم مع طبيعة النهر الدولي كمورد مشترك بين هذه الدول، كما يستقيم مع مبدأ حسن النية الذي يفترض أن يحكم العلاقات المتبادلة بينها‮. ‬ولقد أكدت العديد من المعاهدات الدولية الخاصة بالأنهار هذا الالتزام،‮ ‬من ذلك‮ - ‬على سبيل المثال‮ - ‬اتفاقية‮ ‬1959‮ ‬بين مصر والسودان،‮ ‬التي تعد نمطا مثاليا في هذا الصدد، ومعاهدة‮ ‬1961‮ ‬بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بخصوص تنمية موارد مياه حوض نهر كولومبيا، واتفاقية‮ ‬1963‮ ‬بين دول حوض نهر النيجر‮.‬

أما فيما يتعلق بموقف اتفاقية الأمم المتحدة من مبدأ الانتفاع المنصف،‮ ‬فقد وضعت المادة الخامسة من الاتفاقية هذا المبدأ كحجر أساس للقانون في هذا الصدد، وجاءت المادة السادسة تشير في فقرتها الأولي إلى العوامل والظروف التي يتعين أخذها في الحسبان عند تحديد الانتفاع المنصف بمياه النهر‮. ‬أما المادة السابعة،‮ ‬فجاءت تعالج الالتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن، وهو الالتزام الذي ربما كان من أكثر أحكام الاتفاقية إثارة للجدل والخلاف،‮ ‬حيث ظهر في صدده بجلاء تباين المواقف بين دول المنبع ودول المصب‮.‬

وقد جاء نصها على النحو التالي‮:‬

1- ‬تتخذ دول المجري المائي، عند الانتفاع بمجري مائي دولي داخل أراضيها، كل التدابير المناسبة للحيلولة دون التسبب في ضرر ذي شأن لدول المجري المائي الأخرى‮.‬

2- ‬ومع ذلك، فإنه متي وقع ضرر ذو شأن لدولة أخرى من دول المجري المائي، تتخذ الدول التي سبب استخدامها هذا الضرر، في حالة عدم وجود اتفاق على هذا الاستخدام، كل التدابير المناسبة، مع المراعاة الواجبة لأحكام المادتين الخامسة والسادسة،‮ ‬وبالتشاور مع الدول المتضررة،‮ ‬من أجل إزالة هذا الضرر أو تخفيفه، والقيام،‮ ‬حسب الملاءمة، بمناقشة مسألة التعويض‮".‬

وجاءت المادة الثامنة من الاتفاقية تنص على التزام عام بالتعاون بين دول المجري المائي المشترك من أجل تنفيذ الالتزامات النابعة عن الاتفاقية وتحديد أهدافها، وتدعو الأطراف إلى إنشاء آليات ولجان مشتركة لتيسير التعاون فيما بينها، تاركة لها السلطة في تقدير مدى ملاءمة الدخول في مثل هذه الترتيبات‮.‬ويرتبط بهذا الالتزام التزام آخر يقع على عاتق الدول النهرية بالإخطار عن المشروعات التي تعتزم القيام بها،‮ ‬ويترتب عليها الإضرار بدولة أو دول نهرية أخرى‮. ‬وهو الالتزام الذي يؤدي العمل به إلى تجنب كثير من المنازعات المحتملة بين الدول النهرية‮.‬

ولعله من المهم في هذا السياق أن نشير إلى أنه إذا كان من حق الدول النهرية قانونا أن تقيم سدودا على الجزء من النهر المار بإقليمها، فإن ثمة قيدين جوهريين يردان على هذا الحق،‮ ‬هما عدم التسبب في إلحاق ضرر بباقي دول النهر، والالتزام بإجراءات الإخطار المسبق،‮ ‬والمتمثلة في وجوب قيامها بإرسال كل الدراسات والبيانات الفنية المتعلقة بالسد إلى جميع دول المجري المحتمل تضررها من إنشائه،‮ ‬مع التزامها قانونا بعدم البدء في الإنشاء،‮ ‬حتي تتمكن هذه الدول من دراسة وتقييم الآثار المحتملة في فترة معقولة‮.‬

ثانيا‮- ‬الوضع القانوني لنهر النيل وحقوق الدول المشاطئة‮:‬

ليس ثمة شك في أن‮ ‬غياب اتفاقية تضم كل الدول الإحدي عشرة المشاطئة لنهر النيل، وغياب هيئة دولية دائمة لإدارة النهر وتطوير الانتفاع به، وإعلان بعض دول المنابع كإثيوبيا أحيانا عن تحفظها بالنسبة لما تسميه حقوقها في مياهه، إنما يطرح تساؤلات حول حقوق والتزامات كل دولة من هذه الدول،‮ ‬والقواعد التي تحكم الانتفاع المنصف بمياه النهر،‮ ‬وأولويات هذا الانتفاع عند تعارض الاستخدامات، وأسلوب التنسيق والإدارة المشتركة لهذه المياه،‮ ‬مقارنة بالمعمول به في العديد من الأنهار الدولية الأخرى، وما إذا كانت هناك وسيلة لتطوير الانتفاع بالنهر لتحقيق المنفعة المشتركة للدول المشاطئة دون إضرار بحقوق بعضها بعضا أم لا‮.‬

ولما كانت مصر، من بين كل دول حوض النيل، إضافة إلى كونها دولة المصب، تعتمد على النيل كمصدر رئيسي،‮ ‬أو بالأحري كمصدر وحيد للمياه المستخدمة في أغراض الشرب والزراعة، فإن أي اقتطاع للمياه في أعالي النيل،‮ ‬بما يستتبعه من انخفاض في كميات المياه المتاحة لمصر، سيترتب عليه ضرر بليغ‮ ‬بها، وهو ما يتعارض مع مقتضيات مبدأ الانتفاع المنصف،‮ ‬على ما تقدمت الإشارة‮.‬وسنسعي في هذا الجزء إلى استعراض الوضع القانوني لنهر النيل،‮ ‬في ضوء مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول، والاتفاقات الخاصة بتنظيم استغلال مياهه‮. ‬

الاتفاقيات الخاصة بتنظيم استغلال مياه نهر النيل‮:‬

ليس معني ما تقدم من القول بغياب اتفاقية عامة تضم كل الدول المشاطئة لنهر النيل أن هذه الدول لم تصل بعد إلى اتفاقيات تحكم تفاصيل تعاونها اللازم أو تعهداتها بشأن مياهه‮. ‬فالواقع أنه توجد كثير من هذه المواثيق التي ترتبط بها بعض دول الحوض مع بعضها بعضا (5)‬،‮ ‬من ذلك‮:‬

 1- ‬البرتوكول الموقع بين بريطانيا وإيطاليا سنة‮ ‬1891‮ ‬بشأن تحديد مناطق نفوذ كل منهما في شرق إفريقيا، والذي نصت المادة الثالثة منه على أن إيطاليا‮  ‬صاحبة السيادة على الحبشة آنذاك،‮ ‬تتعهد بألا تقيم على نهر عطبرة أية إنشاءات للري،‮ ‬من شأنها أن تؤثر تأثيرا محسوسا في كمية مياه نهر عطبرة التي تصب في نهر النيل‮.‬

2- ‬مجموعة المعاهدات المعقودة بين بريطانيا وإثيوبيا، وبينها وبين إيطاليا وإثيوبيا بشأن الحدود بين السودان المصري‮ - ‬البريطاني وإثيوبيا وإريتريا، والموقعة في أديس أبابا في‮ ‬15‮ ‬مايو1902،‮ ‬والتي يتعهد الإمبراطور مينليك الثاني،‮ ‬ملك ملوك الحبشة،‮ ‬بموجبها بألا ينشئ أو يسمح بإنشاء أية أعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط،‮ ‬يكون من شأنها تعطيل سريان مياهها إلى نهر النيل إلا بالاتفاق مع حكومة بريطانيا وحكومة السودان المصري‮ - ‬البريطاني‮.‬

‮3- ‬الاتفاق المبرم بين بريطانيا وحكومة دولة الكونغو،‮ ‬والموقع في لندن في‮ ‬9‮ ‬مايو‮ ‬1906،‮ ‬والذي تتعهد الكونغو بموجب المادة الثالثة منه بألا تقيم أو تسمح بإقامة أية منشآت قرب أو على نهر سميليكي أو نهر آيسانجو،‮ ‬يكون من شأنها تخفيض كمية المياه التي تصب في بحيرة آلبرت إلا بالاتفاق مع حكومة السودان المصري‮ -  ‬البريطاني‮.‬

‮4- ‬المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا في ديسمبر‮ ‬1925،‮ ‬والتي تعترف فيها الحكومة الإيطالية بالحقوق المائية السابقة‮ (‬التاريخية‮) ‬والمكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق والنيل الأبيض، وتتعهد بألا تنشئ في أقاليم أعالي تلك الأنهار أو فروعها أو روافدها أية منشآت من شأنها تعديل كمية المياه التي تحملها إلي نهر النيل بشكل محسوس‮.‬

‮5- ‬اتفاقية مياه النيل بين مصر وبريطانيا بالنيابة عن السودان،‮ ‬وكينيا،‮ ‬وتنجانيقا‮ - ‬تنزانيا‮ - ‬وأوغندا في عام‮ ‬1929،‮ ‬والتي تقضي بتحريم إقامة أي مشروع من أي نوع على نهر النيل أو روافده أو البحيرات التي تغذيها كلها إلا بموافقة مصر، لاسيما إذا كانت هذه المشروعات ستؤثر في كمية المياه التي كانت تحصل عليها مصر،‮ ‬أو في تواريخ وصول تلك المياه إلى مصر‮. ‬والحق أن‮  ‬هذا الاتفاق، الذي أخذ شكل المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا، يعد علامة بارزة في تاريخ نهر النيل، حيث أظهر اعتراف الأطراف بمبدأ الحقوق المكتسبة، كما حظي فيه مبدأ التوزيع المنصف أيضا بالاعتراف‮.‬

‮6- ‬اتفاقية لندن المبرمة بين بريطانيا‮ (‬نيابة عن تنجانيقا‮) ‬وبلجيكا‮ (‬نيابة عن رواندا وبوروندي‮) ‬في‮ ‬23‮ ‬نوفمبر‮ ‬1934،‮ ‬والتي تقضي مادتها الأولي بأن يتعهد الطرفان بأن يعيدا إلى نهر كاجيرا قبل وصوله إلى الحدود المشتركة لكل من تنجانيقا ورواندا وبوروندي أية كميات من المياه،‮ ‬يكون قد تم سحبها منه قبل ذلك لغرض توليد الكهرباء‮. ‬فالسماح باستغلال مياه النيل لتوليد الطاقة الكهربائية لا يجوز بحال أن يمس،‮ ‬طبقا لهذه المادة،‮  ‬كمية المياه التي تتدفق من منابعه إلى المجري الرئيسي فيه‮.‬

‮7- ‬المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا‮ ( ‬نيابة عن أوغندا‮ ) ‬في الفترة ما بين يوليو‮ ‬1952‮ ‬ويناير‮ ‬1953،‮ ‬بشأن اشتراك مصر في بناء خزان أوين،‮ ‬الذي أنشئ فعلا عام‮ ‬1954‮  ‬لتوليد الطاقة الكهربائية من المياه في أوغندا، والتي اتفق فيها الطرفان على تعلية خزان أوين لرفع منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا، كما اتفقا على التعويضات التي تمنح لأهالي أوغندا الذين يصيبهم ضرر جراء ارتفاع منسوب مياه البحيرة، والذي من شأنه زيادة حصة مصر من مياه الري،‮ ‬وتوليد كهرباء تضمن مزيدا من الطاقة لكل من أوغندا وكينيا‮. ‬ويعد هذا الاتفاق مثالا واضحا على التعاون والتنسيق بين بعض دول حوض النيل، حيث تضمن قيام مصر بالإسهام المالي في بناء الخزان بغرض توليد الكهرباء لاستخدامها في أوغندا، مقابل زيادة حصة مصر من مياه النيل لأغراض الري عن طريق المياه التي تحجز خلف الخزان‮.‬

‮8- ‬اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لعام‮ ‬1959‮ ‬بين مصر والسودان بشأن إنشاء السد العالي،‮ ‬وتوزيع المنافع الناجمة عنه بينهما،‮ ‬والتي تعد في الواقع مثالا يحتذي في مجال التعاون بين الدول المشاطئة للأنهار الدولية لاستغلال مياهها، حيث سعت إلى تحقيق نفع مشترك لكل من الدولتين دون إجحاف بالحقوق التاريخية لكل منهما،‮ ‬ودون الإضرار بحقوق باقي دول الحوض‮. ‬فقد أكدت هذه الاتفاقية احترام الحقوق المكتسبة لطرفيها، وحددت هذه الحقوق بدقة حسما لأي نزاع، حيث أقرت في البند‮ "‬أولا‮" ‬منها بحقوق تاريخية مكتسبة لمصر،‮ ‬مقدارها ثمانية وأربعون مليار متر مكعب سنويا، وللسودان أربعة مليارات من الأمتار المكعبة سنويا‮. ‬وفي مجال مشروعات ضبط النهر،‮ ‬وتوزيع فوائد هذه المشروعات،‮ ‬اتفق الطرفان في البند‮ "‬ثانيا‮" ‬على إنشاء السد العالي وتقاسم منافعه، وعلى إنشاء السودان سد الروصيرص على النيل الأزرق،‮ ‬وأية مشروعات أخرى تراها السودان لازمة لاستغلال نصيبها‮.‬

كما اتفقا على قيام مصر بدفع التعويضات المالية للسكان السودانيين الذين سيضارون من تكون بحيرة السد العالي‮. ‬كما اتفق الطرفان في البند‮ "‬ثالثا‮" ‬على التعاون في إنشاء مشروعات لاستنقاذ المياه الضائعة في مناطق المستنقعات، لزيادة إيراد النهر من المياه، على أن يكون صافي فائدة هذه المشروعات من نصيب البلدين بالتساوي، وعلى أن‮ ‬يسهم كل منهما بالتساوي في جملة تكاليفها‮. ‬واتفق الطرفان أيضا على التشاور بشأن أية مشروعات مستقبلية أخرى تخدم أهداف التوسع الزراعي في البلدين‮. ‬هذا بالإضافة إلى ما قضي به البند‮ "‬رابعا‮" ‬من الاتفاقية من إنشاء هيئة فنية دائمة بين البلدين،‮ ‬تعمل على إجراء البحوث والدراسات اللازمة لمشروعات ضبط النهر،‮ ‬وزيادة إيراده ومتابعة الأرصاد المائية على منابعه العليا‮.‬ وتختص هذه الهيئة برسم الخطوط الرئيسية للمشروعات التي تهدف إلى زيادة إيراد النهر، والإشراف على تنفيذ المشروعات التي تقرها الدولتان في هذا الصدد‮.‬

9- ‬أبرمت مصر وأوغندا في مايو‮ ‬1991‮ ‬اتفاقية‮  ‬في شكل خطابات متبادلة بين وزيري خارجية الدولتين،‮  ‬بعد مفاوضات مكثفة بينهما،‮ ‬بشأن مشروع إنشاء محطة لتوليد الكهرباء على بحيرة فيكتوريا،‮ ‬كانت أوغندا قد تقدمت به إلى البنك الدولي لتمويل عملية إنشائه‮. ‬وقد تضمن هذا الاتفاق التزام أوغندا بتمرير التصرفات الطبيعية طبقا للمعدلات المعمول بها وقت إبرام الاتفاق، كما تضمن التزامها بما سبق أن اتفقت عليه الدولتان عند إنشاء خزان أوين عام‮ ‬1953‮ ‬من الحفاظ على مدى التخزين البالغ‮ ‬قدره ثلاثة أمتار لصالح مصر، وقد ورد بالفقرة الثالثة منه أنه يمكن النظر في تعديل هذه المعدلات لصالح أوغندا لتوليد الكهرباء،‮ ‬بناء على اتفاق الطرفين،‮ ‬وبما لا يضر بدول المصب‮.‬

10- ‬وقع الرئيسان المصري والإثيوبي في الأول من يوليو‮ ‬1993‮ ‬اتفاق القاهرة، الذي وضع إطارا عاما للتعاون بين الدولتين لتنمية موارد مياه النيل،‮ ‬وتعزيز المصالح المشتركة‮. ‬وقد حوي هذا الاتفاق في أحد بنوده تعهدا من الطرفين بالامتناع عن أي نشاط يؤدي إلى إلحاق ضرر بمصالح الطرف الآخر فيما يختص بمياه النيل‮.‬ كما تعهدا بالتشاور والتعاون في المشروعات ذات الفائدة المتبادلة، عملا على زيادة حجم التدفق،‮ ‬وتقليل الفقد من مياه النيل في إطار خطط تنمية شاملة ومتكاملة‮. ‬كما اتفق الطرفان على إنشاء آلية للتشاور حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك مياه النيل، وتعهدا بالعمل على التوصل إلى إطار للتعاون بين دول حوض النيل لتعزيز المصلحة المشتركة لتنميته‮.‬

والواقع أنه يمكننا أن نبدي على المعاهدات الخاصة بتنظيم استغلال مياه النيل الملاحظات التالية‮:‬

أولا‮- ‬إن بعض هذه المعاهدات تناول الوضع الإقليمي والجغرافي للدول المتعاقدة‮. ‬وكما هو معلوم،‮ ‬فإن هذا النوع من الاتفاقات الخاصة بالوضع الإقليمي والحدود إنما‮ ‬يشكل قيدا أو التزاما على عاتق الدولة وعلى إقليمها، لا يؤدي انتقال السيادة على الإقليم إلى التحلل منه‮‬‮(6). ‬وهو ما أكدته المادة‮ ‬11‮ ‬من اتفاقية فيينا بشأن التوارث الدولي في مجال المعاهدات لعام‮ ‬1978،‮ ‬أخذا بنظرية الاتفاقات الموضوعية الممتدة‮)‬7‮ (‬،‮ ‬متوافقا مع ما قررته المادة‮ ‬62‮ ‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام‮ ‬1969‮ ‬من أنه لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهري في الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها،‮ ‬إذا كانت من المعاهدات المنشئة للحدود‮. ‬وعلى هذا،‮ ‬فإنه لا يجوز للدولة الجديدة الناشئة عن الاستقلال‮ - ‬كما هو حال دول حوض النيل‮ - ‬أن تحتج بأن واقعها الجديد يمثل تغيرا جوهريا في الظروف،‮ ‬يبرر لها إنهاء العمل بالمعاهدات المتعلقة بالحدود أو المرتبطة بها،‮ ‬والتي سبق أن أبرمتها الدولة السلف‮ (8‮).‬

وقد ذهبت محكمة العدل الدولية في أحدث أحكامها بشأن الأنهار الدولية في النزاع بين المجر وسلوفاكيا، وفي النزاع بين أوروجواي والأرجنتين بشأن نهر أوروجواي عام‮ ‬2010،‮ ‬إلى تأكيد أن المعاهدات ذات الطابع الإقليمي، ومنها الاتفاقات المتعلقة بالأنهار الدولية، هي من المعاهدات التي لا يجوز المساس بها نتيجة للتوارث الدولي، أي أنها من قبيل المعاهدات الدولية التي ترثها الدولة الخلف عن الدولة السلف، ولا يجوز لها التحلل منها لأي سبب من الأسباب‮.‬

وجلي أن هذه القواعد إنما تطبق على علاقة دول حوض النيل بعضها ببعض فيما يخص القيود والحقوق التي تلتزم بها هذه الدول في استخدام هذه الشبكة الدولية،‮ ‬باعتبار أن المعاهدات التي التزمت بها هي من قبيل المعاهدات العينية التي تنصب على أجزاء تلك الشبكة،‮ ‬والتي تجري في أراضي كل منها‮. ‬وحيث إن هذه المعاهدات تتناول بالتنظيم مسائل تتعلق بالتزامات ذات طبيعة إقليمية وجغرافية، فإنها لا تتأثر بمجرد انتقال السيادة على الإقليم المحمل بهذه الالتزامات من الدولة المستعمرة إلى الدولة الجديدة‮.‬

ثانيا‮- ‬كانت الدول الموقعة على هذه المعاهدات في حالات كثيرة دولا أوروبية من أصحاب المستعمرات، وقعت تلك المعاهدات باسم الدولة أو الإقليم الإفريقي الخاضع لحكمها‮.‬ ومع ذلك،‮ ‬فإن القانون الدولي يعترف بسريان مفعول هذه المعاهدات،‮ ‬وفقا لقواعد قانون التوارث بين الدول،‮ ‬سيما وأن هذه المعاهدات لم تأت بمبادئ قانونية جديدة،‮ ‬على خلاف القواعد العامة الحاكمة للنظام القانوني للأنهار الدولية، وإنما أكدت فحسب المبادئ التي سبق للفقه والعرف الدوليين قبولها، كمبدأ الاعتراف بالحقوق التاريخية المكتسبة، ومبدأ وجوب التعاون والتشاور والإخطار‮.‬

ثالثا‮- ‬تكشف العديد من هذه الاتفاقات عن التزام دول حوض النيل بمنح الأولوية المطلقة للحقوق التاريخية،‮ ‬والاقتسام السابق للمياه‮. ‬فبمقتضي البروتوكول الموقع بين إيطاليا‮ - ‬صاحبة الولاية على الحبشة آنذاك‮ - ‬وبريطانيا عام‮ ‬1891،‮ ‬التزمت إيطاليا بضمان وصول حصص المياه التاريخية التي تحصل عليها الدول التي تتلقي مياه النيل بعد مرورها من الحبشة‮. ‬أما اتفاقية‮ ‬1902،‮ ‬التي وقعها إمبراطور الحبشة،‮ ‬منيليك الثاني،‮ ‬مع كل من بريطانيا وإيطاليا،‮ ‬فقد تعهد بمقتضاها بألا يصدر أية تعليمات أو يسمح بإصدارها فيما يتعلق بأية أعمال على النيل أو بحيرة تانا أو نهر السوباط،‮ ‬يكون من شأنها اعتراض سريان مياهه إلى النيل‮. ‬

كما قضت المادة الثالثة من الاتفاق المبرم بين الكونغو وبريطانيا‮ -‬ممثلة للسودان‮- ‬عام‮ ‬1906‮ ‬بأن‮ "‬تتعهد حكومة الكونغو المستقلة بألا تقيم أو تسمح بإقامة أية أشغال على نهر سمليكي أو نهر آيسانجو أو بجوار أي منهما،‮ ‬يكون من شأنها خفض حجم المياه التي تتدفق في بحيرة آلبرت، ما لم يتم ذلك بالاتفاق مع الحكومة السودانية‮". ‬أما اتفاقية استعمال مياه النيل لأغراض الري المبرمة بين مصر وبريطانيا عام‮ ‬1929،‮ ‬والتي أبرمتها بريطانيا،‮ ‬نيابة عن كل من السودان،‮ ‬وكينيا،‮ ‬وتنزانيا،‮ ‬وأوغندا، فقد أكدت فيها الحكومة البريطانية،‮ ‬في الخطاب الموجه لرئيس الحكومة المصرية في السابع من مايو‮ ‬1929،‮ ‬أولوية الحقوق التاريخية، حيث جاء بخطاب المندوب السامي البريطاني ما يلي‮ "‬أذكر دولتكم أن حكومة جلالة الملك سبق لها الاعتراف بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل‮". ‬وهو المعني‮  ‬ذاته الذي أكدته بوضوح تام اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لعام‮ ‬1959‮ ‬بين مصر والسودان‮.‬

مبادرة حوض النيل‮:‬

لعله من المفيد هنا وقد عرضنا للاتفاقات الخاصة بنهر النيل أن نعرض‮  ‬لمبادرة حوض النيل(NBI) ‮ ‬لعام‮ ‬1999،‮ ‬والتي هي بمثابة شراكة إقليمية تضم دول الحوض، بهدف العمل المشترك لتطوير وإدارة المياه على المدى البعيد، وتضافر جهود دول الحوض،‮ ‬وصولا إلى تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة،‮ ‬عبر الاستغلال العادل،‮ ‬والتوظيف الأمثل للموارد المائية لحوض النيل،‮ ‬والتي جاءت لتمثل نقلة نوعية مهمة في موقف دول حوض النيل،‮ ‬وسعيها للتصدي لمشكلة المياه‮. ‬فلأول مرة،‮ ‬تنضم كافة دول الحوض،‮ ‬بما فيها إثيوبيا،‮ ‬لمثل هذا المحفل الإقليمي، والذي قام على أسس،‮ ‬من أهمها‮:‬

1- أن يتم التعاون على مستويين، جماعي لكل دول الحوض، وفرعي على مستوي النيل الشرقي والنيل الاستوائي، مع مشاركة مصر والسودان على المستويين في آن واحد‮.‬

2- ‬إقامة مشروعات تحقق فائدة للجميع أو لأكثر من دولة من دول الحوض،‮ ‬دون إلحاق ضرر بالدول الأخرى‮.‬

3- ‬إقامة تنظيم إقليمي لإدارة وتنمية مياه النيل وتخصيصها على أساس الانتفاع المنصف‮.‬

4- ‬اتخاذ القرارات بتوافق الآراء‮.‬

وتشمل المشروعات التنموية المتضمنة في مبادرة حوض النيل خزانات ومشروعات ربط كهربائي، بالإضافة إلى تطوير إدارة مبتكرة للمياه،‮ ‬وإدارة مبتكرة للفيضانات والجفاف،‮ ‬وأعمال الوقاية،‮ ‬مثل مشروعات التصحر والمساقط لتوليد الطاقة الكهربائية في مواضع الخزانات المختلفة في إثيوبيا‮.‬ولقد تم الاتفاق على هيكل مؤسسي للمبادرة،‮ ‬يتكون من مجلس وزراء الموارد المائية في دول الحوض، واللجنة الاستشارية الفنية، والسكرتارية العامة، كما تم الاتفاق على اختيار مدينة عنتيبي الأوغندية مقرا للسكرتارية الدائمة، على أن تكون الرئاسة بشكل دوري‮.‬

والحق أن مبادرة حوض النيل تعد بهذه المثابة خطوة إيجابية كبيرة في طريق التعاون بين دول الحوض،‮ ‬حيث لم تقتصر، كغيرها من محاولات التعاون السابقة، على بعض النواحي الفنية فقط، وإنما أضافت إلى ذلك نواحي اقتصادية واجتماعية مهمة، فضلا عن سعيها الحثيث إلى معالجة الجوانب القانونية‮ ‬غير المتفق عليها بين دول حوض النيل،‮ ‬عبر خلق إطار قانوني مؤسسي واحد يكفل للجميع نصيبا عادلا من مياه النيل‮.‬

وهنا،‮ ‬فإنه يتعين الإشارة إلى مشروع الإطار القانوني والمؤسسي للتعاون بين دول حوض النيل، والمعروف اختصارا بمشروع‮ ‬D-3‮.‬ ‮ ‬والذي ينطوي على سعي إلى وضع الإطار القانوني والمؤسسي العام للمبادئ التي تحكم التعاون بين دول حوض النيل فيما يتعلق باستخدام مياهه، على نحو يؤدي، على المدى البعيد، إلى تحديد الأنصبة العادلة والمعقولة لكل منها، وبما يضمن تحقيق الاستخدام الأمثل لمياه النيل لصالح جميع دوله وشعوبه‮.‬

ولقد تم توقيع الاتفاق المتعلق بالمشروع في أكتوبر‮ ‬1995،‮ ‬حيث اتفق وزراء الموارد المائية لدول الحوض على تشكيل لجنة من الخبراء في عدة تخصصات، لاسيما القانونية والهندسية، بواقع ثلاثة خبراء من كل دولة، على أن تكون مهمتها هي تحديد الطريقة والأنشطة التي يمكن من خلالها تعيين الحقوق العادلة والمعقولة المتعلقة باستخدام كل دولة من دول الحوض لمياهه،‮ ‬وتقديم التوصية بخصوصها، وذلك من خلال حصر ودراسة الأطر المؤسسية لأنهار دولية أخرى،‮ ‬واختيار ما يصلح منها لتطبيقها على نهر النيل، وحصر كافة المبادئ القانونية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة،‮ ‬واختيار ما يمكن تطبيقه منها عليه، وكذلك تجميع كل البيانات المناخية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها للوقوف على الاستخدامات الحالية لدول حوض النيل،‮ ‬والاحتياجات المستقبلية لها،‮ ‬مع حصر الموارد المائية المتاحة لكل منها لمواجهة هذه الاحتياجات‮(‬‮ 9).‬

وفي يناير‮ ‬2001،‮ ‬تم بالفعل تشكيل اللجنة الانتقالية، بواقع عضوين عن كل دولة من دول مبادرة حوض النيل التسع‮. ‬ثم قامت اللجنة في فبراير‮ ‬2002‮ ‬بتقديم تقريرها إلى المجلس في دور انعقاده التاسع بالقاهرة، والذي أوصي بضرورة تشكيل اللجنة التفاوضيةNegotiating Committee ، التي تشكلت فعلا في التاسع من ديسمبر‮ ‬2003،‮ ‬من أجل الاتفاق على الشكل النهائي للإطار التعاوني القانوني والمؤسسي لدول حوض النيل‮. ‬وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة التفاوضية قد نجحت بالفعل في حسم بعض نقاط الخلاف التي ثارت بين دول حوض النيل،‮ ‬والتي كان من بينها مبدأ الالتزام بعدم الضرر، ووجوب دراسة الآثار البيئية للمشروعات المزمع القيام بها،‮ ‬ومدى تأثر الدول الأخرى بها‮. ‬

على أن ثمة عددا من نقاط الخلاف التي حالت دون الوصول إلى اتفاق نهائي في هذا الصدد،‮ ‬تمثلت في إصرار كل من مصر والسودان على الآتي‮: ‬أولا‮: ‬وجوب وجود نص صريح في الاتفاقية الإطارية،‮ ‬يضمن عدم المساس بالحصة التاريخية لكل من مصر والسودان، ثانيا‮: ‬الإخطار المسبق عن أية مشروعات تزمع دول المنابع القيام بها،‮ ‬ويحتمل أن تؤثر في حصة الدولتين، وأخيرا‮: ‬أن يكون تعديل الاتفاقية أو أي من ملاحقها بالتوافق العام وليس بالأغلبية، أو في حالة الأخذ بمبدأ الأغلبية أن تكون أغلبية موصوفة تشمل الدولتين‮. ‬ولقد كان الخلاف حول هذه النقاط الثلاث سببا في فشل جولات التفاوض المتعددة،‮ ‬بدءا من كينشاسا في مايو‮ ‬2009،‮ ‬مرورا بالإسكندرية في يوليو‮ ‬2009،‮ ‬ثم كمبالا في سبتمبر‮ ‬2009،‮ ‬ودار السلام في ديسمبر‮ ‬2009،‮ ‬وصولا إلى شرم الشيخ في أبريل‮ ‬‭.‬2010

والحق أنه ليس ثمة شك في أن موقف مصر والسودان، الذي تبدي واضحا في جولات المفاوضات الأخيرة، منذ كينشاسا مايو‮ ‬2009،‮ ‬والقائم على رفض توقيع مشروع الاتفاقية،‮ ‬ما لم يتضمن نصا صريحا على الحقوق المكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل، ووجوب الإخطار المسبق عن أية مشروعات على النهر،‮ ‬تقيمها إحدي دول المنابع، وفقا لإجراءات الإخطار التي اعتمدها البنك الدولي في هذا الشأن، فضلا عن وجوب أن يكون تعديل الاتفاقية أو أي من ملاحقها ليس بالأغلبية،‮ ‬وإنما بالتوافق العام،‮ ‬أو بالأغلبية الموصوفة التي تشتمل على كل من مصر والسودان‮ -‬ هو موقف سليم من الناحية القانونية‮.  ‬وتفصيل ذلك أن مصر والسودان تمسكتا في كينشاسا وما بعدها بنص المادة‮ ‬14B من المشروع، والتي تتحدث عن‮ "‬الأمن المائي‮" ‬والاستخدامات الحالية، باعتبار أن ذلك يمثل البديل الوحيد المقبول للنص على‮ "‬الحقوق التاريخية والمكتسبة‮"‬، والتي تكفلها لمصر والسودان كافة الاتفاقيات السابقة الخاصة بنهر النيل،‮ ‬وحتي لا يفهم من توقيع الدولتين الاتفاقية الإطارية دون هذا النص أنه تنازل منهما عن الاتفاقيات السابقة التي تؤكد هذه الحقوق، عملا بقاعدة أن اللاحق ينسخ السابق‮.‬

والواقع أن تمسك مصر والسودان بحقوقهما التاريخية في مياه النيل ليس مرده إلى ما ورد بشأن هذه الحقوق في اتفاقيات نهر النيل، خاصة اتفاقيتي‮ ‬1929‮ ‬و1959‮ ‬فحسب، وإنما هو أبعد من ذلك بكثير‮. ‬فمرده أساسا إلى استعمال ظاهر لمياه النيل لآلاف السنين،‮ ‬لا يعوقه عائق على الإطلاق، قامت عليه أقدم حضارة في التاريخ دون وجود بديل حقيقي له فيها، ودونما اعتراض من أي أحد كان مقيما طوال هذه الآلاف من السنين على ضفاف النهر، سيما وأن المقيمين عليها خارج مصر كانوا في‮ ‬غير حاجة إليها لإفراط المطر،‮ ‬حيث يقيمون‮. ‬كذلك،‮ ‬فإنه ليس من المنطق في شيء أن تتفق الدول الإفريقية،‮ ‬حديثة العهد بالاستقلال في أوائل الستينيات من القرن الماضي عند إنشائها لمنظمة الوحدة الإفريقية،‮ ‬على التسليم بالحدود المتوارثة عن الاستعمار،‮ ‬بالرغم مما بها من عيوب وتشوهات،‮ ‬حفاظا على الاستقرار في العلاقات الدولية، ثم تثير بعض دول حوض النيل مسألة أن اتفاقيات النهر هي اتفاقيات استعمارية،‮ ‬وأنها‮ ‬غير ملزمة بها، متناسية أن حقوق مصر فيها ليس مردها هذه الاتفاقيات فحسب، وإنما استعمال دائم ومستمر،‮ ‬وظاهر ومستقر لآلاف السنين السابقة، وأن الحديث عنها يهدد فعلا الاستقرار والعلاقات بين دول حوض النيل‮.‬

أما فيما يتعلق بتمسك مصر والسودان بالإخطار المسبق،‮ ‬وفقا للإجراءات التي يجري عليها العمل في البنك الدولي، فهو مما يفترضه حسن النية،‮ ‬ومبدأ الانتفاع المنصف بمياه الأنهار الدولية، وتؤكده كل الوثائق الدولية ذات الصلة‮.‬وفيما يتعلق بمسألة التصويت في شأن تعديل الاتفاقية،‮ ‬أو أي من ملاحقها، فإنه من البدهي أن اختلاف المصالح القائم أو المحتمل في المستقبل بين دول المنابع، وهي الأكثرية الساحقة في حالة نهر النيل، ودول المصب، وهي الأقلية الضئيلة فيه، سيجعل دول المنابع قادرة دون شك على تغيير ما تشاء من بنود الاتفاقية وملاحقها،‮ ‬إذا ما كان التصويت بالأغلبية‮.‬ ومن ثم،‮ ‬فإن مصر والسودان ستكونان في موقف شديد الضعف عند التفكير في تعديل تقترحانه،‮ ‬أو تقترحه دول المنابع أو بعضها‮.‬وهكذا،‮ ‬فإن اعتبارات السياسة والمصالح المتعارضة قد حالت حتي وقتنا الراهن دون الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف،‮ ‬ينظم الانتفاع بمياه نهر النيل،‮ ‬رغم ما هناك من إمكانات ضخمة للمنافع المشتركة بينها‮. ‬وما شروع إثيوبيا في أعمال البناء الفعلي لسد النهضة،‮ ‬دون اكتراث بقواعد القانون الدولي، لا سيما ما يرتبط بالاخطار المسبق،‮ ‬إلا دليلا دامغا على ذلك‮.‬
تدور حركة السياسة الخارجية الإثيوبية، الفاعل الجنوبي في إقليم الشرق الأوسط، عبر عدد من دوائر الحركة، لعل أهمها علي الإطلاق هي دائرة القرن الإفريقي، باعتبارها الدائرة وثيقة الصلة بالأمن القومي الإثيوبي، وكذا لارتباطها المباشر بالدور الإقليمي القائد الذي تطمح إثيوبيا إلي القيام به. وإلي جانب هذه الدائرة، توجد دوائر أخري هي: حوض النيل، والبحيرات العظمي، والتجمعات الإقليمية الإفريقية، والشرق الأوسط.

وهذه الدائرة الأخيرة تحديدا هي محور اهتمام هذه الورقة البحثية. وتبدو أهميتها في ضوء أن صناع القرار في إثيوبيا ينظرون تاريخيا إلي الشرق الأوسط باعتباره أحد الأقاليم المؤثرة سلبا وإيجابا في الأمن القومي لبلادهم، وذلك مقارنة بغيرها من دول إفريقيا جنوب الصحراء. فضلا عن ذلك، فقد تبلور أخيرا بعض المتغيرات التي تضفي أهمية كبري علي الدور الإثيوبي في التفاعلات الشرق أوسطية.

انطلاقا مما تقدم، سوف يتم التركيز علي عدد من المحاور، هي: محددات السياسة الخارجية الإثيوبية تجاه الشرق الأوسط، وأهم المصالح الإثيوبية في الإقليم، والأدوات التي تستخدمها في هذا الصدد، وسلوك السياسة الخارجية الإثيوبية تجاه قضايا الإقليم.

بالنسبة لمحددات السياسة الخارجية الإثيوبية، فهي تنقسم إلي محددات داخلية وأخري خارجية. المحددات الداخلية يأتي في مقدمتها: الوضع الجيوبوليتيكي، والمواريث التاريخية والدينية، والتعددية الإثنية، والقدرات الاقتصادية والعسكرية.

فيما يتعلق بالوضع الجيوبوليتيكي، فإثيوبيا تاريخيا تعاني عقدة أنها " دولة حبيسة "، باستثناء فترة ضمها لإريتريا (1952-1993). كما أنها ترتفع عن سطح البحر، بينما تجاورها مناطق منخفضة نسبيا. وهي أيضا تشترك في حدود يبلغ طولها (5328 كم) مع ست دول عربية وإفريقية، مما يزيد من حجم مشكلاتها مع دول الجوار. وقد أسهمت هذه العوامل في ترسخ "الإحساس بالعزلة " لدي صناع السياسة في إثيوبيا، وصبغ العلاقات الإثيوبية مع دول الجوار بظلال من الشك والريبة، مما جعلها في حالة بحث مستمر عن توسيع دوائر حركة سياستها الخارجية، والامتداد خارج نطاق دائرة القرن الإفريقي وحوض النيل والبحر الأحمر.

أما المواريث التاريخية والدينية، فتتمثل في الصلات القديمة بين الحبشة "الاسم القديم إثيوبيا" والقبائل التي كانت تقطن الجزيرة العربية، وامتداد التأثير المسيحي والإسلامي إلي إثيوبيا عبر ساحل البحر الأحمر. فالمسيحية انطلقت من الشرق الأوسط إلي إثيوبيا، ليعتنق الإثيوبيون المسيحية، قبل كثير من شعوب العالم. ولمدة تزيد علي 1600 عام، كان بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية يأتون من مصر إلي إثيوبيا. والإسلام أيضا، وجد الملاذ الآمن في إثيوبيا، في الوقت الذي كان يحارب فيه في الجزيرة العربية. لكن بالرغم من أن المسيحية والإسلام أصبحا جزءا لا يتجزأ من ثقافة وقيم وحضارة الشعب الإثيوبي، فإن إثيوبيا تصر علي تقديم نفسها للعالم، باعتبارها "جزيرة مسيحية وسط بحر مسلم".

أما عن التعددية الإثنية، فيتسم المجتمع الإثيوبي بالتنوع الإثني واللغوي والثقافي، حيث يضم نحو 85 جماعة إثنية، أكبرها عددا جماعة الأورومو (40%) من السكان، وأكثرها تحكما في السلطة جماعة الأمهرة (25%)، التي تسيطر علي الحكم والسياسة في البلاد منذ عهد الأسرة السليمانية (1270م). كما توجد جماعات أخري مثل التجراي (7%)، التي ينتمي إليها نظام ميليس زيناوي، والصوماليين (6%)، والعفر (4%). كما يدين سكان إثيوبيا بديانات عديدة، أهمها: الإسلام (55%)، والمسيحية (35%)، والديانات التقليدية (8%). والأمهرية هي اللغة الرسمية للدولة إلي جانب لغات عديدة أخري.

ومع ضعف قدرة النظم الإثيوبية المتعاقبة علي إدارة هذا المجتمع التعددي، فقد حال ذلك دون تحقيق الاندماج الوطني، وأسهم في تفجر المشكلة القومية داخل الدولة، خاصة أن الدستور الإثيوبي يسمح للجماعات القومية بالحق في تقرير المصير، مما أدي إلي تنامي مطالب الجماعات المضطهدة بالانفصال عن الدولة المركزية، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا لكيان الدولة ذاتها.

وبالنسبة للقدرات الاقتصادية، فإن إثيوبيا دولة زراعية، حيث يسهم الإنتاج الزراعي فيها بنحو 45% من الناتح المحلي الإجمالي، وتستوعب نحو 85% من الأيدي العاملة. ويعتمد دخلها القومي بالأساس علي تصدير محصول البن، الأمر الذي يجعل اقتصادها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية، ويجعلها أيضا في حالة اعتماد دائم علي القروض والمعونات الخارجية، مما دفعها إلي تدعيم علاقاتها مع دول الخليج النفطية، وكذا إسرائيل وتركيا وإيران، من أجل سد الفجوات الغذائية لشعبها، الذي يبلغ تعداده 85 مليون نسمة، ويقبع 40% منه تحت خط الفقر.

وبالنسبة للقدرات العسكرية، فإثيوبيا هي أكبر قوة عسكرية في القرن الإفريقي، من حيث حجم القوات المسلحة، وكذا من حيث الإنفاق الدفاعي (1.2% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2009)، يليها في ذلك السودان، الأمر الذي يعطي أديس أبابا نوعا من التفوق العسكري النسبي، مقارنة بمحيطها الإقليمي المباشر، ويزيد من درجة الاعتماد عليها من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل في تنفيذ مخططاتهما في القرن الإفريقي والبحر الأحمر وحوض النيل.

وبخصوص المحددات الخارجية، فأهمها المتغيرات الراهنة علي المستويين الدولي والإقليمي. فعلي المستوي الدولي، تسعي الولايات المتحدة وحلفاؤها إلي مواصلة الحرب العالمية ضد "الإرهاب"، وتأمين الهيمنة علي إمدادت النفط والموارد الاستراتيجية، والسيطرة علي طرق التجارة العالمية، والقضاء علي بؤر التهديد الآنية والمستقبلية لمصالحها، بما يقتضيه ذلك من إعادة ترتيب الأوضاع في القرن الإفريقي والشرق الأوسط علي النحو الذي يضمن ويعظم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وعملائها الإقليميين.

أما المتغيرات الإقليمية، فأهمها حالة الفوضي المتنامية في الصومال، وتزايد الطموح الإريتري في القيام بدور إقليمي منافس، والتطورات الدراماتيكية في السودان، إثر انفصال الجنوب في يناير 2011، وتصاعد الصراع في دارفور منذ عام 2003، وتصاعد المشكلة المائية في حوض نهر النيل، واحتدام الجدل بشأن إعلان قيام الدولة الفلسطينية، والثورات والاحتجاجات التي باتت تموج بها المنطقة العربية.

في ظل هذه المتغيرات، تحرص إثيوبيا علي إبراز دورها كقوة إقليمية قادرة علي خدمة المصالح الأمريكية - الغربية في القرن الإفريقي والشرق الأوسط، لا سيما المصالح الخاصة بمحور واشنطن - تل أبيب، مع العمل في الوقت ذاته علي استثمار المنافسة بين أقطاب النظام الدولي في خدمة المصالح الوطنية الإثيوبية.

وقد سبق لإثيوبيا أن أدت هذا الدور بنجاح أكثر من مرة. فاستفادت في عهد هيلاسيلاسي من المساعدات الأمريكية السخية، التي قدمتها واشنطن بهدف موازنة النفوذ السوفيتي في القرن الإفريقي والشرق الأوسط. ثم ارتبطت في عهد مانجستو (1974-1991) بالاتحاد السوفيتي، الذي وجد فيها آنذاك بيئة خصبة لنشر الفكر الماركسي، مقارنة بالصومال ذات النزعة الدينية القومية. ثم عادت لتغير وجهتها شطر واشنطن، مع وصول نظام الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا بقيادة ميليس زيناوي إلي سدة الحكم عام 1991.

انطلاقا من هذه المحددات، تحرص إثيوبيا علي ضمان وتعظيم مصالحها الوطنية، التي يأتي في مقدمتها: الحفاظ علي وحدتها وسلامتها الإقليمية، وتأمين منفذ مباشر علي البحر الأحمر، والاستفادة من الموارد المائية المتاحة لديها، وإصلاح أوضاعها الاقتصادية المتدهورة، وتدعيم دورها كقوة إقليمية، بما يتناسب مع ميراثها التاريخي والحضاري.

وفي هذا الإطار، تثور قضيتان متكاملتان، أولاهما تتعلق بمدي التزم النظام الإثيوبي بالمبادئ المعلنة لسياسته الخارجية، وترتبط الأخري بأثر المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية في سلوك السياسة الخارجية الإثيوبية تجاه القضايا الراهنة في إقليم الشرق الأسط، وفي مقدمتها: الأزمة المائية في حوض نهر النيل، ومحاربة الإرهاب، والمسألة السودانية، والبرنامج النووي الإيراني، والصراع العربي - الإسرائيلي، وأخيرا الثورات العربية الراهنة.

بالنسبة للأزمة المائية، أكدت إثيوبيا أن هذه الأزمة تنبع من اختلاف الرؤي بين دول منابع النيل ودولتي المصب "مصر والسودان" بشأن المعيار العادل لتقاسم المياه، والمشروعات ذات الأولوية في حوض النيل.

ففي حين تتبني مصر والسودان معيار "التقاسم بحسب الحاجة"، كمعيار عادل لتقاسم المياه، تتبني إثيوبيا -ومعها دول المنابع- معيارا آخر يستند إلي عاملين هما: مساحة حوض النهر الذي يمر عبر أراضي الدولة، وإسهام كل دولة في الإيراد المائي للنهر. وبالاستناد إلي العامل الأول (مساحة الحوض)، تأتي السودان في المرتبة الأولي من حيث النصيب المفترض في مياه النيل، وتليها إثيوبيا. وبالقياس إلي العامل الثاني (الإسهام المائي)، ينبغي أن تحصل إثيوبيا علي النصيب الأكبر من مياه نهر النيل، وأن تأتي مصر في المؤخرة.

كما تتقاطع وجهات النظر الإثيوبية أيضا مع مصر بشأن المشروعات المائية ذات الأولوية، حيث تعطي إثيوبيا الأولوية لصالح ثلاثة أنواع من المشروعات هي مشروعات: توليد الطاقة الكهربائية، ونقل المياه إلي المناطق القاحلة، واستصلاح الأراضي والتحول إلي الزراعة المروية. وهو ما يختلف بالطبع عن الأولويات المصرية، التي تركز بالأساس علي مشروعات استقطاب الفواقد المائية، لا سيما من منطقة السدود في دولة جنوب السودان الوليدة.

وقد بلغ الاستقطاب في الموقف الإثيوبي والمصري ذروته، مع توقيع اتفاق عنتيبي في 14 مايو2010، وتوالي انضمام دول الحوض إليه، بما يضرب الأمن القومي لمصر والسودان في الصميم، حيث إن الاتفاق الجديد يأخذ قضايا المياه إلي مسار بعيد عن مبادرة حوض النيل، الموقعة عام 1999. كما أنه يعني ضمنيا عدم الاعتراف بالحقوق التاريخية والمكتسبة لدولتي المصب بموجب اتفاقيتي 1929، و1995.

والحقيقة أن إثيوبيا تحرص علي استثمار ملف الأزمة المائية في تحقيق هدفين أساسيين، بالإضافة إلي تعظيم مواردها المائية، وهما: الهروب من مشكلاتها السياسية والاقتصادية الداخلية إلي الأمام، بافتعال أزمة خارجية مع مصر، وتأكيد قدرتها علي مساعدة إسرائيل في تحقيق حلمها باقتناص حصة من مياه النيل. ولعل في زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، لإثيوبيا ودول منابع النيل في سبتمبر 2009 ما يؤكد صحة هذا الاستنتاج، خاصة أنها كانت الزيارة الأولي لوزير خارجية إسرائيلي لإثيوبيا منذ أكثر من عشرين عاما.

إثر ذلك، ازداد التوتر في العلاقات الإثيوبية - المصرية، ولم تخف حدته، إلا بعد قيام الثورة المصرية في 25 يناير2011، وما أعقب ذلك من زيارات شعبية ورسمية مصرية لأديس بابا، حيث تعهد رئيس الوزراء الإثيوبي بعدم التصديق علي اتفاق عنتيبي إلا بعد استقرار الأوضاع في مصر بعد الثورة. وبالرغم من أن هذا التعهد لا يلزم إثيوبيا قانونا، فإنه بادرة ينبغي لمصر استثمارها، من أجل تصحيح مسار العلاقات السياسية والمائية مع إثيوبيا.

أما عن الدور الإثيوبي في محاربة الإرهاب، فقد حرصت إثيوبيا علي استثمار هذه القضية في  دعم مصالحها الوطنية إزاء كل من الصومال وإريتريا، وكذا تقديم نفسها كحليف إقليمي قادر علي خدمة الأهداف الأمريكية في هذا الصدد.

بالنسبة للصومال، تسعي إثيوبيا بشكل دائم إلي إيجاد صومال مقسم إلي دويلات، أو صومال به نظام مركزي قائم علي توازنات هشة تجعل درجة اعتماده علي إثيوبيا كبيرة، وذلك حتي لا ينشأ فيها نظام قوي يسعي لاستعادة إقليم أوجادين، الذي سبق أن اقتطعته إثيوبيا، أو يمكنه منعها من استخدام الموانئ الصومالية، كما فعلت إريتريا، أو يطالبها بمقابل كبير في سبيل استخدام الموانئ، علي نحو ما فعلت جيبوتي. كما تسعي إثيوبيا إلي تأمين حدودها الشرقية، من خلال توقيع اتفاقيات أمنية لمراقبة الحدود مع الصومال، بحيث تتم تصفية القواعد الخلفية لحركة الأورمو، وجبهة تحرير الأوجادين، وجبهة الاتحاد الإسلامي، وهي كلها حركات انفصالية معارضة للنظام الإثيوبي، تنطلق من قواعد خلفية في الصومال.

أما إريتريا، فتحرص إثيوبيا علي تحجيم طموحاتها في القيام بدور إقليمي فاعل، يمكنها من خلاله تهديد المصالح والثوابت الإثيوبية في الإقليم، وهو الأمر الذي تبدو أهميته القصوي منذ عام 1998، الذي اندلع فيه النزاع الحدودي الإثيوبي- الإريتري.

وعلي ذلك، دعمت إثيوبيا كلا من جمهورية "صومالي لاند"، وجمهورية "بونت لاند"، وجمهورية "جنوب غرب الصومال". كما انضمت إلي ما عرف ب- "تجمع صنعاء"، الذي ضم كلا من إثيوبيا (صاحبة الفكرة)، واليمن، والسودان، وسعي لضم جيبوتي وكينيا والصومال، والذي كان من بين أهدافه المعلنة محاربة الإرهاب، وبالطبع علي رأس أهدافه غير المعلنة محاصرة النفوذ الإريتري. كما قدمت إثيوبيا للمخابرات الأمريكية معلومات تفيد بوجود عناصر لتنظيم القاعدة في الصومال، وأن هذه العناصر تستفيد من الدعم العسكري والمادي الإريتري.

ومع تنامي نفوذ اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال، تدخلت إثيوبيا عسكريا -بدعم أمريكي كامل- للإطاحة باتحاد المحاكم في ديسمبر 2006، دعما لحكومة عبد الله يوسف، ثم عادت لتساند اتحاد المحاكم الإسلامية، بعد وصول قائدها شيخ شريف شيخ أحمد إلي سدة الحكم في 31 يناير 2009، وذلك في مواجهة المعارضة الإسلامية الصومالية، المتحالفة مع تنظيم القاعدة في القرن الإفريقي، والمدعومة بالطبع من إريتريا.

وبالنسبة لقضية انفصال جنوب السودان، فقد اتخذت أديس أبابا موقفا متوازنا من شمال وجنوب السودان، فأكدت حرصها علي استقرار السودان ككل، مع تقديرها الكامل لخيار الانفصال الذي اختاره أبناء الجنوب.

ويعود تفسير هذا الموقف إلي أن إثيوبيا هي دولة المقر للاتحاد الإفريقي، ومن ثم فهي لا تريد الاصطدام بالخرطوم، أو بالحركة الشعبية. كما أنها ترتبط بعلاقات ومصالح متميزة مع كلا الطرفين، فهي تحصل علي النفط السوداني بمزايا تفضيلية، وتستورد احتياجاتها من البضائع والسلع عبر ميناء بورتسودان. وترتبط مع السودان في مشروعات للربط الكهربائي، وشبكات الطرق. فضلا عن أن السودان يؤوي علي أرضه أعدادا كبيرة من اللاجئين الإثيوبيين.

يأتي هذا الموقف الإثيوبي في الوقت الذي ينذر فيه انفصال الجنوب بتداعيات وخيمة علي إثيوبيا، ربما تجعلها الخاسر الأكبر، جراء هذا الانفصال، الذي من المرجح أن يسهم في تغذية النعرات الانفصالية في إثيوبيا، لا سيما من جانب جماعة الأورمو، وإقليم أوجادين، الذي يعد أبناؤه أنفسهم جزءا من الصومال الكبير. كما أن حدوث مواجهات عسكرية بين شمال وجنوب السودان من شأنه أن يدفع الآلاف من السودانيين إلي اللجوء إلي إثيوبيا، نظرا للتداخل بين قبائل "النوير والأنواك" في كلتا الدولتين. وربما تثور أيضا بعض النزاعات الحدودية بينهما، لا سيما أن إثيوبيا هي صاحبة أطول حدود مع السودان، وأن ترسيم الحدود بين إثيوبيا والجنوب السوداني لم يتم بشكل نهائي.

ولكن في تقديري أن العلاقات الوثيقة بين إثيوبيا واشنطن هي ما جعلت أديس ابابا تؤيد خيار انفصال الجنوب، علي أساس أن الولايات المتحدة في هذه الحالة سوف تكون ضامنا أساسيا للوحدة الإثيوبية.

وفيما يختص بالموقف الإثيوبي من الثورات والاحتجاجات في العالم العربي، أكد ميليس زيناوي في مرات عديدة احترامه لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، واختيار نظم الحكم فيها. ولكنه كان أكثر تفاعلا مع الثورة المصرية، فأعلن تقديره للثوار المصريين، معربا عن أمله في أن تسهم الثورة في تقدم العلاقات بين بلاده ومصر، مؤكدا في الوقت ذاته أن إثيوبيا لم تكن لديها مشكلة مع الشعب المصري، وإنما كانت لديها مشكلة مع النظام المصري السابق، الذي يري زيناوي أن سياساته أسهمت في إيجاد أجواء من التوتر في إقليم حوض النيل.

لكن بعيدا عن هذه المواقف المعلنة، يبدو أن الثورة المصرية والاحتجاجات في المنطقة قد وضعت النظام الإثيوبي في مأزق، خاصة أنها تركزت في دول ذات أنظمة حكم قابعة في السلطة لمدد طويلة تتراوح بين العشرين والأربعين عاما، مما دفع الشعوب إلي الخروج عليها، بحثا عن التغيير. وينطبق ذلك علي حالة النظام الإثيوبي، الذي يقبع في السلطة منذ عشرين عاما، ممسكا عليها بقبضة حديدية، دون أن يقدم الكثير للخروج بالشعب من أزماته الطاحنة. بل إن العكس هو الصحيح، حيث انشغل النظام بالبحث عن القروض والمنح الخارجية، والتورط في صراعات القرن الإفريقي، إلي أن سقط في المستنقع الصومالي، وتورط في نزاع حدودي مع إريتريا.

وبالفعل، انتقلت رياح التغيير التي هبت علي الشرق الأوسط، عبر الأحمر الأحمر، لتصل إلي أديس أبابا، فتعالت مطالبات المعارضة الإثيوبية من أجل استحضار "الربيع العربي" في الإطاحة بنظام زيناوي. ودعت المعارضة إلي احتشاد الشباب والمجتمع المدني لتنظيم ما سموه "يوم الغضب" ضد النظام، أسوة بيوم الغضب في مصر والدول العربية. وبالفعل، احتشد الآلاف للمطالبة برحيل نظام زيناوي، في ميدان "ميسكل" في أديس أبابا، وغيره من الميادين العامة في البلاد، وذلك في ذكري العيد الوطني في 28 مايو 1102. بيد أن القبضة الحديدية للنظام الإثيوبي، وتشرذم المعارضة، والدعم الغربي، لايزال يعطي الفرصة للنظام الإثيوبي للبقاء والاستمرار.

أما عن الموقف الإثيوبي من الصراع العربي - الإسرائيلي، فتري إثيوبيا أن هذه القضية تثير حساسية الدول العربية، بما فيها الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، إزاء تنامي العلاقات الإثيوبية - الإسرائيلية، والأمر ذاته ينطبق علي إسرائيل، التي ترتاب كثيرا في أي علاقات متنامية بين إثيوبيا والدول العربية.

في هذا الإطار، تتبني إثيوبيا سياسة رسمية معلنة، تري أهمية اتباع سياسة متوازنة بين العرب وإسرائيل، بعيدة عن تقلبات العلاقات بين الجانبين، وضرورة احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، عبر تسوية سلمية تفاوضية للصراع. بيد أن الموقف الإثيوبي الفعلي يغلب عليه الانحياز لإسرائيل، ويبدو ذلك واضحا بالنظر إلي السلوك التصويتي لإثيوبيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة إزاء قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي.

إذ تنظر إثيوبيا إلي علاقاتها مع إسرائيل باعتبارها "علاقات تاريخية"، وأنه باستثناء الفترة التي قطعت فيها العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، فهي تري العلاقات مع إسرائيل "قوية وصحية جدا"، خاصة بعدما تمت تسوية المشكلات التي كانت تعرقل مسيرة هذه العلاقات، وفي مقدمتها قضية "تهجير يهود الفلاشا"، بالإضافة إلي إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في نوفمبر3991.

أما عن التعاون الإثيوبي مع القوي الإقليمية في الشرق الأوسط، فإنه يحتل أهمية محورية في السياسة الخارجية الإثيوبية، خاصة مع إسرائيل وتركيا وإيران، ودول الجزيرة العربية.

بالنسبة لإسرائيل، أصبحت إثيوبيا أكثر اعتمادا عليها في الآونة الأخيرة في مجال الاستثمار الزراعي، والمشروعات المائية، والتجارة الخارجية، التي نمت أخيرا بين الدولتين بشكل غير مسبوق.

أما تركيا، فينظر صناع السياسة الإثيوبية إليها كسوق واسعة وقريبة، وكدولة قطعت شوطا مهما علي طريق نبذ التطرف الديني، والإصلاح السياسي، والتطور الديمقراطي، وأنها لا تشكل تهديدا آنيا أو مستقبليا للأمن القومي الإثيوبي. وبالتالي، يصبح توثيق العلاقات معها أمرا حيويا من أجل تدعيم وتعظيم المصالح الاقتصادية الإثيوبية، خاصة في مجالات التجارة الخارجية، والاستثمارات، والمساعدات التقنية، والمشروعات المائية، حيث تشترك الدولتان في الإيمان بمبدأ الاستخدام العادل والمنصف للمياه.

وعلي ذلك، أعادت إثيوبيا افتتاح سفارتها في أنقرة في عام 2006، بعد أن كانت قد أغلقت في عام 1976، لأسباب مالية. كما تبنت إثيوبيا سياسة من شأنها جذب الاستثمارات التركية إلي السوق الإثيوبية، وتقوية الروابط بين مؤسسات الأعمال في البلدين، وتطوير المنتجات الإثيوبية لتصبح قادرة علي دخول السوق التركية، والقضاء علي أي معوقات تحول دون تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين.

وينطبق الأمر ذاته علي إيران، التي تنظر إليها إثيوبيا كدولة ذات علاقات قديمة معها، وكشريك اقتصادي محتمل. كما تري إثيوبيا أن إيران لا تمثل خطرا بالنسبة لأمنها القومي، باستثناء بعض المشكلات التي يمكن أن تنجم عن الدعم الإيراني لبعض الجماعات الإسلامية التي تصنفها إثيوبيا كجماعات متطرفة.

وقد تطورت العلاقات بين الطرفين في الوقت الراهن، وانعكس ذلك في توافق سياساتهما (الرسمية) في كثير من القضايا الدولية، وفي مقدمتها القضية الفلطسنية، وقضية البرنامج النووي الإيراني، حيث أعلنت إثيوبيا في مناسبات عديدة تأييدها لحق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية. كما نما حجم التجارة الثنائية بينهما من 19 مليون دولار عام 2004 إلي 35 مليون دولار عام 7002، فضلا عن الزيارات المتبادلة بين مسئولي الدولتين، ومنها لقاء وزير الخارجية الإيراني بالمسئولين الإثيوبيين، لدي زيارته أديس أبابا لحضور القمة الثانية عشرة للاتحاد الفريقي في يناير 9002.

أما دول الجزيرة العربية، فتنظر إليها إثيوبيا باعتبارها فرصة سانحة ينبغي استثمارها، كمصدر للنفط، وسوق رائجة أمام منتجاتها الزراعية، ومصدر مهم للاستثمارات الأجنبية، لا سيما في قطاعي الزراعة والري، وكشريك مهم في تحقيق الأمن والسلم في إقليمي القرن الإفريقي والشرق الأوسط.

لكن علي المستوي الفعلي، يغلب الشك المتبادل علي العلاقات بين إثيوبيا ومعظم دول الجزيرة العربية، وهو ما ترجعه إثيوبيا إلي الدور المصري، وامتداد نشاط الجماعات الإسلامية المتطرفة إلي إثيوبيا. وبالرغم من ذلك، تتمتع أديس أبابا بعلاقات وطيدة مع اليمن، وتري أنها أكثر دول الجزيرة العربية إيجابية إزاء القضايا الإثيوبية. فيما تحتل السعودية المركز الأول بين دول الشرق الأوسط كشريك تجاري بالنسبة للصادرات والواردات الإثيوبية. بيد أن انخراط دول الخليج العربي في الاستثمار في المشروعات الزراعية الإثيوبية أدي إلي انفراج ملحوظ في العلاقات بين الجانبين.

وختاما، يلاحظ أن المصلحة الوطنية الإثيوبية كانت هي العامل الحاسم المؤثر في سياستها الخارجية في إقليم الشرق الأوسط، وأن الرغبة في القيام بدور إقليمي فاعل، ومواجهة الأزمات الاقتصادية الداخلية، كانت هي العامل الأهم في هذا الصدد، وأن السياسة الرسمية المعلنة كانت تختلف كثيرا عن المواقف الفعلية، تحت إلحاح المصلحة الوطنية. بيد أن قدرة النظام الإثيوبي علي التعامل مع مختلف الأطراف في الشرق الأوسط، بما في ذلك ذات المصالح المتقاطعة، وأعني هنا إسرائيل وإيران، هي أهم ما يحسب للسياسة الخارجية الإثيوبية في الشرق الأوسط، وذلك علي خلاف نظم حاكمة أخري، ضحت بإيران والعرب والنيل من أجل إسرائيل.

ليست هناك تعليقات:

The red junglefowl (Gallus gallus), also known as the Indian red junglefowl غالوس غالوس الدجاجة قبل البيضة جاءت.

  باختصار، وردا على السؤال الذي حير العالم عبر التاريخ وهو: "أيهما جاء أولاً الدجاجة أم البيضة؟"، يقول العلماء إن البيضة تطورت أول...