لغز حريق مجلس الشورى وحاجة مصر إلى نظام سياسي جديد
محمد عبد الحكم دياب
23/08/2008
كارثة الحريق الذي أتى على مبنى مجلس الشورى وامتد إلى مبنى مجلس الشعب ظهرت وكأنها تختلف عما سبقها من كوارث استهدفت عامة الشعب وفقراءه، وفي هذه الكارثة تحديدا لم يتجاوز عدد المصابين إثني عشر شخصا، سبعة من جنود الإطفاء، أي ليسوا من الأعضاء أو القوى العاملة بالمجلس، وخمسة من عمال المجلس، وصفت إصاباتهم بالطفيفة وعادوا إلى منازلهم بعد الاسعافات اللازمة! باستثناء شرطي توفي أثناء عملية الإطفاء، ونتذكر أن عدد ضحايا احتراق قطار الصعيد من الموتى كان بالمئات، وكذلك ضحايا فضيحة مرشحات (فلاتر) أكياس الدم الملوثة، غير المطابقة للمواصفات الصحية السليمة، وقبلها كانت كارثة قصر ثقافة بني سويف حيث لقي عشرات الفنانين والمسرحيين والمبدعين حتفهم داخل مبنى لا تتوفر له أبسط شروط السلامة أو الأمان المعتادة في مكان مفتوح للجمهور، ومن زمن والرأي العام ينتظر الإعلان عن عدد ضحايا المبيدات المسرطنة، التي استوردتها وزارة الزراعة بموافقة يوسف والي، وزير الزراعة الأسبق، الذي دافع عن نفسه بقوله 'أن الوزراء مجرد سكرتارية لدى الرئيس'. أي أنه لم يكن صاحب قرار في ذلك الشأن، وهل هناك أفدح من كارثة العبّارة السلام 98 بعد أن مكنت البحر الأحمر من ابتلاع 1032مسافرا كانوا على متن السفينة المنكوبة، لماذا خرجت كارثة مجلس الشورى عن سياق الكوارث المعتادة في عصر حسني مبارك وعائلته؟ ولن أتوقف كثيرا أمام ما نشرته صحيفة 'البديل' اليومية في عددها الصادر يوم الأربعاء الماضي في صدر طبعتها الثانية، التي امتنعت مطابع الأهرام عن طباعتها، وهو أن النيران التهمت ملفات العبّارة وأكياس الدم الفاسدة والمبيدات المسرطنة وقطار الصعيد، وهي ملفات فضائح لها علاقة بكبار المسؤولين، وكانت الأكثر دويا بالنسبة للرأي العام، وحفظت في سجلات وأقبية المجلس، حسب ما جاء في الصحيفة. في كل الكوارث الكبرى أشارت أصابع الاتهام والتحقيقات إلى مؤسسة الرئاسة وعائلة حسني مبارك والوزارة وأمانة السياسات وقادة الحزب الحاكم، ممن حصنوا أنفسهم ضد القانون وجعلوه يحني هامته صاغرا أمام تجاوزاتهم وجرائمهم. وفي كارثة الشورى تجاوز الأمر ملفات الفضائح والكوارث وتعداها إلى معالم تاريخ وسجل تجربة تشريعية ممتدة، منذ نشأة النظام النيابي المصري، في ستينات القرن التاسع عشر حتى الحقبة الحالية، وهناك ما يشبه الإجماع بأنها الحقبة الأكثر فسادا وسوادا في تاريخ مصر.
حريق بهذا الحجم، ويستمر لسبع ساعات، بدون ضحايا تقريبا. هل معنى هذا أن العاملين في المجلس كانوا يعلمون مسبقا بما سيحدث؟، وهذا مستبعد، ومن غير المعقول تواطؤ ذلك العدد الضخم من الخبراء والمستشارين والموظفين والعاملين. لكن قد يكون هناك من أوحى بإخلاء المبنى لسبب أو لآخر، ونعود بالذاكرة إلى حريق دار الأوبرا سنة 1972، وعمرها من عمر مبنى البرلمان المصري. بنيت مثله في عصر الخديوي إسماعيل. ونتج عن حريق الأوبرا اختفاء التحف والمحتويات ذات القيمة العالية. وكانت قيمتها التاريخية والفنية أكبر من أي تقدير، وحل مكانها مرآب (جراج) متعدد الطوابق لإيواء السيارات! هل هذه الكارثة جزء من مسعى لتحويل الموقع المتميز والفريد للبرلمان إلى منشأة سياحية، مثله مثل ما هو مخطط للمجمع الحكومي في ميدان التحرير، القريب أيضا من البرلمان، ومثل موقع المحطة النووية في الضبعة على الساحل الشمالي المطل على البحر الأبيض؟! ولو جاءت الحجة بأن الحريق حدث أثناء موسم العطلة البرلمانية، ولهذا قل عدد الضحايا، ونحن من الذين لا يتمنون وقوع حوادث أو ضحايا، إلا أن خلو المبنى من الموظفين والعمال وأطقم الحراسة ومسؤولي الأمن وفنيي الصيانة وعمال النظافة وغيرهم بدا باعثا على الارتياب، ويغري بالبحث والتنقيب والكتابة، وتغلبنا على الإغراء حتى تتوفر المعلومات المساعدة على فك ألغاز الكارثة.
ونعرج على ملف آخر له علاقة بالتغيير السياسي في مصر. حيث شهدت السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا من المهاجرين والمقيمين المصريين في الخارج، ومنا من تابع مؤخرا مبادرة صدرت عن تحالف الأمريكيين المصريين أطلق عليها الـ50 بديلا، وتهدف إلى دعوة المواطنين في الداخل والخارج لترشيح قائمة من خمسين اسما لمنافسة حسني مبارك أو ابنه في انتخابات الرئاسة القادمة عام 2011، ومثل هذه المبادرات لا غبار عليها لأنها تزيد من مستوى نضج ظروف التغيير، وبعضنا في بريطانيا يعرف أصحاب المبادرة وعلى علاقة بهم، ومنهم من يتلمس الطريق لحل معضلة مصر الراهنة، والعمل على فتح الأبواب الموصدة في وجه التغيير، على أمل أن يحقق الضغط هدفه في جعل انتقال السلطة سلميا عملا ممكنا، فدون ذلك ضرب من ضروب المغامرة، وضياع فرصة لتغيير ديمقراطي وتداول سلمي للحكم، ومشكلة هذه المبادرة أنها، من وجهة نظري، ترى الحل في استبدال شخص الحاكم بشخص آخر، أكثر كفاءة وثقافة ووطنية وانتماء. على أساس أن حسني مبارك عائلته هم المشكلة، وإذا ما أزيحوا فتحت الأبواب الموصدة. وهم حقيقة مشكلة، إلا أن المشكلة الأكبر هي في الظروف التي مكنتهم من فعل ما فعلوا، واستغلالهم النظام السياسي والقانوني القائم وتوظيفه لحسابهم ومصالحهم، فتهيأت لهم فرص النفوذ والسلطة والمال، فاستكبروا وتعالوا وتفرعنوا وبطشوا وتوحشوا، ونسوا أنهم خرجوا من رحم شعب لماح ومجتمع ودود. يمتلك طاقة لا محدودة على الإبداع والعطاء والتحمل والتسامح. لهذا اكتشف مبكرا أن سلوك هذه العائلة يمثل أعلى مراتب الشذوذ في التعامل مع المواطنين، ونطالع ذلك في صور وأساليب الانتقام والتنكيل بكل القوى والفئات شبابا وشيوخا ومنتجين ونساء ومثقفين ومفكرين وعلماء وقضاة ومحامين ومهندسين وموظفين وفلاحين. وتحويل أغلب هؤلاء إلى فقراء وطالبي حاجة ومعتقلين وهاربين ومرضى وذوي عاهات، وفي المقابل كوفئ البلطجية واللصوص والفاسدين والمفسدين، ونالوا حق الشراكة في الحكم والسلطة والثروة، وأخيرا النساء والجنس. والنظام السياسي والقانوني سمح بهذا لأنه منح المسؤوليات والصلاحيات شبه المطلقة للرئيس، وتلخيص تطور هذا النظام يكشف مدى التراجع الذي أصابه، فمصر أخذت بالنظام الجمهوري بعد إلغاء الملكية في 1953، وإن كان هناك ما يبرر وجود مثل هذه المسؤوليات والصلاحيات في مراحل النشأة والتأسيس. تنتفي المبررات إذا ما استقر النظام واعتاد عليه الناس، وأزمة النظام السياسي المصري أنه كان مع كل خروج أو انحراف عن جادة الصواب لا يجد من يقومه ويصحح مساره، حتى انتكس تماما على يد حسني مبارك وعائلته، ومن المعروف تاريخيا أن الرئيس الأول كان اللواء الراحل محمد نجيب، ولعب دوره في مرحلة أولية وانتقالية من عمر ثورة تموز (يوليو) 1952، وجاء جمال عبد الناصر الصانع الأبرز للثورة والنظام الجديد، بأفق الثوري المنحاز للفقراء ومحدودي الدخل ومتوسطي الحال. وكان من القوة والتأثير حتى تجاوز الحدود الجغرافية للدولة، وتحت رئاسته كانت مصر دولة إقليمية كبرى، ولاعبا رئيسيا على المستوى الدولي، وترتكن إلى سلطة مركزية قوية، ويحسب لحقبة عبد الناصر أنها اعتمدت على أكثر من دستور مؤقت، ليبقى الباب مفتوحا أمام تصحيح أخطاء النظام السياسي وتطويره، وهو ما كان يمارس فعلا قبل وبعد النكسة، وجاء السادات، بأفق المقامر، وعقلية عمدة القرية، وطريقة شيخ البلد، ومنطق كبير العائلة، وقامر بكل ما لدى مصر من رصيد، وبدأ بدستور دائم سنة 1971، وفيه تركزت كل السلطات والصلاحيات في يده. وفتح بذلك أبواب التفريط بما فيها من انتصار عسكري وحين اختفى من المسرح ترك مصر تقيدها المعونة الأمريكية، وتكبلها كامب ديفيد. أما حسني مبارك حول مصر إلى بلد برسم التسول ..وقضى على ما بقي فيها من أسباب القوة، عاملا على إضعاف النظام السياسي، والبدء في اتخاذ خطوات تحويله إلى ملك عضوض. يرثه الأولاد والأحفاده من بعده، والبديل الفرد لا يحول دون تكرار ظاهرة مبارك، والحل هو في صياغة نظام سياسي جديد، يقوم على المشاركة الأوسع والتمثيل الصحيح. فيسترد النظام الجمهوري عافيته ويصبح قادرا على التطوير، ومن المتصور أن النظام البرلماني هو الأكثر ملاءمة في ظروف مصر بعد مبارك. والنظام البرلماني يقوي من بنية الأحزاب، ويعطي وزنا للمنظمات النقابية والجماعات الأهلية والاتحادات الطلابية والشبابية والنسائية والروابط المهنية والتعاونية، ويعتمد على رئيس منتخب انتخابا حرا مباشرا، يكون ترشيحه من بين الحزبيين والمستقلين. يزكيه عمله الوطني والسياسي وسيرته وسلوكه الحسن، ولا تتعدى فيه صلاحيات الرئيس ومسؤولياته دور المعبر عن وحدة الدولة، وتمثيلها في المحافل الإقليمية والدولية، وإصدار واعتماد مراسيم تشكيل الوزارات وإعلان الحرب والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات مع رؤساء الدول المناظرين له. يشاركه برلمان قوي يمتلك سلطة التشريع والرقابة. ويمثل عصب النظام السياسي للدولة الحديثة، وله صلاحية محاسبة المسؤولين، بمن فيهم رئيس الجمهورية. وتساعده سلطة تنفيذية، من وزراء برلمانيين وسياسيين. تستثنى فيها المراحل الانتقالية وفترات الحروب، والحاجة إلى وزراء فنيين (تكنوقراط) ومحايدين لتصريف الأعمال فى أوقات الإعداد للإنتخابات ومتابعتها، بجانب سلطة قضائية مستقلة استقلالا تاما عن سلطات الدولة الأخرى لضمان حيدتها وتحقيقها للعدالة المفتقدة في نظم الحكم المستبدة والفاسدة والتابعة.
ويتعين التركيز على دعوة القوى السياسية والشخصيات الوطنية إلى تشكيل جمعية وطنية تصيغ دستورا جديدا. يستجيب لهذه التطلعات، وتتشكل الجمعية الوطنية من ممثلين منتخبين للقوى السياسية والنقابية والشبابية والنسائية والأكاديمية والأهلية، والشخصيات العامة والروابط الاجتماعية والجمعيات الحرفية (صناعات تقليدية وحرفيين وصيادين) والمؤسسات المالية والخبراء وعلماء السياسة والقانون والاقتصاد والاجتماع، لضمان تمثيل حقيقي لكل قوى الشعب، ومن الصعب تطوير النظام السياسي دون قيام جمعية وطنية يناط بها وضع قواعد وأسس النظام الجديد. ومصر كبلد وحدوي موحد منذ دمج الملك مينا مملكتي الشمال والجنوب، مثل هذه الدولة تحتاج إلى نظام سياسي يتميز بالحيوية والفعالية. يعيد إليها روحها، ويرد لها اعتبارها، ويمنحها الخصوبة والألق، فتعود، كما كانت، قائدة ورائدة، تنفخ من روحها في مواطنيها.
ان الحق ينزع ولايمنح!سالم القطامي .إذا أرادت هذة الأمة البقاء فحتماً أن يكون مصير طغاتها الفناء! لـن يمتـطى مبارك ظهـرك مالم تبرك له!ثوروا تصحوا!!!! سالم القطامي #ثوروا_تصحوا #سالم_القطامي هيفشخ العرص
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
المال يغير الناس، هذه حقيقة، المال يمكن أن يتسبب في تشتيت عائلة، وإعلان حرب".
المال يغير الناس، هذه حقيقة، المال يمكن أن يتسبب في تشتيت عائلة، وإعلان حرب". نجم كرة القدم بول بوغبا (يمين) وشقيقه الأكبر ماتياس، قب...
-
http://www.mediafire.com/watch/bdga95p7nevmech/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D9%81%D8%B7%D8%A7%D8%B7%D8%A7_10.mov بالفيديو الكاراتيه د...
-
#لاترحمواخونةكهنةالكفاتسةأبدا الإرهابي الصليبي اللقيط نطفة الإحتلال الصهيوصليبي الأجنبي لبلادالمسلمينNabil Ibrahimصليب الحلوف إبن الزانيةال...
-
سفانتي بابو يفوز بجائزة نوبل منحت جائزة نوبل في الطب هذا العام للعالم السويدي “ سفانتي بابو “ ، لأبحاثه الرائدة في مجال الشريط الوراثي ول...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق