السبت، أغسطس 09، 2008

لماذا تتقدم الصين والهند بينما تتراجع مصر؟ محمد عبد الحكم دياب
08/08/2008
تَمَكّن الأمراض الاجتماعية والنفسية العامة من مصر أثر عليها كثيرا، وهذه الأمراض مثلها مثل العلل العضوية، تصيب الجماعات والشعوب بالضعف والهزال أو العجز، ومصر وقد تمكن منها المرض وغاب عنها التشخيص وافتقدت الطبيب المعالج، حتى أصيب جهازها المناعي بالضعف والوهن، وأخطر الأعراض هي غياب الثقة في النفس وفقدان الشهية للتغيير، وأشد الأمراض فتكا تلك التي لا يشعر بها المصاب ويكابر رفضا للعلاج، ويصر على سلامة بدنه بينما هو شديد الاعتلال، وهذه الحالة خلقت وهما يرى في الضعف مصدرا للحياة والاستقرار، ويتصور الهذيان درجة من درجات الحكمة، وأصبح الضعف قاعدة التعامل مع المشاكل والتحديات الداخلية والخارجية، مع أن ما يقع قريبا وبعيدا عن مصر يبين عكس ذلك، فهناك من لا يقبل بالضعف أو بواقعه المريض، ويقاوم كل أشكال الاحتلال والاستيطان والهيمنة الخارجية والظلم والاستبداد والفساد الداخلي. نرى ذلك في فلسطين العراق ولبنان وأفغانستان وإيران، وعلى البعد نرى ثوارا وزعامات في أمريكا اللاتينية تتصدى للهيمنة الأمريكية على العالم، ومن ناحية الشرق هناك نماذج النجاح والإنجاز والقوة والتقدم، وحتى وإن اختلف البعض أو اتفق البعض الآخر على الخط السياسي لبلد مثل الصين، مع ذلك نجد إجماعا على تقدير معجزتها الاقتصادية والعلمية والتقنية والإدارية، التي ما كان ممكنا لها أن تتحقق بهذا المعدل من السرعة والجودة دون إرادة صلبة وقدرة فائقة على تذليل الصعاب. في بلد يصل عدد سكانه إلى ألف وثلاثمئة مليون نسمة، ومع غبار التسييس الذي تثيره المنظومة الغربية على أهم حدث رياضي عالمي تشهده الصين هذه الأيام، واستغلاله لممارسة أقصى ضغط على البلد المضيف. ومع ذلك لم يقلل هذا التسييس من جاذبية النموذج الصيني، في أوساط سياسية وثقافية وأكاديمية غربية، وتقديرهم لما قامت به الصين واعتباره إعجازا بكل المقاييس.وليست الصين وحدها عنوانا للإعجاز، هناك أيضا الهند، وإن كان بمستوى أقل درجة، إلا أنها حققت، كدولة متعددة الديانات واللغات والأعراق، وفيها درجة عالية من الفقر الشديد. الهند حققت مستوى من القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية جعلها مرهوبة الجانب. وبجانبهما مجموعة نمور صناعية استطاعت التقدم في مدى زمني وجيز. ويأتي النموذج الإيراني متحديا، وهو يتعرض لمخاطر أكثر مما تتعرض له الصين. لأن الصين قوة يحسب لها حساب، ولا يصلح معها ما يصلح لإيران، أي ضربها من الخارج، والجهد الذي يبذل ضدها يركز على جبهتها الداخلية ومصالحها الاقتصادية والاستثمارية. الممتدة على رقعة واسعة من العالم، أما إيران فلها الحرب، حين تتوفر الفرصة وتواتي الظروف، لتوجيه ضربة عسكرية مكثفة. قد تسمح فيها واشنطن وتل أبيب باستخدام سلاح نووي تكتيكي لشل مراكزها الحساسة وتحويلها إلى هشيم.التقدم لم يبق حكرا على شعوب بعينها تتمتع بالنفوذ والقوة، وكثيرا ما كان الضعف أو التخلف حافزا على تحدي ظروف الضعف، ورفض الواقع المتدهور. وحين تشعر شعوب إلى حاجتها للتغيير تستجيب لمتطلباته، وتقبل بأعبائه وتبعاته، وتستمع لصوت مصالحها وطموح شعبها ومستقبل أبنائها، ولا تجعل من اختلاف الظروف والمنطلقات والعقائد والنظم السياسية مبررا للتقاعس أو الجمود، ولا سبب للقبول بمخططات منظمات ومؤسسات مالية واقتصادية غربية. تتعسف في فرض شروطها على الدول الصغيرة والضعيفة، خاصة شروط إعادة الهيكلة الإقتصادية وكفاءة الإدارة السياسية. وأثبتت التجارب الناحجة أن الهيكلة تتم والكفاءة تكتسب بالإرادة الحرة للدولة، وبالمشروع الجامع الذي يعده نظامها السياسي. القادر على الاستجابة لمقتضيات التغيير والتطوير والبناء، والمستعد لتحمل مسؤوليات وتبعات هذا المشروع، وبمثل هذا تعافت وشفيت مجتمعات عديدة من أمراض الضعف والهزال والعجز، ومنها ما كان أشد فتكا من أمراض الجماعات والمجتمعات العربية، وبالتحديد في مصر.وليس شرطا أن يكون العلاج استنساخا للنسق الغربي، خاصة بعد اختفاء الكوابح التي كانت تحد من وحشيته، وبعد عودته إلى السيطرة والهيمنة الاستعمارية من جديد. والوطن العربي تجسيد حي لهذه العودة، وحين أخذ بعض العرب بالنسق الليبرالي الغربي جاءهم مقرونا بالاحتلال والاستيطان والتفتيت والتجزئة والتقسيم، إلى أن وصل إلى المرحلة الحالية التي يقوم فيها بإلغاء الدولة العربية، وهو الذي أقامها على أسس انفصالية، في عدة أشكال: قطرية أو انعزالية أو طائفية أو قبلية أو عائلية. ومن أخذ من العرب مؤخرا بالنظام الانتخابي الجاد، واحتكم لصناديق الاقتراع عوقب وحوصر وجُوّع، والمثل الفلسطيني واضح، حيث أوصلته نزاهة الانتخابات إلى سلطتين منفصلتين على أرض لم تتحول إلى دولة بعد! والأمر أكثر تعقيدا من تصورات المراهنين على استنساخ التجارب الغربية أو نقلها حرفيا. تنفيذا لما يرد من واشنطن ولندن وباريس وبرلين وتل أبيب!! والأمر في مصر أكثر تعقيدا بسبب مظاهر خادعة طفت على السطح وتوصف بأنها ديمقراطية، وعلى سبيل المثال هناك مراقبون ومهتمون، رسميون وغير رسميين، يرون في بعض أعراض المرض دليلا على الصحة، ومنهم من يدعي أن حسني مبارك وسع من هامش الحريات، ودليلهم ما تكتبه وتنشره الصحف المستقلة والمعارضة، وهذا الادعاء غير صحيح، لأن ما تكتبه وتنشره هذه الصحف حالة عرفية طارئة، شقت طريقها عنوة خارج السياق الرسمي. باستبداده وفساده وتبعيته، وضمن مواقف وتصرفات ارتقت إلى درجة الخيانة الوطنية، وما بيع الغاز للدولة الصهيونية ببعيد. وانتزع الكتاب والصحافيون هذا الهامش انتزاعا وعنوة. لم يأت نتيجة لتطور أو تحول سياسي وقانوني حقيقي، ومن يدقق في الأمر يجد أن الحريات الصحافية والإعلامية ما زالت من الممنوعات ومجرمة بنص القانون، وأوامر العائلة، وتعليمات الأمن، وضغوط رجال الأعمال، وعنف البلطجة، والذي حدث هو أن عددا من الكتاب والصحافيين تحدوا هذا الواقع المتردي، ومارسوا عملا جسورا وجد استجابة واسعة حولته إلى تيار جذب المضطهدين والضعفاء والمظلومين، ونال تأييدا كاسحا من الناس. هذا الفعل أشعر الرأي العام بهول ما يجري في مصر، ومستوى التوحش والسعار الذي وصل إليه ولاة الأمور. والعمل الجسور حتى ولو كان في الكتابة والعمل الصحافي، يزيد التحدي ويقوي العزائم، ومكن الناس من مواجهة الملاحقات والاعتقالات وتضييق فرص العمل والعيش، فقد شعروا أنهم ليسوا وحدهم، وهذا منحهم ثقة عالية في قدرتهم على مواجهة العائلة الحاكمة وأساليبها المبتكرة في إذلال المصريين، وأسألوني عما يحدث لنا في مطار القاهرة. وأذن ذلك بدخول شرائح وفئات وقوى أخرى إلى المعترك. تحمل نفس الروح. قضاة وأكاديميون ومحامون ومهندسون وعمال وموظفون وفلاحون، ولم يبق إلا الطلاب المكبلون بأوليات الخطاب الديني السلفي. ولو كان لكتابات وتقارير الكتاب والصحافيين والمدونين قيمة لدى أصحاب القرار ما تحولت مصر إلى سجن كبير، ولتمت محاسبة حيتان الفساد وأساطينه، وما كانت العائلة الحاكمة لتقدر على تصفية الاقتصاد وتسليمه لاحتكاريين مصريين يسلمونه بدورهم للاحتكارات الأجنبية، الصهيونية تحديدا. وما كان لها أن تستحوذ على الثروة العامة، وما استطاعت التنكيل بخصم ولا سجن معارض تجرأ على منافسة سيد القصر على منصبه، مثل أيمن نور، وما حرضت على سحل قاضي ولا زورت إرادة، أو استطاعت تحويل جريمة إغراق أكثر من ألف راكب على عبّارة مخرّدة إلى جنحة، مثلها مثل النشل ومخالفات المرور وحوادث السيارات وتعديات المواطنين ومعاكسات البنات وتعاطي البانجو والسكْر البين، جريمة بهذا الحجم، وعلى هذه الدرجة من البشاعة تنظرها محكمة جنح في مدينة نائية على البحر الأحمر. وحامي حمى مالك العبارة هو حسني مبارك نفسه. يمثله في ذلك رَجُلُه الذي صرح يوما في مجلس الشعب 'أن الفساد في المحليات وصل للرُّكَب'، وكأنه لا يعلم أن الفساد غطى مصر كلها وبلغ منها مبلغ الحلقوم وليس الركب.ومع اتساع دوائر العصيان والاحتجاج يزداد الحال سوءا، وكان من المفترض أن تساعد الظروف الجديدة على تعافي المجتمع، فتقل لديه القابلية بالانغلاق، وتخف فيه حدة الاستجابة لدعاوى الفتنة، وتتلاشى منه وطأة انفصام قسم مصر إلى ثقافتين وشعبين. ثقافة مالك متجبر تواجه ثقافة مظلوم أعزل، وانتهى الوضع بهيمنة قيم قلة مالكة وتراجع ثقافة شعب مملوك. وحمل لواء قيم القلة طابور خامس، لا من الإعلان عن عمله وفق الأجندة الغربية ودوره في توفير الحماية للدولة الصهيونية، والطابور الخامس له وجود سافر في أوساط الحكم والإدارة والأمن وبين رجال المال والأعمال وأصحاب النفوذ. وعن تكوينه فقد تكوّن ممن تلقفتهم مؤسسات وأجهزة غربية. من بين وفد إليها هاربا أو مهاجرا أو باحثا عن عمل أو طالبا لثروة أو ساعيا لشهرة. واخترق هذا الطابور أوساط مثقفين وأكاديميين وخبراء وصحافيين وإعلاميين، من الباحثين عن ثروة أو لقب أو منصب، وتبدو عدواه وصلت إلى المدونين. ممن أصيبوا بالغرور، ومنهم من تصور أن الشهرة انجاز في حد ذاته، مع أنها قد تعتبر مرضا إذا ما كانت هدف العمل الوطني. وكانت سعيا وراء النفوذ والوجاهة السياسية والاجتماعية، كسعي رجال المال والأعمال والراغبين في تكوين الثروات والاستحواذ على النفوذ، ومنها نماذج تعيش في الخارج، متعصبة وضحلة وضيقة الأفق ومستبدة، اعتادت الدوس على المبادئ والقيم مقابل مكسب عابر أو مقابلة هذا المسؤول أو ذاك، وكلها أمل أن تلتحق بمنظومة فساد الداخل. لحماية مصالح قائمة أو تطلعا لأخرى محتملة. ونعود إلى إلمدونين. وصل الأمر بأحدهم إلى الادعاء بأنه أكثر شهرة من نجيب محفوظ، وما الحاجة لمثل هذه المقارنة في أوضاع لا تقبل المقارنة. كانت عبقرية نجيب محفوظ في إبداعه وتميز أدبه وتفرده، أما سلاح من يريد الانخراط في العمل الوطني هو التواصل مع الناس وحمل مطالبهم والتعبير عنها، ولولا الحراك الوطني المتنامي لاستمر نفر من المدونين في جدله البيزنطي وتبادل الشتائم والإساءة إلى المعتقدات المخالفة في غرف الدردشة على الانترنت، وهي لم تكن إلا عرضا من أعراض الأمراض الاجتماعية والنفسية، التي نعاني منها في مصر، وبالتأكيد في باقي الوطن العربي.

ليست هناك تعليقات:

بالطبع، نعم أشعر بخيبة أمل

  ينتهي عقد محمد صلاح البالغ 32 عاما والذي سجل 12 هدفا في جميع المسابقات هذا الموسم، الصيف المقبل ولم يتقدم ليفربول بعرض للتجديد، ساوثمبتن ف...