ست سنوات منذ اندلاع ثورة الـ 18 يوما التي أطاحت بنظام الرئيس السابق، حسني مبارك. ومع ذلك، تقول منظمات حقوقية ونشطاء إن الوضع في البلاد بات أسوأ بكثير مما كان عليه قبل الثورة.
ومع كل خطوة يخطوها، يتذكر محمود محمد حسين الثمن الذي دفعه من أجل المطالبة بالحرية والديمقراطية في مصر.
ويعاني حسين، البالغ من العمر 21 عاما، من ضعف واضح في مشيته، ويتكأ على عكّاز، يصفه حسين بأنه تركة ورثها من الضرب المتواصل طيلة 800 يوم تقريبا، قضاها في عدد من السجون. وعلى الرغم من مرور عشرة أشهر على إطلاق سراح حسين، لا يزال يبدو هزيلا.
وحسين هو واحد من آلاف المصريين الذين اعتُقلوا في السنوات الأخيرة خلال حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأطاح السيسي، عندما كان قائدا للجيش، بالرئيس السابق محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ البلاد والذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، عام 2013، بعد مظاهرات شعبية مطالبة بعزله.
ومنذ لك الحين، يشنّ السيسي حملة قمع واسعة ضد المعارضة، ليعتقل عددا كبيرا من الإسلاميين، والليبراليين، والصحفيين، وعمال الجمعيات الأهلية، ورموز ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
ولحق حسين بجموع المعتقلين الذين زُجّوا وراء القضبان عام 2014، عندما كان عمره 18 عاما.
وبدأت محنة حسين في 25 يناير/كانون الثاني، ذكرى اندلاع الثورة، وانتهى مصيره بما كان يخشاه يوما حينما ارتدى قميصا كُتب عليه "وطن بلا تعذيب".
وقال حسين، صاحب الشعر المموج الداكن، والابتسامة الدائمة: "كان (ذكرى الثورة) يوم احتفال بالنسبة لي."
وأضاف: "لم أكن جزءا من الثورة، لكنني آمنت بها وبأهدافها. لقد جعلتني أشعر بأنني إنسان له حقوق وعليه واجبات. لكن الآن، ينظر الناس إلى ذكرى الثورة باعتبارها يوما أسودا، فهم يشعرون بالقلق عند اقترابها. أما بالنسبة لي، كان يوما من أيام الاحتفال."
ومنذ تولي السيسي، وكما هو الحال الآن، باتت الشوراع حكرا على مؤيديه، إذ يمكنهم التجمع بكل حرية، على عكس المعارضين. كما أن جميع أشكال الاحتجاج محظورة تقريبا.
وشاهدنا نحن، فريق بي بي سي، قوات الشرطة وهي تطلق الرصاص الحي على متظاهرين عزل في ذكرى الثورة عام 2014.
وقال حسين إنه لم يشارك في أي احتجاجات، لكنه اعتُقل أثناء توجهه إلى المنزل.
وأضاف: "ضابط الشرطة الذي اعتقلني قال لي: أنت تضع صورتي على قميصك."
ويصور الرسم الذي كان على قميص محمود شرطيا ممسكا بعصا وهو يضرب شخصا ملقى على الأرض.
وتابع حسين: "(صورة) القميص مستوحاة من الثورة، فأنا أراها شيئا جميلا، وليست جريمة. فوطن خالٍ من التعذيب هو حلم يرغب أي شخص في تحقيقه."
ويبدو أن حلم حسين لم يكن نفس حلم الشرطة التي واجهها في ذلك اليوم. وقال محمود إن الشرطة سرعان ما استخدمت مهاراتها في التعذيب، التي طالما أدانتها منظمات وجماعات حقوق الإنسان. وقال "وتعرضت للتعذيب في نقطة التفتيش التي اعتقلت فيها."
وأضاف: "بعد ذلك، نقلوني إلى مركز للشرطة. لقد تعرضت للصعق الكهربائي في أجزاء حساسة من جسدي، وركلوني بأحذيتهم العسكرية، وضربوني بالعصي."
وتابع: "الجميع علم أنني اعتُقلت بسبب قميصي. إنهم يعتقدون بأنه كان إهانة شخصية لهم، لذلك ضربوني."
وكان الهدف من ذلك، بحسب حسين، هو إجباره على التوقيع على اعتراف زائف.
ومضى قائلا: "ضابط كبير ضربني وركلني، ثم طلب من ضابط أقل رتبة القيام بالمهمة بعده (الضرب)."
وتابع: "طلبوا مني توقيع اعتراف يقول إني كنت ضد الشرطة. لقد رفضت. الضباط الأقل رتبة لديهم أساليبهم الخاصة، فإذا لم ينجح الضرب (في انتزاع الاعتراف) فربما ينجح الصعق بالكهرباء في ذلك."
وقال: "جُردت من ثيابي تماما، حتى الملابس الداخلية، وضُربت فقط للاعتراف باتهامات محددة."
وطلب حسين من ضباط الشرطة تجنب ضربه على ساقه، التي أصيبت في الماضي. "وقد أصروا على ركلي وضربي على تلك الساق."
وتابع: "بسبب كل الاعتداءات والإهمال الطبي التي تعرضت له في السجن، أحتاج الآن إلى صديقي، العكاز، وإجراء عمليتين جراحيتين".
وتتوافق رواية محمود مع شهادات لآخرين اعتقلوا في السنوات الأخيرة. وطلبنا من الحكومة المصرية الرد على مزاعم المعتقلين بتعرضهم للضرب والتعذيب في أماكن الاحتجاز، لكننا لم نتلق ردا.
وفي الماضي، أنكرت السلطات المصرية أن يكون هناك تعذيب ممنهج، لكنها قالت إن ثمة حالات فردية.
وقال حسين إن ثمة اعتداءات بدنية ونفسية.
وأضاف لـ بي بي سي أنه قضى 14 شهرا في زنزانة مكتظة للغاية بالنزلاء، وكان يتمكن بالكاد من الحركة، ولم يكن يرى ضوء النهار.
وكان في نفس الزنزانة، كما يقول محمود، 150 سجينا آخر، من بينهم إسلاميون ونزلاء اعتُقلوا في قضايا اغتصاب وقتل.
وتابع: "كان دائما لدي شعور بالخوف... طوال الوقت، لأن السجن أشبه بالقبر. إنه مكان يسلبك روحك، ويقتل كل شيء جميل لديك."
وأُطلق سراح حسين في شهر مارس/آذار الماضي، بعد حملات داخلية وخارجية لإخلاء سبيله.
وعلى الرغم من عودته إلى بيته مع أسرته في القاهرة، لا يزال حسين مقيدا. ويواجه اتهامات، من بينها المشاركة في مظاهرة غير مصرح بها، وحيازة متفجرات، والانضمام إلى جماعة إرهابية، وهي التهم التي ينكرها جميعا.
وقال حسين: "من الممكن أن أعود إلى السجن في أي وقت... ففي إمكانهم اعتقالي وأنا أسير في الشارع."
وأضاف: "وقد حدث هذا مرتين منذ إطلاق سراحي."
ولا يزال حسين يتلقى تهديدات عبر الهاتف.
وقال لـ بي بي سي: "قال لي شخص ذات مرة: لن يكون لدي الوقت لإعادتك إلى السجن... وهذا يعني أن شخصا ما يمكن أن يطعنني أو يقتلني."
وعلى الرغم من كل المخاطر التي يواجهها، من بينها خطر المثول أمام المحكمة، يرفض حسين السكوت.
وأضاف: "في مصر، حقوقي وحقوق الآلاف الآخرين تُنتهك، فقط بسبب أنهم يحلمون أو يريدون الحرية."
وتابع: "مصيرهم السجن أو الموت. ذلك لن يمنعني من الحديث أو الاهتمام بالآلاف ممن هم مثلي."
ولا يُدلي المسؤولون في مصر عادة بأي تعليقات على المزاعم بتعرض جميع المعارضين للسحق.
وفي وقت سابق، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن الاستقرار أهم من الحرية، لكن شدد على أن الاستبداد لا يمكن أن يعود مرة أخرى إلى مصر. ويقول معارضون إن الاستبداد لم ينته أبدا في البلاد.
ولدى سؤاله عما إذا كانت الثورة قد انتهت الآن، قال حسين مسرعا بكلمات فيها إصرار: "لا، على الإطلاق... 25 يناير حلم لن يموت أبدا. الثورة تعيش في قلوب الشعب مثلي، وفي قلب أي شخص يؤمن بها."
وتابع: "النظام الحالي يحاول مستميتا اجتثاثها من ذاكرتنا."
وبالنسبة للقميص الذي كلفه حريته، لم يبد محمود أي أسف لارتدائه.
وقال: "أقول دائما إنه إذا عاد بي الزمن، على الرغم من كل الاعتداءات التي تعرضت لها، فسوف أرتدي القميص ثانية."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق