الديمقراطية التي تنشأ دون دعائم الليبرالية السياسية تؤدي إلى الفاشية، حيث يطلق مصطلح "الديمقراطية المتعصبة" على الديمقراطية التي لا تقوم على أساس ليبرالي، مثل روسيا، وذلك على العكس من الديمقراطيات الليبرالية مثل الولايات المتحدة، اليابان، بريطانيا، إندونيسيا وسويسرا.
كما أن الحكم على الحكومات يكون من خلال المؤسسات التي تنشأ في الواقع العملي وليس من خلال الانتخابات فقط. حيث أن الأغلبية والأقلية البرلمانية لاتشكلان ضمانا لحقوق المواطنين بدون دستور مدني يحدد سلطات كل من الجانبين في إطار الحق الكامل للمواطنة. كما أن حكم الأغلبية لا يعني حرمان الأقلية في صنع القرار فالديمقراطية التي تحكمها الأغلبية ولا تقوم على أساس ليبرالي تعرقل تحرر الأفراد والمجتمعات كما تضيع حقوق الأقليات القومية والدينية، لأن الديمقراطية الليبرالية يتوجب فيها بناء المؤسسات الدستورية والقضائية المستقلة قبل إجراء الانتخابات. وأساس الديمقراطية الليبرالية هي الحريات العامة وحقوق الإنسان في المجتمع واحترام الدستور والفصل بين السلطات وعدم استبداد الأغلبية.[
الدولة الدينية والدولة المدنية مفردات ومفاهيم كثر حولها الجدل والنقاش وتجمّع حول هاتين المفردتين أنصار كثر ممن يرون بصلاح هذه أو فساد تلك وهناك في غالبية الدول العربية والإسلامية أنصار للدولة الدينية والدولة المدنية والجدلية بين هذين المفهومين لا زال قائما ومنبع الإشكالية بين الدين والسياسة أو بين العقل السياسي والعقل الديني مثار جدل صاخب خصوصا في المجتمعات المدنية المعاصرة التي لم تحسم خياراتها وتحدد موقفها الأخير بشأن هذه القضية.
وهناك من يجادل بأن الدولة المدنية هي نتاج الفكر العلماني الذي يفصل بين الدين والسياسة و البرلمان الفرنسي ناقش مفهوم العلمانية أثناء إعداد الدستور عام 1946 وعرفه باسم حياد الدولة حيال الديانات ومصطلح الدولة العلمانية يعني دولة المؤسسات التي تقوم على الفصل بين الدين والسياسة ففي الديانات مذاهب وأراء واجتهادات ومعتقدات واختلافات وإشكاليات ولا يجوز اهتمام الدولة ولا مؤسساتها المدنية في هذه الاختلافات ومهمة الدولة المدنية الدستورية هي المحافظة على كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والجنس والفكر وهي تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين باعتبارها روح مواطنة تقوم على قاعدة الديمقراطية وهي المساواة في الحقوق والواجبات.
خصوصا أن هناك من يرى أنه لا يمكن بناء الدولة المدنية في ظل الدولة المذهبية أو الدينية لان العقيدة أية عقيدة كانت لا تؤمن بحق جميع المواطنين على قدم المساواة طالما أن القانون الديني يميز بين العقائد والتوجهات الفكرية والسياسية.
وهناك آخرون يرون أن الدولة الدينية هي المطلوبة كونها تقوم على أساس العقيدة والتي هي المرتكز الأساسي للمجتمعات الإسلامية ومن هنا تؤسس جميع الأمور القانونية في الدولة على أساس التشريع الإسلامي ذات الغالبية على أساس أن الإسلام هو مصدر التشريع وليس على أن الأمة هي مصدر السلطات. وهي مثبتة على نظرية حالة الحاكمية المطلقة للعقل الديني بأن نجعل الضرورات الدينية التي يدركها العقل الديني بأنها حق مقدم على الدوام على المصالح السياسية التي يدركها العقل السياسي بوصفها ضرورات لا يجوز التخلي عنها وتضيعها ولو على حساب الحق.
لكن هناك شيء من عدم الإنصاف حينما نقارن بين النظام الديني والنظام المدني وذلك لأسباب عديدة أهمها الاختلافات الفكرية والمذهبية داخل المنظومة الإسلامية والاختلاف في ما هو من الدين وما هو من دعاة الدين، فالنظام الإسلامي نظام بعيد المدى جدا يبدأ قبل انعقاد النطفة وينتهي في آخر العمر والنظام الإسلامي يبني مشروعه انطلاقا من التركيبة الروحية والمادية للإنسان ويعمل على إيصال المرء إلى كماله المنشود بدء من النطفة أو قبلها ومرورا بكل صغيرة وكبيرة تمس حياة الإنسان فيضع لها برنامج منه واجبا وأخر حراما وغيره مستحبا ورابعا مكروها وحتى يحقق النظام الديني غايته فإنه يرسم للإنسان مساره في هذه الدنيا بكل أبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية ويراعي جميع حقوقه.
أما النظام المدني رغم ماله من إنجازات ضخمة وعديدة وعلى كافة الأصعدة لكنه نتاج بشري بحت لذا لن يكون بمقدوره أن يضع النظام الأمثل للبشرية لأسباب عديدة منها حاجات الإنسان الروحية التي لا يتعرض لها لهذا يتصادم معها حين سن القوانين وأيضا لأن الإنسان مهما تجرد لابد وأن ينحاز إلى خاصيته الدينية الأسرية السياسية الاجتماعية المذهبية وسواها والإنسان الغربي إنما قام بثورته انطلاقا من ظلم رجال الكنيسة عليه في القرون الوسطى وهذه نقطة جديرة أن نقف عندها لأنها تفسر مدى الموقف السلبي الغربي من الدين.
الإنسان ولوحده عاجز تماما عن رسم النظام الأمثل لجميع شؤون الحياة أما دين الله فهو نظام حياة ودستور شامل وكامل للإنسان لأن الله أوكل للإنسان خلافته في أرضه والخلافة هنا ليست هي الخلافة السياسية وإنما هي بمقدور كل إنسان أن يكون خليفة وتكون له صلاحية الخلافة بمعنى أن يكون بمقدوره صنع المعجزات على أرض الله وأن يحقق كل آماله إذا أطاع الله وأحل حلاله وحرم محرماته.
والدين إنما جاء بتعاليمه لأجل سعادة البشر ولكن للأسف بعضنا يجهل هذه الحقيقة ولا يلتزم بهذه التعاليم بالكامل رغم أن النظام كامل لا يتجزأ " أولو استقاموا على الطريقة " فالإسلام جاء ليعالج لب المشاكل التي تدفع الإنسان أن يقتل وأن يحسد وأن يخون وأن يغدر إلى آخر هذه المشاكل التي قد تحدث بينه وبين أخيه الإنسان وغيرها من المشاكل التي نتعرض لها في حياتنا اليومية،حتى بعض المفاهيم حين نفصلها عن الدين نفهمها بشكل خاطئ ونتصرف على أساسها الخاطئ بشكل خاطئ كمفهوم الحرية مثلا التي يتشدق بها كل إنسان فالحرية المطلقة لا يمكن أن تكون فهي مستحيلة فالإنسان مهما تصور أنه حرا فهناك أشياء عديدة تحد من حريته كقوانين الطبيعة وما شابه.
فالحرية المطلقة مفسدة وخير دليل على ذلك ما نراه متجسدا في النظام المدني الغربي حينما أعلن عن فك سراح الحريات على وسع رأينا أنه فتح الباب والمجال للرأسمالية تتاجر بحريات أفراد المجتمع الغربي كيفما تشاء وتبيعها وتشتريها كيفما تشاء فماذا نتج عن ذلك أصبح الثري مصدر قوة والفقير أصبح في موقف ضعف أما على نطاق الحرية الشخصية فحين فتح لها الباب فإنه بذلك فتح المجال لشرب المسكرات ووصل إلى الإدمان على المخدرات وسائر الشهوات والإباحات الجنسية واللاخلاقية.
الحرية الفكرية التي يتباهون بها في العالم الغربي أيضا ليست موجودة على قدم المساواة فلماذا مثلا حوكم الكاتب الفرنسي روجيه جارودي لمجرد أنه انتقد فكرة ما يسمى بالمحرقة وفي الحرية السياسية لماذا يتم تغيير النظام بالقوة بضغط من الجانب الغربي في كل من تركيا والجزائر رغم أن الشعب هو من اختار الإسلاميين ليحكموه أما الحرية في الإسلام فهي الوحيدة التي تمنحك الفرصة أن تفعل ما يجب فعله وأن تترك ما يجب تركه حتى وأن دعتك شهواتك وغرائزك إليها.
الإسلام يعمل على تحرر الإنسان من عبادة الهوى أولا ومن ثم من عبادة الإنسان فإن كان ولا بد أن يكون عبدا لأحد فلن يكون عبدا ً إلا لله فعبادة الله عز وجل الواحد الأحد خير من عبادة آلهة متعددة كل يجري إلى هدف لا رجاء منه وإن كان أعظم ما تتغنى به الدولة المدنية وثيقة حقوق الإنسان فإن هذه الحقوق كفلها الإسلام قبلها وزاد عليها ونظرة حقيقية وصادقة بعيدة عن الهوى والمصالح لنظرة الإسلام لحقوق الإنسان تكفي لمن له ذرة إنصاف أن يعرف إلى أي مدى الدين يخدم الإنسان ويحترمه ويقدره كائنا من كان.
الخلاصة أن الإسلام لم يعارض الديمقراطية فأهم مبدأ فيه هو الشورى وحافظ على حقوق الجميع وكفل الحريات الشخصية للجميع وأيضا كفل مبدأ الخلافة الربانية في الأرض للجميع ثم جاء سوء التصرف من الإنسان نفسه ومن الخطأ الكبير أن ندين المشروع الإسلامي لمجرد أن أحدهم أخطأ في استخدام بعضه أو تفسير بعضه، أيضا لا أنسى أن أقول أن الدستور الوضعي للبشر والدولة الحديثة لا يتعارض من حيث المبدأ مع الإسلام من باب وأمرهم شورى بينهم والله الله بمشاركة الناس عقولهم وأعقل الناس من جمع عقول الناس مع عقله.الدولة المدنية هي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والفكر. هناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.[1]
من مبادئ الدولة المدنية الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، كذلك مبدأ المواطنة والذي يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين. أيضا من أهم مبادئها أن تتأسس على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، والثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، حيث أن هذه القيم هي التي تشكل ما يطلق عليه الثقافة المدنية، وهى ثقافة تتأسس على مبدأ الاتفاق ووجود حد أدنى من القواعد يتم اعتبارها خطوطا حمراء لاينبغي تجاوزها.
ومن أهم مبادئ الدولة المدنية أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة. كما أنها لاتعادي الدين أو ترفضه فرغم أن الدين يظل في الدولة المدنية عاملا في بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعتبر من أهم العوامل التي تحول الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة.
كذلك مبدأ الديمقراطية والتي تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق