في حديث حصري وعبر وسيط موثوق، جدد سيف الإسلام القذافي نجل الرئيس المقتول معمر القذافي اتهاماته لنيكولا ساركوزي في قضية تمويل حملته الانتخابية في 2007. وهي المرة الأولى منذ العام 2011 التي يقبل فيها سيف الإسلام، المطلوب من قبل محكمة العدل الدولية، الحديث كتابيا مع صحافية إذاعة فرنسا الدولية هدى ابراهيم ويشرح موقفه من هذه القضية. ياتي ذلك بعد 15 يوما من بدء محاكمة الرئيس الفرنسي السابق و11 آخرين في نفس القضية.
بينما يواجه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي (2007/2012) مجددا القضاء الفرنسي في قضية التمويل المحتمل لحملته الانتخابية في 2007 من قبل ليبيا، وبالتحديد من طرف زعيمها المقتول معمر القذافي، استطاعت الصحافية في إذاعة فرنسا الدولية هدى ابراهيم أن تنفرد بحوار خاص مع الابن الثاني للقائد الليبي السابق قدم من خلاله العديد من التفسيرات والمعلومات بشأن هذا الملف الذي يحاول القضاء الفرنسي منذ سنوات فك خيوطه المتشابكة.
ونظرا للوضع الذي يتواجد فيه سيف الإسلام، إذ لا يزال مطلوبا من قبل محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، لم تستطع الصحافية أن تتكلم معه مباشرة، لكنها تمكنت من القيام بذلك عبر شخص يثق به من محيطه المقرب نظرا لكونه لا يستخدم الهاتف في المحادثات الهاتفية الدولية، وذلك لتجنب تحديد المكان الذي يتواجد فيه. وجدير بالذكر أنها المرة الأولى منذ العام 2011 التي يدلي فيها سيف الإسلام بتصريح لوسيلة إعلامية بشأن قضية التمويل الليبي لحملة الرئيس نيكولا ساركوزي الانتخابية عام 2007.
ضغوطات من قبل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي
هذا، وحين تقدمت إذاعة فرنسا الدولية يوم 6 يناير/كانون الثاني 2025 بطلب إلى شخص من محيط سيف الإسلام القذافي، مجددة رغبتها في إجراء مقابلة، لم يكن الوسيط متفائلا حيث قال: "سأطرح السؤال، لكن لا شيء مؤكد ".
اقرأ أيضامحاكمة ساركوزي في قضية تمويل حملته الانتخابية الرئاسية تعيد تسليط الضوء على علاقته الوثيقة بالقذافي
ثم في المساء من نفس اليوم كانت هناك استجابة منه. فالوسيط أكد أن سيف الإسلام لا يعطي مقابلة، لكنه يقبل بإعطاء شهادته في القضية. ليرسل إلى الصحافية صفحتين مكتوبتين بالفرنسية بمبادرة منه. النص لا يستخدم صيغة المتكلم، لنفهم لاحقا أن ذلك عائد لكون النص ترجم من العربية وأن المترجم ارتأى الحديث عن سيف الإسلام بصيغة الغائب بدل استخدام صيغة الأنا. الإجابة وصلت عبر الوسيط وتأكدت إذاعة فرنسا الدولية على طريقتها الخاصة من هوية سيف الإسلام أثناء المحادثة المكتوبة.
وخلال المحادثة غير المباشرة، ذكر سيف الإسلام بأنه سلم شهادته عام 2018 للقاضي الفرنسي سيرج تورنير المكلف بالتحقيق في هذه القضية السياسية والمالية. كما أكد أن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي مارس عليه عدة ضغوط عبر مجموعة وسطاء حتى يتراجع عن شهادته أمام القضاء الفرنسي.
إقفال ملف محكمة العدل الدولية؟
بحسب سيف الإسلام، فإن أول طلب وجه إليه من قبل نيكولا ساركوزي ليغير شهادته بخصوصه تم عام 2021، عن طريق السيدة سهى البدري، وهي مستشارة ومختصة في الاتصالات في باريس. سيف الإسلام أكد أن ما اقتُرح عليه هو أن ينفي ما يشاع عن دعم ليبي لساركوزي في حملته الانتخابية. لكن في مقابل ماذا؟ يقول سيف الإسلام: مقابل تقديم المساعدة له لإقفال ملفه أمام محكمة العدل الدولية التي لا زالت تلاحقه لغاية اليوم.
