استقرار الفوضي!
مقال رئيس التحرير
إبراهيم عيسي
لا يخجل رجال الحكم في بلدنا من التغني بمواويل مكررة ومملة دون أدني توقع بأن هذا الشعب يملك عقلا في الإمكان أن يجعله يعمل وقت اللزوم، من ضمن هذه المواويل أن مصر تشهد استقرارًا ثم إن أهم حاجة في الدنيا هي الاستقرار، ثم إن الاستقرار هو حلم وغاية وأمل الشعوب وأنه لا تقدم بدون استقرار، فإذا سألت أي مواويلجي من هؤلاء؟.. ماذا يقصد بالاستقرار؟ لأجابك بأنه الاستقرار السياسي، وماذا تعني بالاستقرار السياسي يا أستاذ ؟ يعني أن الرئيس مبارك يظل يحكم مصر هو والحزب الوطني مدي الحياة، هذا هو مفهوم الاستقرار عند هؤلاء السادة!
الاستقرار في مصر ليس أكثر من احتكار سياسي، احتكار للسلطة ولصناعة القرار والقانون، احتكار للمقاعد والمناصب، وعبودية مصر للرئيس، هذا هو الاستقرار المصري الذي لا تجد له مثيلا سوي في الدول المستقرة المحيطة مثل ليبيا وتونس وسوريا واليمن والسعودية والأردن، وهي كلها دول استبداد سياسي وديكتاتورية وليس فيها من طعم الحرية مذاق ولا من حجم التقدم نصيب، لكن الدول التي يتغير فيها الحزب الحاكم وتشهد انتخابات ساخنة ومدوية وصراعاً سياسياً ملتهبًا هي التي تنجح وتتقدم وتتطور مثل الهند وكوريا الجنوبية وماليزيا وتركيا، فالاستقرار السياسي هو استقرار شكل الحكم وطريقته وأدواته، أن نعرف أن الدستور هو الذي يحكمنا «ليس دستور كلشنكان الذي يقدمه لنا نظام الرئيس مبارك»، وأن هناك انتخابات حرة تأتي بحزب يرضاه الشعب إلي مقعد الحكم وأن من يخطئ تتم محاسبته بالعدالة والقانون وأن الجميع سواسية من كبيرنا لصغيرنا وأنه لا أحد مقدس ومنزه عن الشبهة والمساءلة، هذا هو الاستقرار الحقيقي، أما ما نعيشه فهو الفوضي بعينها، فلا يوجد استقرار في بلد كل ما يشغله هو سؤال: من يحكمه بعد الرئيس مبارك ومن هو خليفة الرئيس مبارك؟، هذا بلد مضطرب ومضطر أن ينشغل بالمجهول لأنه بلد لا تحكمه المعايير والضوابط الطبيعية بل قوانين الطبيعة والديكتاتورية، لا يوجد بلد مستقر تصل فيه معدلات الفقر إلي قرابة 50%من الشعب، لا يوجد بلد مستقر فيه معدل بطالة يصل إلي 25% من القوي العاملة في الشعب، لا يوجد استقرار في بلد معدل تلوث الهواء فيه يتجاوز كل المعدلات الإنسانية، لا نعرف بلدا مستقرا يبلغ معدل تلوث المياه فيه إلي درجة تحذير الدول الأجنبية لرعايها من مياه الشرب في مصر، لا يوجد استقرار في وطن تلتهم فيه صحة أبنائه أمراض الفيروس سي والفشل الكلوي والسرطان والقلب، ولا يعرف فيه مسئولو الدولة المعدل الحقيقي لأي مرض يصيب المواطن والوطن، لا يوجد استقرار في بلد يعتمد كل سكانه الرشوة المباشرة والرشوة المقنعة في تسيير أمور حياتهم، ما هو الاستقرار الذي يتباهي به الرئيس في بلد فيه كل هذه الحوادث والتصادمات اليومية في المرور التي يروح ضحاياها عشرات الآلاف من المواطنين كأن دمهم أرخص من أن يهتم به أحد؟!، بلد تصنع قانون للمرور فيتحول إلي قانون للرشوة وللفوضي وللعطالة لا يوجد استقرار في بلد كلما أحبت فيه امرأة مسيحية رجلاً مسلماً اشتعلت فتنة وكلما هربت فتاة مسلمة مع شاب مسيحي انفجرت حوادث وجرائم، مصر لم تعرف الاستقرار طيلة هذا الحكم وكل ما يفخر به هؤلاء هو استقرار الفوضي!