جمال حمدان في اوراقه الخاصة: مستقبل مصر اسود
ويسجل الكاتب الذي رحل في ظروف غامضة في نيسان/ابريل 1993 في أوراقه الخاصة أن مصر فقدت زعامتها في العالم العربي وليس لها وريث 'لأن وراثة مصر كانت أكبر من أي دولة عربية أخرى منافسة' وكانت النتيجة هي تقسيم وراثة مصر فانتقل الثقل الاقتصادي إلى الخليج والسياسي إلى العراق الذي انتهى دوره منذ حرب الخليج 1991.
وبإيجاز يرى أن 'بداية نهاية مصر عربيا كامب ديفيد ونهاية النهاية حرب العراق' في إشارة إلى اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1978 وبموجبها وقع الجانبان معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979.. أما حرب العراق فيعني بها ما سمي بحرب تحرير الكويت بعد احتلال العراق لها في آب/أغسطس 1990.
وأعد عبد الحميد صالح حمدان الأوراق الخاصة بشقيقه جمال حمدان وتصدر في ذكرى رحيله هذا الأسبوع عن (عالم الكتب) في القاهرة في كتاب 'العلامة الدكتور جمال حمدان ولمحات من مذكراته الخاصة' يضم 72 صفحة كبيرة القطع.
وقال محرر الكتاب في مقدمته إن شقيقه كتب مسودات تضم أفكاره وآراءه متفاعلا مع الأحداث تمهيدا 'لإدراجها في عمل كبير كان ينوي إخراجه عن العالم الإسلامي في الاستراتيجية العالمية' ولكنه نبه إلى أن هناك أشياء حجبها 'مراعاة لحرمتها واحتراما لذكرى كاتبها' الذي مات في حريق شب في بيته قبل 17 عاما ومازال موته لغزا.
وحمدان الذي ولد عام 1928 اختار أن يعيش في عزلة فلم يختلط بأحد أو يستقبل زائرين في بيته الذي عاش فيه وحيدا. وما زال حمدان يحظى باحترام كبير في الأوساط العلمية والثقافية. وله نحو 20 كتابا منها (دراسات في العالم العربي) و(دراسة في جغرافيا المدن) و(المدينة العربية) و(بترول العرب) و(الاستعمار والتحرير في العالم العربي) و(افريقيا الجديدة) و(استراتيجية الاستعمار والتحرير) و(اليهود انثروبولوجيا) و(6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية) وهو قراءة لما بعد حرب تشرين الأول/اكتوبر 1973 التي تمكن فيها الجيش المصري من عبور قناة السويس واستعادة شريط مواز لها في شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران/يونيو 1967.
أما العمل الموسوعي لحمدان فهو (شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان) ونشر لأول مرة ككتاب عام 1967 ثم تحول إلى موسوعة في أربعة مجلدات لا تخص الجغرفيا وحدها وإنما قراءة لماضي البلاد ومستقبلها إذ يسجل في المقدمة فيما يشبه الرثاء أن مصر تحولت من 'أول أمة في التاريخ إلى أول دولة إلى أول إمبراطورية... إلى أطول مستعمرة في التاريخ' قبل أن تتخلى عن مكانتها ودورها كما يقول في أوراقه.
ويرى بعض المؤرخين أن الحدود الحالية لمصر لا تختلف كثيرا عن تلك التي رسمها الملك مينا قبل أكثر من 5100 عام للدولة حين أسس الأسرة الفرعونية الأولى على طبقات من خبرات متنوعة أثمرت بناء الأهرام وغيرها من 'المعجزات' والعجائب في مراحل تالية ومنذ عام 2600 قبل الميلاد أقيم أول نظام إداري مركزي في التاريخ في العاصمة منف.
ويبدي حمدان في (مذكراته الخاصة) خوفه من تراجع مساحة الزراعة التي تعني الحياة للبلاد ومن غير الزراعة ستتحول مصر 'إلى مقبرة بحجم الدولة' لأن مصر بيئة جغرافية مرهفة وهشة لا تحتمل العبث 'ولا تصلح بطبيعتها للرأسمالية المسعورة الجامحة الجانحة. الرأسمالية الهوجاء مقتل مصر الطبيعية'.
ويقول إن مصر تتحول 'لأول مرة من تعبير جغرافي إلى تعبير تاريخي' بعد أن ضاقت أمامها الخيارات.. ليس بين السيىء والأسوأ وإنما بين الأسوأ والأكثر سوءا ويصف بقاءها واستمرارها بأنه نوع من القصور الذاتي.
ويرى أن مصر 'تهرب من المستقبل الأسود. بل من الحاضر البشع إلى الماضي التليد... لأول مرة في التاريخ يتغير مكان مصر في العالم ومكانتها إلى الأسفل فتجد نفسها لأول مرة في وضع من العالم لم يسبق من قبل وهو أنها كيان منكمش في عالم متمدد. أنها كيان متقلص في عالم متوسع' لكنه يستبعد ما يصفه بمشاريع إسرائيل والصهيونية والغرب لتفتيت مصر ويعتبر هذا نوعا من السفه والجنون.
ويعزو ذلك 'لأن مصر أقدم وأعرق دولة في الجغرافيا السياسية للعالم غير قابلة للقسمة على اثنين... مصر السياسية هي ببساطة من خلق الجغرافيا الطبيعية... إنها نبت طبيعي بحت' والفرق بين مصر وبعض الدول المحيطة أن الأخيرة أصبح عندها فائض قوة أما مصر فلديها 'فائض أزمة تغرق بها داخل حدودها' مضيفا أنه بقيام إسرائيل عام 1948 فقدت مصر ربع دورها التاريخي ثم فقدت نصف وزنها 'بهزيمة 1967 ثم فقدت بقية وزنها جميعا في كامب ديفيد... مصر الآن خشبة محنطة مومياء سياسية كمومياواتها الفرعونية القديمة ولا عزاء للخونة'. ويرى أن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر 'أول وللأسف آخر' حاكم يعرف جغرافيا مصر السياسية وأن 'الناصرية هي المصرية كما ينبغي أن تكون... أنت مصري إذن أنت ناصري... حتى لو انفصلنا عنه (عبد الناصر) أو رفضناه كشخص أو كإنجاز. وكل حاكم بعد عبد الناصر لا يملك أن يخرج على الناصرية ولو أراد إلا وخرج عن المصرية أي كان خائنا' لأن الناصرية في رأيه قدر مصر الذي لا يملك مصري الهروب منه.
ويقول إن الناصرية 'بوصلة مصر الطبيعية' مع احتفاظ كل مصري بحقه المطلق في رفض عبد الناصر لأن المصري 'ناصري قبل الناصرية وبعدها وبدونها'.
ويرى أن كامب ديفيد كانت تعني 'إطلاق يد إسرائيل مقابل إطلاق يد مصر في سيناء' وأن مصر منذ الاتفاقية 'لم تعد مستقلة ذات سيادة وإنما هي محمية أمريكية تحت الوصاية الإسرائيلية أو العكس محمية إسرائيلية تحت الوصاية الأمريكية'.
وكان مصطفى الفقي رئيس لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب المصري (البرلمان) قال لصحيفة 'المصري اليوم' في كانون الثاني/يناير الماضي إن الرئيس القادم لمصر 'يحتاج إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل' وأثارت تصريحاته جدلا واسعا في ضوء عدم وجود نائب للرئيس حسني مبارك (82 عاما) الذي يحكم مصر منذ عام 1981 ولم يعلن عما إذا كان سيرشح نفسه لفترة جديدة في الانتخابات الرئاسية العام القادم وفي حالة عدم ترشحه فإن كثيرا من المصريين يعتقدون أنه سيسعى إلى تسليم السلطة لابنه جمال رغم نفي الأب والابن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق