السبت، يناير 15، 2011

النصّ الأصليّ لخطاب الحبيب بورقيبة عن رمضان









نقدّم وثيقة مهمّة في معالجة المسألة الدينيّة في الإسلام تتضمّن أوّل تأويل من زعيم دولة "دينها الإسلام" لركن الصيام تأويلا يخالف صريح النصّ القرآني ويستند إلى مقاصده وبعض ما ورد في السنّة النبويّة بقدر ما يستند إلى إعمال العقل والنظر في المصلحة الفرديّة والعامّة.




وقصدنا من هذا أن نوثّق التوثيق العلميّ للمسألة أوّلا، وأن نطلع القرّاء في تونس وفي العالم الإسلاميّ ثانيا على أسلوب الحبيب بورقيبة في معالجة ما اعتبره من أمور الدين عائقا يحول دون التحديث وبناء مجتمع متطوّر، وأن نوضّح ثالثا حقيقة موقفه من ترك صيام رمضان من خلال استدلاله وحجاجه الذي نترك للقرّاء الحكم عليه دون أن يحتاجوا إلى ما تحفل به الكتابات الإخوانيّة والأصوليّة الرجعيّة، هنا وهناك، من ضروب المغالطة والتزييف التي تختم بالمسارعة إلى الاتهام بالردّة والمروق عن الدين .




وإننا نقدّر حجم الصدمة النفسيّة التي يصاب بها المسلم العاديّ إذ يسمع مجرّد سماع بأنّ بورقيبة دعا إلى ترك الصيام فما بالك بمن له حظّ ولو محدود من المعرفة الدينيّة، دون أن نتحدّث عن الفقهاء التقليديين المتمسّكين بالتأويل المستقرّ تاريخيّا للدين والعقائد. ولكننا نعتقد أنّ قراءة نصّ خطاب بورقيبة يضعف من غلواء هذه المواقف المتسرّعة التي لم تتبّع التحليل في تدرّجه ولم تنظر في الحجج المقدّمة. فما انفكّ بورقيبة يقدّم تصوّراته للمسائل (التي تقرّرت عبر التاريخ الديني والاجتماعي على صورة تخالف ما يدعو إليه) على أنّها اجتهادات من داخل المنظومة الإسلاميّة تعبّر عن جوهر الإسلام كما ينبغي فهمه في عصرنا الحالي، بما أنّ الدين الإسلاميّ عنده صالح لكلّ زمان ومكان، ولكنّ الكسل الفكريّ والتقليد الأعمى وإيمان العجائز وعدم إعمال العقل هي ما يقعد بالمسلمين عن فهم دينهم الفهم الموافق لمقتضيات العصر ومتطلّبات التطوّر.




وإذ نترك للقرّاء متابعة تحليل بورقيبة لواجب الصيام في علاقته بواجب العمل، والحاجة إلى التفرّغ لبناء الأمّة ونهضتها قبل أداء الفريضة الدينيّة، وإذ نترك لهم اكتشاف الأساليب الخطابيّة المعتمدة في الإقناع والحجاج، فإنّنا نشير إلى أنّ الخطاب الذي ألقاه الزعيم بورقيبة لم يكن مخصّصا لرمضان، ولم يلقه أصلا في شهر رمضان، بل ألقاه يوم 5 فيفري من سنة 1960 أمام ثلّة من إطارات الدولة ليقدّم لهم مشروعا أعدّته الحكومة لتشغيل حوالي مائة وخمسين ألف عاطل عن العمل كانت الدولة تحتاج إلى تشغيلهم، حتى لا يبقوا عالة عليها، وليجدوا مورد رزق ولو كان محدودا ودون الضمانات الاجتماعيّة المطلوبة والحقوق النقابيّة التي يكفلها القانون. وفي هذا السياق عدّد الرئيس بورقيبة محاسن هذا المشروع،على نقائصه، ودعا إلى تغيير عقليّة التواكل والرضا بالقسمة والنصيب وبما كتب الله، معتبرا أنّ المعركة هي معركة من أجل محاربة التخلّف والبؤس والخصاصة. وفي هذا السياق العامّ عرّج بورقيبة على مسألة صيام رمضان بحضور مفتي الديار التونسيّة فضيلة الشيخ محمد العزيز جعيط (ت 1970، ولم يتورّع بورقيبة عن نسبة الفتوى إليه كما هو بيّن في إحدى فقرات النصّ الذي نورده أسفله.




لذلك ذيّلنا المقتطف الخاص برمضان من خطاب بورقيبة بنصّ الفتوى عدد 20 المتعلّقة بـ"الأعذار المبيحة للفطر في رمضان" وقد صنعها شيخ الإسلام بعد سبعة أيّام من الخطاب المذكور (أي يوم 13 فيفري 1960)، وقبل دخول شهر رمضان من سنة1379 هـ يردّ بها، ولا شكّ، على الزعيم بورقيبة بلغة تقليديّة لا ننتظر غيرها من رجل زيتونيّ أملى عليه ضميره وموقعه الدينيّان أن يقول ما قال، محدثا المفارقة الجلّيّة بين تصوّراته وتصوّرات بورقيبة وبين أسلوبين في مقاربة شؤون الدين والدنيا. لذلك نعتبر فتوى الشيخ جعيط مكمّلة لخطاب بورقيبة على ما بينهما من تناقض؛ فهما يجسّدان تاريخيّا الصراع الذي كان يخوضه بورقيبة ضدّ رجال الدين، وسعيه في آن واحد للاعتماد عليهم بصفتهم سلطة رمزيّة، بقدر ما يجسّدان الصراع الذي كان يعيشه الفقهاء بين تصوّراتهم التقليديّة وأفكار الرجل القويّ الخارج لتوّه من محاربة الاستعمار الفرنسيّ، وهي أفكار بدت لهم مجنونة: لا هم قادرون على مواجهتها وردّها ولا هم قادرون على قبولها وتبريرها.




1.مقتطف من خطاب بورقيبة




"هناك عراقيل كثيرا ما يعتبر التونسيون أنّ مرجعها إلى الدين والدين براء منها، فالدين خلو من الأوهام القديمة التي يعبر عنها بسطاء الناس: "بالمكتوب" فيقولون: "كل حدْ وقسمُهْ" و"ربّي ما يخلق نفس كان ما يخلق قسمها".




ونحن اليوم على أبواب رمضان لا يفصلنا عنه إلاّ ثلاثة أسابيع. ومسألة صوم رمضان درستها طويلا ومن واجبي أن أبسطها هنا بكلّ صراحة بحضور مفتي الديار التونسية الذي اجتمعت به قبل اليوم وتحادثت معه مرّات متكرّرة بشأن هذا الموضوع.




إنّ التعبئة التي ندعو إليها والعمل المتواصل المتحتّم والضروريّ تعترضه عقبات يعتبرها الشعب ذات مصدر ديني، فيقول الناس: "أقبل رمضان ولا عمل فيه والأمر لا ينازع فيه منازع"، هذا هو الحدّ الذي وصل إليه الأمر … ويقولون: هل أسمى لدى المرء من دينه؟ ويرون أنّ صيام رمضان قد يؤدّي بالمرء إلى الإمساك عن كلّ عمل ولا جناح عليه. وعندما تريد أن تحاسبه عن تكاسله يتذرّع بالصوم ويتمسك برمضان.




إنّ أمّة بأكملها تسعى ما وسعها لتنمية الإنتاج القومي، وتبذل جهد طاقتها في ذلك السبيل، وبين عشية وضحاها ينهار إنتاجها ويكاد يضمحلّ تماما وتسأل عن السبب فيجيبك بأنّه رمضان.




وتلتفت حولك فلا ترى إلا متثائبا أو مستسلما للنوم.




وهذا أمر لا يمكن أن يستمرّ لأنّه ليس من الدين في شيء.




وهذا أقوله هنا بحضور مفتي الديار التونسية الذي سيخاطبكم مباشرة في الموضوع بعد يوم أو يومين، وأكرّر القول بأنّه ليس من الدين، وإنّه إسراف في فهم الدين.




إنّ من يكون صائما وقائما بواجبه الديني حسبما يفرضه عليه الإسلام ثمّ يدرك أنّ ضعف بدنه لا يسمح له بالعمل فيستمرّ في الصوم تاركا العمل .. إنّ من يكون هذا شأنه لا يقرّه الدين عليه حسبما يراه مفتي الديار التونسية. وسيشرح لكم ذلك بنفسه.




إنّ الله جعل الدين يسرا لا عسرا، وقد خفّف على عباده جميع الفروض التي تشقّ عليهم وينالهم التعب في أدائها، والصيام أشقّ هذه الفروض على النفس لم يفرضه الإسلام باعتباره ضربا من ضروب تعذيب النفس البشرية. والتعذيب الذي تقرّه بعض الأديان لا يقرّه الإسلام ولا يعتبره موجبا للجزاء بالجنّة أو أداة للتكفير عن الذنوب.




هناك أناس يفرضون الحرمان على أنفسهم وينزعون عنهم أثوابهم ويلوذون بالفقر ويلبسون بعض أكسية صوفية ويقنعون بكسرة من خبز تسدّ رمقهم. والذين يبلغون تلك الدرجة من التصوف ويتعبدون على تلك الصورة لا يقرّهم الإسلام في ذلك.




التخلّص من الانحطاط كفرض الجهاد




إنّ ديننا دينٌ جميع فروضه قائمة على العقل والمنطق وغاياتها معروفة يتناولها التدريس.. وهي تمرين وتجربة وتطهير.




ولكن ما يتعارض منها مع ضرورة الحياة وما تقتضيه الحياة والكفاح من أجل الحياة فإنّها تسقط بطبيعتها ويصبح المسلم في حلّ منها.




فالله سبحانه وتعالى أعفى المسافر من الصوم نظرا لما كان يلاقيه من بعض الأتعاب، فكيف لا يعفيه عندما يتعلّق الأمر بشغله الذي لا عيش له بدونه. ولا يملك أن يقتات ويكسب تلك الكمية الضئيلة من الدقيق التي تكفل له قوت أطفاله إلاّ عن طريق الشغل، زد إلى ذلك أن الشغل ضرورة يفرضها السعي لخروج الأمة الإسلامية عن طور الانحطاط والتخلف، فتونس البلاد الإسلامية تعاني درجة من الانحطاط تجلب لها العار في نظر العالم، ولا سبيل لأن ترفع هذه المعرّة عن جبينها إلا بالعمل الدائب المتواصل والشغل المثمر المجدي، والتخلص من هذا الانحطاط فرض وجهاد حكمه كحكم جهاد السيف. ولذلك فإنه لا يمكن أن يعرقل جهادها أو يعطله أو يوقف انطلاقه أو يقعدها عنه فرض الصوم، فالصوم يحطّ من إمكانيات الفرد ويجعله لا يقوى على واجب هو ليس واجبا شخصيا بل واجب نحو أمّته ونحو دينه.




هذا ما يتعيّن عليكم إدراكه حقّ الإدراك دون أيّ التباس قد يركبه خصومنا الكثيرون مطيّة للتهجّم علينا وحملنا محمل الكفر والعياذ بالله. إني لا أدعو الأمّة إلى ترك الصيام بل إنّي أقول أنّ تعبا يقعدهم عن شغل حيويّ يكسبكم قوتكم وقوت ذويكم ويوفر لكم سببا من أسباب رفع هذا الدين إلى المستوى اللائق به .. إذا خفتم أن يحول بينكم وبين هذا العمل المطلوب منكم لبلوغ هذه الأهداف السامية، فإن فضيلة الشيخ محمد العزيز جعيط يقول لكم إنّ الدين يجعلكم في حلّ من الصيام على أن تؤدوا صيام الأيام التي فطرتم فيها عندما يتيسر لكم ذلك، يوم تحالون على التقاعد مثلا أو عندما تكون الظروف مواتية، ليس هناك مانع ديني يمنع من ذلك.




ولكم في رسول الله أسوة حسنة




أما اليوم فإننا نواجه تعبئة عامّة يتعيّن فيها أن يكون العمل متواصلا لا يعرقله معرقل ولا يوقف اندفاعه شيء. والخطر كل الخطر أن يتكسّر الاندفاع وأن يتعطل شهرا أو شهرين بدعوى أن صوم رمضان هو السبب.




إننا في غمرة مشاكلنا ومعاركنا السياسيّة لم نجد وقتا كافيا لدرس السيرة النبويّة بإمعان. ولقد اطلعنا عليها وعلمنا منها الكثير ولكن جوانب منها لم نهتد إليها. وقد أرشدني فضيلة الشيخ محمد العزيز جعيط في مجلس جمعنا مع فضيلة الشيخ الطاهر بن عاشور إلى حادثة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلّم دلتنا على رأيه واتجاهه وعلى تصرّفه لو بقي صلى الله عليه وسلّم حتّى اليوم. يقول فضيلة مفتي الديار التونسيّة إن رمضان أدرك المهاجرين والأنصار وهم يسلكون طريقهم بقيادة النّبي الكريم إلى فتح مكّة فصام بعضهم وأفطر آخرون، فأراد صلى الله عليه وسلّم أن يشجعهم فأفطر ومع ذلك تمسك البعض منهم بالصوم فأمرهم بالإفطار وقال لهم :"أفطروا لتقووا على ملاقاة عدوّكم"، حديث شريف وسنّة نبويّة كريمة كانت مجهولة منا والحال أنها جديرة بأن تلقى كل يوم جمعة في الجوامع والمساجد، وأن تظفر بما هي حرية به من درس وتحليل لقد كان صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى جنود الإسلام ليقهر بهم أعداء الدين، وماذا يفيد الدين يا ترى إذا تمسكوا بالصوم ثم اندحروا أمام قريش.




إنّ جميع رجال الدين الحاضرين في هذه القاعة يعلمون أن الإسلام يحضّ على الإفطار في رمضان ليقوي المسلمون على أعدائهم وأعداء المسلمين اليوم: الانحطاط والخصاصة والذل والمهانة. إن الدين يأمركم أن تقووا على أعدائكم كي لا تبقوا في مؤخرة الأمم، وإذا اردتم أن يكتب الله لكم ثوابا في الدار الآخرة فما عليكم إلاّ أن تعملوا بضع ساعات إضافية خير لكم من صوم لا عمل فيه يدفعكم إلى زيادة التقهقر.




وهذه السنة النبوية كشفت القناع عن حقائق دينية كانت مجهولة لا يتعرض لها الفقهاء خشية من بساطة الناس.




وهناك واقعة أخرى في السيرة النبوية حدثنا عنها أساتذتنا عندما كنا تلاميذ بالمدرسة الصادقية، وهي أن النبيّ صلي الله عليه وسلم التقى في طريقه برجل يتعبّد في صومعة يقضي ليله ونهاره مصليا، وقيل له أنه زاهد في الدنيا، فسال عمن يطعمه فقيل له إنه أخوه، وكان حاضرا، فالتفت إليه رسول الله وقال له: إنك أفضل منه لأنك تعمل من أجل إطعامك وإطعامه أو كما قال.




الدين لا يبيح القعود عن العمل:




هذا هو ديننا الحنيف الصالح لكل زمان ومكان والمساير لجميع الظروف، والبلاد التي تدعو فيها الحاجة إلى الشغل والعمل والجهاد في منطقة معينة لا يمكن أن يقعدها الدين عن ذلك، لاسيما وهو دين يدعو إلى الجهاد، وإذا ما قال قائل إن الدين يقعد بالمسلمين عن التطور والتقدم فإنّي أردّ عليه بأنه يستحيل أن يكون الدين سببا في تأخّرنا وفي ضعفنا.




والأمر لا يدعو إلى اجتهاد كبير، بل يكفي أن نراجع كتب السيرة التي لا تترك مجالا للتردد في الإمساك عن الصوم حالما يشعر المرء بخطر يهدد بدنه أو شغله أو إنتاجه، أو ينال منه في القيام بواجبه في هذه الدنيا وفي سعيه ليحظى بعيش الكرامة وفي مساهمته لتخليص بلاده من التخلف والانحطاط.




إن الدين والحالة تلك لا يطالب بالاستمرار في الصوم ويراه غلوا ولا غلوّ في الدين. ولكنه الجهل جعل الناس يعتقدون أمورا ما أنزل الله بها من سلطان عن حسن نية.




وقد تكونت عادات وتقاليد ارتبطت برمضان، لعلها السبب الرئيسي فيما أصابنا من انحلال عزائمنا في ذلك الشهر، فقد ألف الناس أسماره الطويلة ومآكله الدسمة وخلاعة ملاهيه وغير ذلك مما يأباه الدين ويجرّ إلى النكبات وفقد الثروات، وكثرة المأكل تؤدّي إلى تأزم الأمراض بل هي التي تثيرها.




كل هذا يجب أن يوضع له حدّ وأن يتوقّف السهر عند حدّ معقول، لأنه هو الذي يحول بين الرجل وبين القيام بواجبه في الغد، فتتكون عادات جديدة وتتبدل المواعيد وينحزم كل نظام وتشحب سحنات وتصفرّ وجوه، ولا يعود أيّ كان يستطيع أن يقوم بعمل منتظم مثمر، وكلٌّ يشكو رمضان وتعب الصيام. ولعل أكثر الناس شكوى من رمضان اولئك الذين يفطرون ولكنهم يتأخرون عن مواعيد العمل أكثر من سواهم.




وعليه، فابتداء من هذا العام تقرّر منع جميع هذه التصرّفات المخلّة بالكرامة والمفسدة للأخلاق، فلا تتغير أوقات العمل في المصالح الإدارية، ولا يتجاوز السهر منتصف الليل، ولا تقام الحفلات الراقصة في المقاهي وغير ذلك من الأمور المزرية، ولنا الكفاية في أعيادنا الدينية والوطنية لنتّعظ ونعتبر، ولا داعي لتواصل عيدنا شهرا كاملا وأن يمتدّ إلى شهر قبله وشهر آخر بعده، فكفانا استهتارا بالقيم والأخلاق والدين في آن واحد. إنّنا في حاجة إلى القوّة وهذه الدولة بما عرف عنها من حزم ونكران ذات واخلاص وحبّ للخير جديرة بأن تلقى من الشعب الامتثال والطاعة والعمل المثمر رغم العادات الماضية.




ولقد اندحرنا وتقهقرنا ودعانا داعي الجهاد المتواصل فما ضرّنا لو تخلّصنا من جميع العادات الوبيلة وانكببنا على العمل واتخذنا لنا أفراحا معقولة واضحة المعالم مثل الأفراح الوطنية والدينية، بدون أن نتذرّع بها للاستهتار والتفسّخ أو لإثارة الخصومات والخلافات والانزلاق إلى التصارع وتبادل اللكم في سوق العصر والباب الجديد متذرّعين بأنّ ذلك هو تأثير رمضان.




يجب أن نتمسك بجادّة العقل وأن نتبيّن الهدف الذي نسعى لإدراكه، وعندها تهون علينا التضحية بالعادات والسهرات مما يعود علينا بالضرر من جميع الوجوه.




وما كل هذا إلاّ توفير لأسباب النجاح في معركة البناء والتشييد وفي التشغيل المستمر، والأمر يعود إلى التفكير وإعمال الرأي.




والعاطلون الذين نشغّلهم يجب أن يقتنعوا بأننا لا نبغي تمكينهم من الأجور فقط، بل نروم توفير ثروة البلاد والخروج من طور الانحطاط الذي يصمنا بوصمة عار باعتبارنا تونسيين وعربا ومسلمين.




وإذا ما تحقق هذا الهدف ولقينا من الشعب الحماس والامتثال والعمل والعزوف عن العادات البالية والمعتقدات الدينية الخاطئة، وإذا ما واصلنا السير جنبا إلى جنب يدا واحدة، فإننا منتصرون في معركتنا الكبرى؛ معركة بناء دولة حرّة وأمّة مسايرة لمقتضيات العصر في مقدّمة الشعوب الحيّة.




والسلام عليكم ورحمة الله "




2.فتوي الشيخ جعيط
" بسم الله الرّحمان الرّحيم
و الصّلاة و السّلام على أشرف المرسلين
الفتوى رقم 20 :الأعذار المبيحة للفطر في رمضان
السؤال :ما هي الأعذار المبيحة للفطر في رمضان؟
الجواب: أوّل ما يلزم معرفته أنّ الله تعالى أمر المسلمين كافّة أن يقوموا بصوم أيّام هذا الشهر، أي يمسكوا عن شهوتي البطن والفرج من الفجر إلى غروب الشمس، واهتم بأمر الصوم فجعله من دعائم الإسلام ونصّ على فرضه القرآن والسنّة وانعقد الإجماع على وجوبه واشتهر ذلك فصار من المعلوم من الدين بالضرورة يخرج منكر وجوبه من حظيرة الإسلام ويستحقّ المعتقد وجوبه المتخلّف عن أدائه لغير عذر شرعيّ عقاب الله في الدار الآخرة ذلك هو الخسران المبين.
و الأعذار الشرعية المبيحة للفطر في رمضان هي المرض والسفر بنص القرآن المبين قوله تعالى:
" و من كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر "البقرة 185 .
وأمّا المرض المبيح للفطر في رمضان فهو المرض الذي يتسبّب الصوم في زيادة آلامه وتأخّر البرء منه، أمّا إذا بلغ المرض حدّا يكون الصوم معه وسيلة لهلاك النفس فإنّه يجب الفطر منه ويحرّم الصوم. ويجب الصوم على الأصحّاء أصحاب الأشغال اليدوية الشّاقة المضطرين للشغل للقيام بشؤون حياتهم وحياة أهليهم، وإذا عرض لهم أثناء الشغل في نهار رمضان عطش شديد أو دوار أو إغماء أو غير ذلك من الأمور المبيحة للفطر، يباح لهم الفطر في ذلك اليوم ويقضونه في بقية الأشهر ولا يلزم الشغّالين ترك العمل خيفة عروض ما يفضي إلى الفطر.
وهنا أنبّه الصّائمين إلى أن ما يشعرون به من الفتور أثناء الصوم متولّد في غالب الأحوال من مواصلة لسهر الليل كلّه أو جلّه فيصبح الصائم لقلّة النوم فاترا عاجزا عن القيام بعمله على الوجه الأكمل، وليس ناشئا عن الإمساك عن الطّعام والشراب بضع ساعات إذا لم يكن الإنسان معتلا. وهذا ما يدعوني إلى التنويه بما أعلنه الرئيس الحبيب بورقيبة على تحجير فتح دور اللّهو في ليالي رمضان هذا الشهر المبارك وعلى وجوب إغلاق الدولة المقاهي في الأوقات المعتادة في أشهر الفطر، الأمر الذي يعين على القضاء على السهر بالقضاء على أسبابه وبذلك نحفظ للجسم صحّته وتوفّر نشاطه وتصان الأخلاق من التدهور.الحبيب بورقيبة






الحبيب بورقيبة





الرئيس الأول للجمهورية التونسية


في المنصب

25 يوليو 1957 - 7 نوفمبر1987


سبقه

الملك محمد الأمين باي


خلفه

زين العابدين بن علي


تاريخ الميلاد

3 أغسطس 1903


مكان الميلاد

المنستير، تونس


تاريخ الوفاة

6 أبريل 2000 (العمر: 96 عاماً)


مكان الوفاة

المنستير، تونس



الحبيب بورقيبة (3 أغسطس 1903 - 6 أبريل 2000)، أول رئيس للجمهورية التونسية. زعيم وطني ومجاهد ضد الاستعمار الفرنسي لتونس.


ولد في حي الطرابلسية بمدينة المنستير الساحلية، من عائلة من الطبقة المتوسطة (أبوه ضابط متقاعد في حرس الباي)، وكان أصغر ثمانيه إخوة وأخوات، تلقـّى تعليمه الثـّانوي بالمعهد الصادقي فمعهد كارنو بتونس، ثم توجه إلى باريس سنة 1924 بعد حصوله على الباكالوريا وانخرط في كلية الحقوق والعلوم السياسية وحصل على الإجازة في سنة 1927، وعاد إلى تونس ليشتغل بالمحاماة.
تزوج للمرة الأولى من الفرنسية ماتيلد وكانت تبلغ من العمر عندما تعرفت عليه 36 عاما، وكانت أرملة أحد الضباط الفرنسيين الذين ماتوا في الحرب العالمية الأولى، كانت تكبره بحوالي 12 سنة، وهي التي أنجبت له ابنه الوحيد الحبيب بورقيبة الابن، وتطلقا بعد 22 عاما من الزواج لكنه إستمر على وفائه و صلته بها كما قام بتوسيمها في أواخر حياتها قبل وفاتها سنة 1976.
تزوج للمرة الثانية من وسيلة بن عمار رسميا في 12 أفريل العام 1962 وهي تونسية، في احتفال كبير بقصر المرسى. وسيلة بن عمار الثائرة التونسية التي قادت عددا من عمليات النضال الوطني ضد الاستعمار، حتى ألقي القبض عليها عام 1948 وسجنت.


بورقيبة بزي المحاماة عام 1927
[عدل]
الكفاح الوطني
انضم إلى الحزب الحر الدستوري سنة 1933 واستقال منه في نفس السنة ليؤسس في 2 مارس 1934 بقصر هلال الحزب الحر الدستوري الجديد رافقه محمود الماطري والطاهر صفروالبحري قيقة.
تم اعتقاله في 3 سبتمبر 1934 لنشاطه النضالي وأبعد إلى أقصى الجنوب التونسي ولم يفرج عنه إلا في مايو 1936.
ثم سافر إلى فرنسا وبعد سقوط حكومة الجبهة الشعبية فيها أعتقل في 10 أفريل من العام 1938 إثر تظاهرة شعبية قمعتها الشرطة الفرنسية بوحشية في 8 و9 أفريل 1938، ونقل بورقيبة إلىمرسيليا وبقي فيها حتى 10 ديسمبر 1942 عندما نقل إلى سجن في ليون ثم إلى حصن "سان نيكولا" حيث اكتشفته القوات الألمانية التي غزت فرنسا، فنقلته إلى نيس ثم إلى روما، ومن هناك أعيد إلى تونس حرا طليقا في 7 أفريل 1943
قرر السفر إلى المنفى الاختياري إلى القاهرة في مارس 1945، وزار من هناك الولايات المتحدة قبل أن يعود إلى تونس في 8 سبتمبر 1948 وسافر من جديد إلى فرنسا سنة 1950 ليقدم مشروع إصلاحات للحكومة الفرنسية قبل أن يتنقل بين القاهرة والهند واندونيسيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة والمغرب قبل أن يرجع إلى تونس في 2 جانفي 1952 معلنا انعدام ثقة التونسيين بفرنسا ولما اندلعت الثورة المسلحة التونسية في 18 جانفي 1952، اعتقل الزعيم الحبيب بورقيبة وزملاؤه في الحزب وتنقل بين السجون في تونس وفرنسا ثم شرعت فرنسا في التفاوض معه فعاد إلى تونس في 1 جوان 1955 ليستقبله الشعب استقبال الأبطال ويتمكن من تحريك الجماهير، لتوقع فرنسا في 3 جوان 1955 المعاهدة التي تمنح تونس استقلالها الداخلي. وهي الاتفاقية التي عارضها الزعيم صالح بن يوسف واصفا إياها أنها خطوة إلى الوراء مما أدى إلى نشأة ما يعرف بالصراع "البورقيبي اليوسفي" ويتهمه خصومه السياسيون بالتهاون والتخاذل.


بورقيبة يخطب أمام الجماهير في بنزرت فيجانفي 1952
في 20 مارس 1956، تم توقيع وثيقة الاستقلال التام وألف بورقيبة أول حكومة بعد الاستقلال. في 13 أوت 1956، صدرت مجلة الأحوال الشخصية التي تعتبر من أهم أعمال الزعيم بورقيبة حيث أنها تضمنت أحكاما ثورية كمنع تعدد الزوجات وجعل الطلاق بأيدي المحاكم، ولا تزال هذه المجلة تحظى إلى اليوم بسمعة تكاد تكون أسطورية.
[عدل]
إعلان الجمهورية
في 25 جويلية 1957 تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية فخلع الملك محمد الأمين باي وتم اختيار الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية. وتواصلت في العهد الجمهوري أعمال استكمال السيادة فتم جلاء آخر جندي فرنسي عن التراب التونسي في 15 أكتوبر 1963 وتم جلاء المعمرين (أي المستعمرين) عن الأراضي الزراعية، كما تم إقرار عديد الإجراءات لتحديث البلاد كإقرار مجانية التعليم وإجباريته وتوحيد القضاء.
في 3 مارس 1965 ألقى الرئيس الحبيب بورقيبة خطابه التاريخي في أريحا الذي دعا فيه اللاجئين الفلسطينيين إلى عدم التمسك بالعاطفة وإلى الاعتراف بقرار التقسيم لسنة 1947.
في الستينات وقع اتباع سياسة التعاضد وهي سياسة تتمثل في تجميع الأراضي الفلاحية وقد عرفت هذه السياسة فشلا دفع بالرئيس بورقيبة إلى تبني سياسة ليبرالية منذ بداية السبعينات قادها الوزير الأول (رئيس الوزراء) الهادي نويرة.
في 27 ديسمبر 1974 تم تنقيح الدستور وأسندت رئاسة الدولة مدى الحياة إلى الرئيس بورقيبة.
الرئيس بورقيبة أثناء زيارة لمدينة المهدية فيأوت 1967
في 26 جانفي 1978 وقعت في تونس مظاهرات وأحداث مؤلمة إثر خلاف بين الحكومة ونقابة العمال، سقط فيها مئات القتلى.
في 13 نوفمبر 1979 انتقل مقر الجامعة العربية إلى تونس وانتخب الشاذلي القليبي أمينا عاما لها.
في 3 يناير 1984 مظاهرات وحوادث مؤلمة عرفت بثورة الخبز التي سقط خلالها الضحايا بالمئات. وشهدت صراعات دموية حادة بين المواطنين ورجال الأمن بسبب زيادة في سعر الخبز واستخدمت فيها القوة ضد المتظاهرين ولم تهدأ تلك الثورة إلا بعد تراجع الحكومة عن الزيادة بعد يوم واحد فقط من إقرارها، واستدعي زين العابدين بن علي من وارسو ليشغل منصب مدير عام الأمن الوطني.
في 1 أكتوبر 1985 شن الطيران الإسرائيلي غارة جوية على مقر القيادة الفلسطينية في الضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية وهي الغارة التي أدانها مجلس الأمن في 14 أكتوبر من ذات العام.
في 7 نوفمبر 1987 وأمام الحالة الصحية المتردية للرئيس بورقيبة، قام الوزير الأول زين العابدين بن علي بتغييره وأعلن نفسه رئيسا جديدا للجمهورية فيما عرف باسم تحول السابع من نوفمبر.
بعد هذا التغيير أقام الحبيب بورقيبة بمسقط رأسه المنستير إلى حين وفاته في 6 أفريل 2000.

[عدل]
بورقيبة والإسلام

أصدر البرلمان التونسي بعد ثلاثة أشهر فقط من الاستقلال عن فرنسا، مجلة مجلة الأحوال الشخصية، وفي هذه المجلة صدرت تشريعات كصدور قانون منع تعدُّد الزوجات.
وأصدر أيضاً قانون يسمح للمواطن بالتبني، وأصدر أيضًا قوانين إجتماعية خاصة بالزواج والطلاق؛ مثل قانون يمنع الزوج من العودة إلى مطلقته التي طلقها ثلاثًا بعد طلاقها من زوج غيره، وقانون يمنع الزوج من طلاق زوجته إلا بإذن من القضاء. وأقر بورقيبة قانونا يسمح للمرأة بالإجهاض وذلك للتحكم في النمو الديمغرفي، ورفع سن زواج الذكور إلى عشرين سنة، والإناث إلى 17 سنة.

[عدل]
بورقيبة في التاريخ

مع الملك الحسن الثاني في العاصمة التونسية عام 1975
ألقاب كثيرة أطلقت على الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة مثل "الزعيم" و"المجاهد الأكبر" و"صانع الأمة" لكن الألقاب المثيرة هي تلك التي لاوجود لها في القاموس السياسي مثل "الرئيس الأبدي" و"الباي الجمهوري" أي الأمير الجمهوري حسب وصف الكاتب التونسي الصافي سعيد صاحب كتاب "بورقيبة.. سيرة شبه محرمة"، فقد كان الزعيم التونسي "أكثر من رئيس وأكبر من عاهل بكثير، لقد جمع بين يديه دفعة واحدة سلطات الباي والمقيم العام الفرنسي ما بأنفسهم" لم يكن دمويًّا على طريقة الأنظمة العسكرية والفاشية، لكنه قرر إعدام العديد من معارضيه ببرودة شديدة، حدث ذلك مع "اليوسفيين" في مطلع الاستقلال، وعندما تدخل عرفات طالبًا تخفيف العقوبة على الشبان الذين قادوا عملية "قفصة" الشهيرة، أصدر بورقيبة أوامره من الغد بتنفيذ حكم الإعدام على 16 منهم.
أظهر شراسة شديدة في مواجهة خصومة السياسيين حتى لو كانوا رفاقه في الكفاح، لقد استغَلَّ تأسيسه للدولة واحتكاره لها ليُجْهِزَ على المؤسسة الزيتونية الإسلامية التي كانت سندا لخصمه اللدود بن يوسف المدعوم من الشرق العربي و القوى القومية خصوصا عبد الناصر ، ويطارد من عُرِفُوا باليوسفيين الذين وقفوا مع الكاتب العام للحزب صالح بن يوسف، فقتل واعتقل العديد منهم، ولم يُغْلِق هذا الملف إلا بعد اغتيال زعيمهم اللاجئ بألمانيا. كما استغل محاولة الانقلاب التي استهدفته عام 1962 ليجمد الحزب الشيوعي، ويعطل كل الصحف المعارضة والمستقلة، ويلغي الحريات الأساسية، ويقيم نظام الحزب الواحد، مستعينًا في ذلك بالإتحاد العام التونسي للشغل الذي تحالف مع الحزب الدستوري إلى درجة قبول التدخل في شؤونه وفرض الوصاية عليه وعلى قيادته. ومع تبني الاشتراكية في الستينيات، غاب المجتمع المدني، وهيمنت على البلاد أحادية في التسيير وفي التفكير وفي الإعلام وفي التنظيم.
على صعيد السياسة الخارجية، تحالف مع الغرب وكان من أوائل السياسيين العرب الذين رحبوا بالسياسة الأمريكية في المنطقة، ففي خطاب ألقاه في شهر مايو 1968م قال "إننا نعتبر أن نفوذالولايات المتحدة الأمريكية يشكل عنصر استقرار يحمي العالم من نوع من الأنظمة الاستبدادية. دون أن يدخل في نزاع مع الاتحاد السوفييتي، رفضا قاطعا إقامة علاقات اقتصادية وعسكرية معه، معتبرا أن دخول خرطوشه واحدة من هذا المعسكر قادرة على أن تفتح الباب واسعا أمام الخبراء والأفكار "الهدامة" حسب تعبيره، بل أنه صرح أكثر من مرة في خطبه الرسمية بأن "المعسكر الإشتراكي لن يستمر طويلا في الحياة، وأن سقوطه أمر محتم." وبنى علاقات جيدة مع الأنظمة الملكية والخليجية. شهدت علاقاته مع عبدالناصر توترات مستمرة، حيث اختلف معه في الخطاب والأيديولوجيا ومواقف من قضايا جوهرية، مثل: الوحدة والقومية وفلسطين، ذات مرة قال "لو خيرت بين الجامعة العربية والحلف الأطلسي لاخترت هذا الأخير". كما كان حذرًا من حزب البعث، وحال دون امتداداته التنظيمية داخل تونس، ثم تجدد صراعه مع القذافي، ورأى فيه شابًّا "مُتَهوِّرًا" في السياسة، وكان يخشى أن تُطَوَّق تونس بتحالف ليبي - جزائري، لهذا وثق علاقاته مع فرنسا والولايات المتحدة، وعندما تسربت مجموعة معارضة مسلحة ذات توجه عروبي ومدعومة من ليبيا، وسيطرت على مدينة قفصة في يناير 1980، استنجد بباريس وواشنطن الذين قدما له مساعدات عسكرية ولوجستية، مكَّنَت النظام التونسي من إنهاء التمرد بأقل التكاليف.
ضريح الزعيم بورقيبة
طيلة حكمه استعان بورقيبة بالوزراء الأول التالين: الباهي الأدغم، الهادي نويرة، محمد مزالي، رشيد صفر وأخيرا زين العابدين بن علي وكلهم أصيلو جهة الساحل التونسي الذي كان أبناؤه يهيمنون على الحياة السياسية بتونس في عهده.


كان الاستعمار الأوروبي ينظر إلى العالم العربي والإسلامي على أنه أسلاب معركة، وغنائم حرب تقتسم الدول الكبرى منه ما يحقق مصالحها، ويوسع نفوذها وسيطرتها، وكانت فرنسا الاستعمارية ترى في الشمال الأفريقي مكانًا ملائمًا لتحقيق أطماعها؛ لذا سعت للسيطرة عليه واحتلاله. وكانت تونس ممن وقع ضحية لهذا الاستعمار؛ إذ وقعت فرنسا مع باي حاكم تونس "معاهدة باردو" في 1298 هـ = مايو 1881م التي أعطت فرنسا حق الإشراف المالي والخارجي والعسكري في تونس، وحق تعيين مفوّض فرنسي في مدينة تونس، وتوالى التدخل الفرنسي في شؤون البلاد، وانتهى بفرض الحماية الفرنسية على تونس بعد "معاهدة المرسي" سنة (1300 هـ/1883م).

ثورة النفاتي 1881

اثر توقيع معاهدة باردو عام 1881، اشتعلت ثورة في تونس بقيادة علي بن خليفة النفاتي. واشتدت فرنسا في القضاء على حركة المقاومة التونسية حتى ضعفت حركة الجهاد، وبدأت حركة استيطان فرنسية في تونس، وتمتع هؤلاء المستوطنون الفرنسيون بالنصيب الوافر من ثروات البلاد وخيراتها.


بوادر الحركة الوطنية

أدت سياسات الحماية الفرنسية في تجنيس اليهود في تونس إلى تأسيس حزب تونس الفتاة سنة (1325 هـ = 1908م)، وبرزت شخصية عبد العزيز الثعالبي على الساحة السياسية الوطنية، غير أن الفرنسيين حلوا هذا الحزب سنة (1329 هـ = 1911م)، وألقوا القبض على قادته. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أطلقت بعض الحريات بعدما وقف ثمانون ألف مقاتل تونسي بجانب فرنسا في حربها، وانطلق وفد تونسي برئاسة الثعالبي إلى باريس لعرض قضية بلاده على مؤتمر الصلح، إلا أن الحلفاء المنتصرين لم يستمعوا إلى آمال الشعوب المستعمرة، فاتجه الثعالبي إلى الرأي العام العالمي، وأصدر كتاب "تونس الشهيدة"، منددًا فيه بالاستعمار الفرنسي، وقرأ التونسيون هذا الكتاب، والتقوا جميعًا على فكرة المطالبة بالدستور، وتقدموا بطلبهم إلى الباي الذي وعدهم بإجابة مطالبهم، وإزاء هذا الوعد تكون الحزب الحر الدستوري.


الحزب الحر الدستوري

نشأ الحزب الحر الدستوري مطالبًا بمنح تونس نظامًا دستوريًا، وعارض الثعالبي خطة الحزب وهدفه؛ لأنه كان يتمسك بفكرة الاستقلال التام، إلا أنه اعتبر هدف الحزب خطوة أولى نحو هذا الاستقلال، وعلى هذا الأساس تعاون معهم، بل ترأس هذا الحزب مدة من الزمن، وكانت عواطفه نحو الاستقلال التام سببًا دائمًا في المشكلات بينه وبين بعض أعضاء الحزب من الشباب، الذين تربوا في المدارس الفرنسية، ويرون البدء بالإصلاحات الداخلية، ومنها إنشاء مجلس تشريعي يشترك فيه الأوروبيون والتونسيون، وقيام حكومة مسؤولة أمام المجلس التشريعي؛ فاضطر الثعالبي إلى العمل بصفته الشخصية، وسافر إلى باريس غير أنه اعتُقل بتهمة التآمر على سلامة الدولة الفرنسية، ثم أُفرج عنه.

وقد أظهر الباي محمد الناصر تعاطفه مع الحزب، وخشيت فرنسا من التقارب بين الناصر والثعالبي، خاصة بعد المظاهرات التي خرجت يوم وصول رئيس الجمهورية الفرنسية "ألكسندر ميلران" إلى تونس الذي صرح بأن "تونس" ستظل مرتبطة بفرنسا إلى الأبد؛ فشَنَّ الدستوريون والباي حملة عنيفة على هذا التصريح، وهدد الباي بالتنازل عن العرش إذا رفضت طلباته الإصلاحية، فعمَّت المظاهرات العاصمة، إلا أن موت الباي المفاجئ والمُريب جعل أزمة العرش مع فرنسا تمر دون شيء؛ إذ تولى الحكم أحد البايات الموالين لفرنسا، وهو محمد حبيب سنة (1340 هـ = 1922م).

وسافر وفد تونسي إلى باريس لعرض مطالبه، لكن الأبواب سُدَّت في وجهه؛ فالتونسيون كانوا يتقدمون بمطالب متواضعة؛ ظنًا منهم أنهم سيحصلون عليها، إلا أن الواقع كان يشهد بأن فرنسا لم تكن تستمع لهم، فكانوا يطالبون بأن يتساووا مع المستعمرين الفرنسيين، وأن يشاركوا في الحكم، على خلاف ما كان يطالب به الثعالبي؛ وهو الاستقلال.


الإصلاحات الجديدة

وعندما تولى لوسيان منصب المقيم العام الفرنسي في تونس وافق على بعض مطالب أعيان تونس؛ فألغى حالة الطوارئ، وسمح لأكثر من عشرين صحيفة بالصدور، وشهر الحزب الدستوري برئاسة الثعالبي، وبدأت فرنسا في إحداث تغييرات إدارية في تونس، ومنها إنشاء المجلس الكبير الذي يُمثَّل فيه الفرنسيون بضعف عدد الأعضاء التونسيين، والقوانين الجديدة في الجنسية؛ حيث فتح باب التجنس بالجنسية للمواطنين التونسيين، وهو قانون انتفع به اليهود، ولم يقبل الحزب الدستوري هذه الإصلاحات المبتورة، وقاوم المسلمون هذه الإصلاحات الشكلية اجتماعيًا وعقائديًا؛ فقاطعوا كل مسلم طلب الجنسية الفرنسية؛ لذا لم يزد من قبلوا التجنس بالفرنسية عن ألفيْ شخص.

فبدأ لوسيان في محاربة الوطنيين، وأصاب الركود الحزب الدستوري لمدة امتدت تسع سنوات، والتجأ رئيسه الثعالبي إلى الخارج، إلا أن الحياة عادت إلى هذا الحزب بسبب بعض رعونة التصرفات الفرنسية؛ حيث أقيم تمثال عام (1344 هـ = 1925م) في العاصمة التونسية لـ"أسقف لافجري" المبشر الشهير، كذلك تم تخصيص حوالي مليوني جنيه من الميزانية التونسية لمجمع كنسي وصفه أحد الأساقفة بأنه سيكون مظهرًا للصليبية الجديدة المسالمة.


الحبيب بورقيبة والحزب الجديد

الحبيب بورقيبة

أدت هذه الأحداث إلى اتحاد الشباب التونسي المثقف معًا، وإعادة إصدار جريدة "صوت التونسي"، وجريدة "صوت العمل"، وبرزت في تلك الفترة شخصية الشاب "الحبيب بورقيبة"، صاحب الاتجاه الجديد المطالب بالإصلاحات الداخلية؛ مثل فصل السلطات، وإقامة مجلس نيابي، وظهر هذا الاتجاه جليًا في مؤتمر الحزب الدستوري سنة (1352 هـ = 1933م)، وكانت تلك بداية الانقسام في الحزب الدستوري، وتأسيس حزب جديد يحمل اسم "الحزب الدستوري الجديد" برئاسة محمد الماطري، والحبيب بورقيبة سنة (1353 هـ = 1934م)، ونجحت فرنسا في إثارة الفرقة بين الدستوريين القدامى والجدد.

وقد اقترنت فكرة التحرير السياسي عند بورقيبة وحزبه الجديد بفكرة التقدم الاجتماعي؛ لذلك كان مستعدًا لإدماج الفرنسيين والتونسيين في بيئة ديمقراطية واحدة، وإمكان التعاون مع فرنسا، بل إنه ذهب إلى القول بأن وضع تونس الجغرافي يحتم عليها التعاون مع فرنسا.

واتجه الحزب الجديد إلى الطبقة العاملة، وأصبحت الحركة النقابية العمالية جزءًا من تاريخه؛ فاعتقلت فرنسا بعض قياداته لمدة عام ونصف، ثم أطلقت سراحهم، وسُمح للحبيب بورقيبة بالسفر إلى باريس للتفاوض؛ حيث اقترح الفرنسيون فكرة السيادة المزدوجة، وهذا المبدأ يجعل للمستوطنين الفرنسيين حقًا ثابتًا في الاشتراك في إدارة البلاد.

وقد تزامن في ذلك الوقت عودة الثعالبي إلى تونس (1356هـ = 1937م) وإضراب العمال التونسيين، فأحس شبان الحزب الدستوري الجديد بأن زعامتهم مهددة، فعمدوا إلى تغيير سياسة الحزب، وأيدوا الإضرابات العمالية، وسعوا لقيادتها، وبدأت تتأكد زعامة بورقيبة بعدما اعتُقل مع ثلاثة آلاف شاب من الحزب، وصدر مرسوم بحله وحظر نشاطه؛ بسبب اشتعال الحرب العالمية الثانية.


الحرب العالمية الثانية

كانت تونس مسرحًا للعمليات الحربية بين المحور والحلفاء لمدة سبعة أشهر، وعاشت فترة في ظلال السيطرة الألمانية، وتولى الباي محمد المنصف الحكم في تونس في منتصف 1361 هـ = 1942م، وتلقى الباي عرضا من الألمان بالتعاون معهم نظير إسقاط الحماية، وعرض عليه الحلفاء الانضمام إليهم، إلا أن الباي رأى الاستفادة من تلك المساومات المؤقتة لتقوية مركزه؛ فاختار حكومة وطنية دون استشارة المقيم الفرنسي، وأشرك الحزبين الدستوري والجديد فيها، فعزل الفرنسيون الباي بعد القبض عليه، ثم أُلقي القبض على بورقيبة، إلا أنه استطاع الفرار من معتقله والسفر إلى القاهرة على أمل أن تعاونه الدول العربية في تحرير بلاده.

وانضم بورقيبة في القاهرة إلى لجنة "المغرب العربي"، التي يرأسها المجاهد الكبير الأمير عبد الكريم الخطابي، وأحدث ذلك تحولا هاما في اتجاه الحزب الدستوري الجديد نحو التضامن العربي. أما في تونس فتولى قيادة الحزب نيابة عن بورقيبة "صالح بن يوسف" الذي عقد مؤتمرا سنة 1366 هـ = 1946م أصدر ميثاقًا وطنيًا أعلن فيه سقوط نظام الحماية، وأكد صفة تونس العربية؛ فهاجمت فرنسا المؤتمر، وقبضت على زعمائه، ونكلت بالوطنيين.

أما الفترة التي قضاها "بورقيبة" في القاهرة، فقد كانت الجامعة العربية والعرب مشغولين بقضية فلسطين، ولم يجد اهتماما بقضية تونس، فاتجه إلى فرنسا، وأجرى محادثات غير رسمية مع الفرنسيين، وأظهر استعدادًا لعقد معاهدة مع فرنسا تضمن لها امتيازات إستراتيجية واقتصادية في تونس، إلا أن باريس رفضت مفاوضته على أساس عدم اعترافها بشرعية الحزب الدستوري الجديد.
[

المقاومة

أعلن روبير شومان -وزير الخارجية الفرنسية- أن فرنسا تسعى إلى تحقيق الاستقلال الداخلي لكل الدول التي تؤلف الاتحاد الفرنسي، فأعلن بورقيبة موافقته على هذا التصريح، وشكلت في تونس وزارة لمفاوضة فرنسا، إلا أن المستوطنين الفرنسيين رفضوا هذا الاتجاه، ورضخت لهم فرنسا، واستخدمت فرنسا عنفًا شديدًا ضد الوطنيين التونسيين، فعرضت مشكلة تونس على مجلس الأمن الدولي، لكن المجلس أخذ بوجهة نظر فرنسا في عدم اختصاصه بالنظر في المشكلة التونسية، وتعاطف الباي محمد الأمين مع شعبه، وأشركه في الحكم بعدما كوّن مجلسا من 40 شخصًا من أعيان تونس، ورفضت فرنسا ذلك، فنشطت حركة النضال الوطني، وبدأت التجمعات الوطنية تظهر في كثير من الأماكن، وعمّت الاضطرابات البلاد، وبدأ الوطنيون في اغتيال المستوطنين الفرنسيين، ونمت حركة المقاومة المسلحة، وشكل المستوطنون الفرنسيون فرقا انتقامية.

اعتقلت فرنسا الوزارة التونسية؛ فوقف الباي موقفا صريحا بجانب الحركة الوطنية، فبدأت فرنسا في اتباع سياسة مرنة، عندما بدأت حركة المقاومة تؤتي ثمارها، وتزامن ذلك مع هزيمة فرنسا الشنيعة في الهند الصينية سنة (1373هـ = 1954م)؛ لذلك بدأت في التفاوض، واشترطت وقف المقاومة، فوافق بورقيبة على وقف الكفاح المسلح، وسلم ثلاثة آلاف مقاتل أسلحتهم، ورغم ذلك توقفت المفاوضات بسبب سقوط الحكومة الفرنسية، ثم عادت مع حكومة "إدجار فور فيفري" الذي التقى ببورقيبة في باريس في شعبان (1374هـ = أبريل 1955م)، وانتهى اللقاء بالتفاهم على إصدار تصريح مشترك يقيد كلا الطرفين بحل وسط، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاقيات في (13 شوال 1374 هـ = 1 يونيو 1955م) حصلت فيها تونس على صلاحيات السيادة الداخلية، وإقامة علاقات اقتصادية بين البلدين، وضمت حقوق الفرنسيين المكتسبة أثناء الحماية مع احتفاظ فرنسا بشؤون الخارجية والدفاع.

كانت هذه الاتفاقيات نجاحًا لفرنسا أكثر منها لتونس، ولا أدل على ذلك من أن بورقيبة نفسه رأى فيها مجرد مرحلة نحو الاستقلال؛ لذلك عارضها صالح بن يوسف الأمين العام للحزب، واتهم بورقيبة بالخيانة، ودعا إلى مواصلة الكفاح، واستعادت بعض مجموعات المقاومة نشاطها المسلح، وألقي القبض على أنصار صالح بن يوسف، أما هو ففر إلى ليبيا.
[

الاستقلال

أدركت فرنسا ضرورة الإسراع في الاتفاق مع بورقيبة، والتخلص من الشروط القاسية في الاتفاقيات السابقة، وذلك عندما رأت ازدياد نفوذ وأنصار صالح بن يوسف في انتخابات الجمعية التأسيسية التي ستضع دستورا للبلاد، ومعنى ذلك هو زوال نفوذ فرنسا من تونس، يضاف إلى ذلك تطور الثورة الجزائرية وازدياد وطأتها على الجيش الفرنسي.

ليست هناك تعليقات:

أود أن يتوقف الناس عن مقارنته بي، وأن يتوقفوا عن القول بأنه "صلاح الجديد".

  أشاد النجم المصري محمد صلاح  أود أن يتوقف الناس عن مقارنته بي، وأن يتوقفوا عن القول بأنه "صلاح الجديد". لاعب ليفربول الإنجليزي، ...