ودائما بحسب سيف الإسلام، فإن محاولة ثانية تمت عام 2022، عبر وسيط جديد مرسل من طرف نيكولا ساركوزي، لكن الوسيط تواصل في هذه المرة مع هنيبعل القذافي، أخوه الأصغر المحتجز في لبنان منذ عدة سنوات. الشخص يحمل جنسية ساحل العاج، ويدعى نويل ديبيس، واسمه مذكور في محضر الاتهام في قضية التمويل الليبي المفترض لحملة نيكولا ساركوزي الانتخابية، ولكن أيضا في قضية كراتشي الخاصة بعقود بيع أسلحة.
اقرأ أيضاقضية التمويل الليبي، قضية فساد على مستوى الدولة الفرنسية
هذا، وفند سيف الإسلام بأن نويل ديبيس، ذهب إلى بيروت ومارس ضغوطا على هنيبعل "مؤكدا له إمكانية إخراجه من السجن، في حال غير سيف الإسلام شهادته لصالح ساركوزي". هنيبعل، الابن الأخير للقذافي محتجز في بيروت منذ العام 2015، في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر. ويطالب لبنان ليبيا بمعلومات حول اختفائه من طرابلس التي شوهد فيها آخر مرة في أغسطس من العام 1978.
كما أكد أيضا سيف الإسلام أن محاولة ثالثة للضغط عليه جرت هذه المرة في تاريخ لاحق لم يحدده، عبر وسيط فرنسي من أصل عربي، لم يرغب بالكشف عن هويته. ولكن، يؤكد ابن القائد الليبي أن الأمر لا يتعلق لا بألكسندر جوهري ولا بزياد تقي الدين، اثنين من كبار الوسطاء في قضية التمويل الليبي المفترض لحملة نيكولا ساركوزي. جوهري وتقي الدين كلاهما متهم في إطار هذه القضية. سيف الإسلام أفاد بأنه "رفض بشكل قاطع" كل هذه المطالب.
لم يتسن لإذاعة فرنسا الدولية التحقق من جهة مستقلة من تصريحات سيف الإسلام. وتجدر الإشارة إلى أن أمر الإحالة إلى محكمة الجنايات يذكر عدة حالات ضغط مورست على شهود في إطار هذه القضية.
"التصريحات ليست خيالية فحسب بل انتهازية" وفق محامي ساركوزي
حول هذه التصريحات توجهت إذاعة فرنسا الدولية بالسؤال لكريستوف إينغران، محامي الرئيس ساركوزي الذي علق بالقول: إن هذه التصريحات "ليست خيالية فحسب، بل انتهازية لأنها تأتي أثناء المحاكمة التي بدأت للتو وهي تصدر عن شخص، يطلق منذ عشر سنوات اتهامات لا تستند إلى شيء، ولا يؤكدها شيء". ويضيف المحامي: "هو يعد منذ عشر سنوات بوضع الوثائق التي تؤكد أقواله أمام القضاء، لكن إلى اليوم، لا يوجد شيء في ملف القضية. هذه الاتهامات، هي إذن بالنسبة لي، مجرد ثرثرة خيالية ليس لها أية أهمية".
إذاعة فرنسا الدولية اتصلت بسهى البدري التي نفت كونها نقلت لسيف الإسلام عام 2021 "هذا النوع من الرسائل". وقالت "غير صحيح بالمرة". أما بخصوص علاقاتها بالرئيس السابق ساركوزي، فشرحت سهى البدري أن نيكولا ساركوزي كان محاميها في الثمانينيات، وأنها كانت عضوة فاعلة في الحزب اليمني الاتحاد من أجل حركة شعبية (UMP) وأنها دعمت ترشح ساركوزي للانتخابات قبل أن تعيد بطاقة عضويتها في الحزب وتنقطع علاقاتها معه.
بدورها اتصلت إذاعة فرنسا الدولية بأحد محامي هنيبعل القذافي في بيروت، الذي أكد للإذاعة، نقلا عن هنيبعل القذافي بأن نويل ديبيس تقدم له فعليا بمثل هذا الاقتراح عام 2022، تماما مثل أخيه.
قضية الاعتداء على طائرة الدي سي 10 التابعة لشركة
الي تي آ
خلال المحادثة المتبادلة كتابة مع إذاعة فرنسا الدولية، عاد سيف الإسلام أيضا لتناول الدور الذي يؤكد أنه لعبه شخصيا في مسألة التمويل الليبي: "ساركوزي حصل نقدا على مبلغ مليونين ونصف مليون دولار من ليبيا" لتمويل حملته الانتخابية عام 2007 يقول: "في مقابل هذا المبلغ، كان على ساركوزي أن ينجز عقودا ويحقق مشاريع لصالح ليبيا".
وحصل نيكولا ساركوزي على مبلغ آخر قيمته مليونين ونصف مليون دولار، نقدا كذلك. المبلغ تم تسليمه لمقربين من ساركوزي بحسب سيف الإسلام الذي لا يحدد متى تم ذلك، لكنه يؤكد بأن السلطات الليبية كانت تنتظر في مقابل ذلك أن تضع فرنسا حدا للملاحقات في ملف الاعتداء على طائرة الدي سي 10 التابعة لشركة الي تي آ، والتي ذهب ضحيتها 170 شخصا بينهم 54 فرنسيا عام 1989. كانت السلطات الليبية ترغب أيضا بسحب ستة أسماء متورطة في القضية من قائمة الاتهام. وبين المتورطين، عبد الله السنوسي، مدير المخابرات الخارجية الليبية وصهر الزعيم القذافي.
سيف الإسلام يؤكد أنه قام بنفسه باقتراح هذا المبلغ على الرئيس الفرنسي السابق مقابل وضع حد للملاحقات ويقول إنه قام بنفسه بالإشراف على إيصال المال نقداً.
وهو يؤكد أن حقائب المال سلمت لكلود غيان الذي كان في حينه يدير مكتب نيكولا ساركوزي: "المال نقل إليه عن طريق بشير صالح"، الذي كان يدير في حينه المحفظة الليبية ـ الأفريقية ويحظى وقتها بثقة القذافي. وهو يحاكم أيضا في إطار قضية التمويل. كان ذلك، يوضح سيف الإسلام، عن طريق ألكسندر جوهري، رجل أعمال فرنسي من أصل جزائري.
دائما بحسب سيف الإسلام، تم وضع المال المستلم في بنك سويسري لاحقاً. سيف الإسلام يؤكد إذن لإذاعة فرنسا الدولية أن مبلغ خمسة ملايين دولار سلم نقدا لنيكولا ساركوزي.
يروي نجل الزعيم الليبي السابق مجددا المشهد الشهير، الذي رواه في الأساس بشير صالح، والذي "أضحك كل من كان حاضرا"، حين قام كلود غيان، الذي شغل سابقا منصب وزير الداخلية الفرنسي، بالصعود على الحقيبة المليئة بالدولارات بعد أن واجه صعوبة في إغلاقها. كانت تلك الوسيلة الوحيدة للتمكن من إغلاقها. كلود غِيان، الذي لا يزال ينفي تورطه في قضية التمويل الليبي.
تسديد مبلغ قيمته مليوني ونصف يورو
هذه الطرفة ترد في محضر الإحالة لمحكمة الجنايات في شهادة سيف الإسلام المكتوبة عام 2018. في شهادته الواردة بالعربية، سيف الإسلام كان أكد مسبقا للقاضي الفرنسي أنه خلال اللقاء الذي جمع بين نيكولا ساركوزي والقذافي الأب، عام 2005 في طرابلس، تم إثارة موضوع المساندة المالية للمرشح الرئاسي المقبل للانتخابات الفرنسية.
وكان سيف الإسلام قد أكد أن الدعم لهذه الحملة "تمثل في تسديد مبلغ مليونين ونصف مليون يورو". وبحسب القضاة فإن سيف الإسلام شرح بأنه "بسبب من ذلك فإن نيكولا ساركوزي أوفد إلى طرابلس مدير مكتبه، كلود غيان، لاستلام المبلغ". ويقول المحضر بأن "سيف الإسلام حصل على تأكيد بالتسليم من كلود غيان عبر بشير صالح في مكتب هذا الأخير". كلود غيان يكون إذن قد "عاد إلى فرنسا ومعه مبلغ مليونين ونصف مليون يورو نقداً"، يشير محضر القضية نقلا عن سيف الإسلام الذي يؤكد في جانب آخر لإذاعتنا أن "زياد تقي الدين وضع في الصورة".
في الحديث المتبادل مع إذاعة فرنسا الدولية، يؤكد سيف الإسلام أيضا أن نيكولا ساركوزي حين كان وزيرا للداخلية، اتصل شخصيا بعبد الله السنوسي، وزير الداخلية الليبي السابق، خلال زيارته لليبيا عام 2005 واعدا إياه بسحب اسمه من لائحة الإنتربول بمجرد أن يتم انتخابه رئيسا.
طالب بإعادة الأموال إلى ليبيا
ويؤكد ابن الزعيم الليبي أن هناك تسجيلات لهذه المحادثة الهاتفية وأن التسجيلات لا زالت في حوزة السنوسي. ويشير إلى أن كل ذلك تم ذكره عام 2018 للقاضي تورنير المكلف بالقضية.
سابقا، وفي عدة مناسبات أكد المسؤولون الليبيون امتلاكهم لتسجيلات ووثائق تؤكد تورط الرئيس ساركوزي في التمويل غير المشروع لكن، إلى اليوم، لا يملك القضاء الفرنسي مثل هذه الوثائق.
سيف الإسلام كان أشار إلى هذا التمويل المفترض في مارس 2011، خلال مقابلة مع شبكة يورونيوز ومن ثم خلال مؤتمر صحفي عقده في طرابلس، في وقت سبق سقوط النظام الليبي. وبعد تدخل حلف الناتو في ليبيا، طالب سيف الإسلام عندها الرئيس الفرنسي ساركوزي بإعادة الأموال التي أخذها من ليبيا.
يبرز ملف القضية لدى محكمة الجنايات الفرنسية عدة عناصر تفيد بتعدد دوائر إرسال الأموال وبتعدد الجهات المشاركة في عملية التمويل وطرق تحويل الأموال إلى فرنسا داخل النظام الليبي. ويوصف محضر المحكمة وجود نظام تمويل مفترض يتخطى الدور الذي لعبه سيف الإسلام كما يصرح به.
"انتقام موضوعي"؟
"أموال تم دفعها نقداً؟"، يحتج كريستوف إينغران محامي نيكولا ساركوزي الذي يعتبر أن هذه الاتهامات "لا تستند إلى شيء، وتصدر عن شخص فقد كل شيء خلال الربيع العربي وبعد تدخل حلف الناتو في ليبيا. هذا التدخل الذي كان بمبادرة من الرئيس ساركوزي. نحن هنا في مواجهة انتقام موضوعي" يختم المحامي الفرنسي.
أما بخصوص وقف المتابعات عن المتورطين الليبيين في قضية الاعتداء على طائرة الدي.سي 10 فيعلق المحامي: "هذا أيضا غير صحيح. ولا يستند إلى أساس"، ويضيف بأن "العدالة الفرنسية لا تسير بهذه الطريقة فمذكرات التوقيف التي أقرتها محكمة الجنايات لا يمكن لأحد إلغاءها. الطريقة الوحيدة لوضع حد للبحث عن الشخص المطلوب تقضي بأن يقوم الأشخاص المطلوبون بالمثول أمام المحكمة لمحاكمتهم. قضائيا لا يوجد أي طريقة أخرى. إذن، هنا أيضا، الأمر يتعلق باتهامات لا مبرر لها، لا تهدف إلا للأذى ولا ترمي إلا للانتقام".
نيكولاساركوزي: "من المرهق أن أرد على ادعاءات لا تستند إلى شيء"
وبحسب محامي الرئيس الفرنسي السابق فإنه "منذ عشرة أعوام نحن نوعد بالوثائق التي بطبيعة الحال، لم يتم وضعها في الملف، ولسبب وجيه، كونها لا توجد، ولسبب وجيه آخر، إذ أن ما يسمى بالمقابل لم يتم قطع وعد به أبدا، وإذن كل هذا هو مجرد هواء". ويرى المحامي إينغران أنه "ما من جديد في هذه التصريحات الرنانة للسيد القذافي. الأمر لا يتعلق إلا باتهامات لن تغير في طبيعتها أي شيء".
منذ بداية جلسات المحاكمة في السادس من يناير الجاري، فإن نيكولا ساركوزي يؤكد أنه "ولا أي سنت ليبي واحد" مول حملته الانتخابية عام 2007. "لم أحتج أبدا لذلك" يكرر. ويقول الرئيس السابق أنه و"من عشر سنوات ضحية للتشهير". أما تـحت القسم، وأمام القضاة فيصرح: "أود في النهاية، لو كان لدى أحد أي وثيقة أو شيء فليعطيني إياه. من المرهق أن أرد على ادعاءات لا تستند إلى شيء".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق