الأربعاء، مايو 28، 2008

سيادة الرئيس.. أونلاين

هل فكرت يوماً في زيارة الموقع الإلكتروني لرئيس دولتك لمعرفة محتواه؟ أو لكي ترسل له رسالة؟ أو حتى تقوم بـالشات معه؟إذا أردت أن تعرف أن ذلك متاحا أم لا، شاركنا في جولتنا التي حاولنا أن نتفقد فيها مواقع الرؤساء العرب وبعض مواقع رؤساء العالم*******مصر وتونس.. دعائيةعند تصفح المواقع العربية نكتشف أن اللغة الرسمية سمة تميزها، ولا نرى فيه سوى نشرة علاقات عامة مملة واستطراد لا حصر له في محاسنهم وبطولاتهمفالرئيس التونسي علي زين العابدين أطلق موقعه www.benali2004. tn ضمن حملته الانتخابية 2004 لتحفيز الجماهير على إعادة ترشيحه مرة أخرى، ومنذ هذا الوقت لم يتم تحديثه بأي معلومات إضافيةيبدو أن مواقع الرؤساء العرب يرتبط تأسيسها بظرف سياسي معين، فالرئيس حسني مبارك انطلق موقعه http://www.mubarak2 005.com ليكون وسيلة دعائية لحملته الانتخابية عام 2005، وهو متاح بالعربية والانجليزية، والموقع لم يتم تحديثه منذ هذا التاريخويأتي هذا الموقع إضافة إلى موقع الرئاسة www.presidency. gov.eg والذي يتميز عن سائر مواقع الرئاسة لسائر الحكام العرب بأنه باللغة الانجليزية فقط وكأنها اللغة الرسمية للبلاد*******تحدث.. تكلمأما موقع الأخ العقيد معمر القذافى http://www.algathaf i.org فيبث بالعربية والانجليزية والفرنسية، والموقع بالكامل عبارة عن تصريحات تحت عنوان: القذافى يتحدث.. واغلبها أحاديث مثيرة للجدل، فضلا عن إبراز كلمته في المؤتمر الوزاري الإفريقي الأوروبي حول الهجرة والتنمية، وبشكل عام الموقع لا يتسم بالتحديث السريع لمحتوياته كسائر مواقع رؤساء الدول العربيةونأتي لموقع الملك عبد الله الثاني ملك الأردن www.kingabdullah. jo الذي يركز بشكل مبالغ فيه على السيرة الذاتية للملك الشاب، فنجدها منشورة في صدر الموقع مع صورة كبيرة له، بالإضافة إلى وجودها في رابط على اليسار ورابط آخر أعلى الصفحة، وفيها يبسط القول عن إمكانيات الملك الشاب وقدراته الخارقة كطيار، وعلى الموقع تقرأ تأكيدات بأن الملك يعد من الجيل الثالث والأربعين لأحفاد النبي صلى الله عليه وسلم*******شيّت مع الرئيسأما أكثر المواقع إثارة للسخرية فهو موقع الرئيس السوري بشار الأسد www.basharalassad. com والذي تم اختراقه تماماً ووضعت بعض الأغنيات والفلاشات عليه، إلى جانب وصلات للدردشة بين الشباب، ليظهر الموقع وكـأنه موقعاً ترفيها*******أشهر مدونةأما إذا انتقلنا للمواقع العالمية، فنجد أن مدونة الرئيس الايرانى أحمدي نجاد
www.ahmadinejad. ir الأفضل على الإطلاق، حيث يعد أول موقع رئاسي تفاعلي مع الجمهور بشكل حي ومباشر وبأربع لغات فارسي وانجليزي وفرنسي وعربيويظهر التفاعل واضحاً في مشاركات القراء التي تنضح بحب كبير للرئيس الايرانى، ويؤكد الرئيس نجادى بنفسه هذا المعنى في صدر مدونته لدرجة أنه يخصص 15 دقيقة أسبوعيًّا للرد على الزوار وتحديث المدونة بنفسه*******إسرائيل.. أون لاينوعلى الجانب المقابل ونقصد الكيان الصهيوني وبرغم أن رئيس دولته يملك ولا يحكم، إلا أن موقع الرئيس كستاب http://www.presiden t.gov.il يعد أفضل من مواقع الرؤساء العرب مجتمعة، فالموقع تم إعداده بشكل تقنى وحرفي كبير لمراعاة الاتصال المتكافئ بين الرئيس وزوار الموقع، حتى العوامل النفسية لم يغفلها الموقع، فنجد الصورة التي توجد في صدر الموقع تتحرك مستعرضة بيت الرئيس والحدائق الغناء التي تحيط به، مع ظهور كلمة أهلا وسهلا للزائرين تتحرك مع تحرك الكاميرا، والموقع متاح بثلاث لغات.. العبرية والعربية والانجليزيةكذلك فالموقع يتيح الفرصة حتى للأطفال ليدلو بدلوهم في الموقع، وإن لم يستطيعوا التعبير بكلماتهم فعن طريق الرسومات الصغيرة، والتي يعرضها الموقع بأسماء هؤلاء الأطفال بما يعزز انتمائهم لإسرائيل و يقوى عاطفتهم تجاهها*******اسأل البيت الأبيضولم يختلف الحال كثيراً في موقع البيت الأبيض الأمريكي http://www.whitehou se.gov والذي يتم تحديث مواده بشكل يومي فضلا عن شمول الموقع لمختلف القضايا التي تهم المواطن الأمريكي مثل إدارة الموازنة وشئون التعليم والطاقة الرّعاية الصحية الأمن الداخلي بالإضافة إلى الاهتمام بشكل خاص بكل ما يتعلق بالهجرة وأوضاع الشرق الأوسطوليس هذا فحسب بل يحتوى الموقع على عدد كبير من الروابط الهامة مثل الخطب الرئيسية لبوش الابن والتفاعل المباشر مع الجمهور في رابط اسأل البيت الأبيض والبيت الأبيض التفاعلي، ولكن لعل أكثر ما يميز الموقع هو عرض روابط للإدارة الأمريكية كلها تحت عنوان "حكومتك"، بالإضافة إلى رابط خاص للأطفال يركز على اهتمام بوش بهم، و يمكن عرض الموقع باللغة الانجليزية أو الاسبانية*******موقع الكرملين الروسي http://www.kremlin. ru يهتم الموقع بإبراز نشاطات الرئيس فلاديمير بوتين وعرض أرائه في القضايا الخارجية خاصة استعداد روسيا لتوسيع التعاون مع الهند في الطّاقة النّوويّة، والموقع متاح بالروسية والانجليزية فقط*******لا شفافيةمن جانبه يؤكد الدكتور حسن عماد مكاوي، رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بإعلام القاهرة، أن عدم تحديث المواد الموجودة بمواقع الرؤساء العرب يعكس عدم إيمانه بالأخذ بالتكنولوجيا الحديثة وضرورة استخدامها بشكل كبير باعتبارها عنصر أساسي في حياه البشر، ويدلل على عدم وجود شفافية كاملة من جانب مؤسسات الرئاسة لأنها تنتقى ما تود بثه، فهناك معلومات بعينها تريد إخفائها عن الجمهور في وقت لم يعد هناك طائلا من إخفاء أي معلومات في وجود الأقمار الصناعية وشبكة المعلومات الدوليةيضيف: وهذا الأمر يلقى بظلال كبيرة على ضعف الإقبال الجماهيري على المواقع لعدم وجود أي تفاعليه تذكر فيه، حيث أن الجمهور في تلك الأدوار يقتصر دوره على أن يكون متلقي سلبي للمحتوى الموجود على الموقع دون أدنى قدره على تبادل الأدوار بواسطة إرسال بعض التعليقات أو مراسلة الموقع، وذلك أبرز سمات الإعلام الشمولي الذي نحياه، حيث الترويج لكل سياسة الحاكم.. صحيحة كانت أو خاطئة.. وكأن الحاكم شخصية مثالية لا يوجد لديه أي سلبيات

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

العاجز هو الذي يتنصل من فشله بدعوي زيادة السكان
تواضع الإنجاز التنموي هو أصل البلاء وليست زيادة السكان
نمو السكان في مصر ليس إلا مسألة ثانوية.. الانشغال بها بدون الاهتمام بالأساسيات مضيعة للوقت وإهدار للطاقات

عاد الرئيس مبارك مؤخراً إلي إثارة موضوع زيادة السكان باعتبارها مشكلة أساسية تعوق جهود التنمية وتهدد «بابتلاع إنجازاتنا». ومنذ ذلك الحين و«الكورَس» الرسمي يصعِّد من وتيرة العزف علي نغمة إلقاء اللوم علي نمو السكان في جميع مشكلات مصر الاجتماعية والاقتصادية، وينادي بتصعيد الجهود للتقليل من معدلات الإنجاب، باعتباره سبيل حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في مصر.
وعند الكاتب أن تواضع الإنجاز التنموي، وليس كبر حجم السكان أو ارتفاع معدل النمو فيه، هو أصل البلاء. وأن العودة إلي نغمة لوم زيادة السكان، يمثل، من ناحية، اعترافاً رسمياً، وإن كان مبطناً، باشتداد الأزمة الاقتصادية، وتوابعها الاجتماعية والسياسية، وافتضاح ادعاء نظام الحكم التسلطي بنجاح الإصلاح الاقتصادي، وهو ما كان النظام يحرص علي تجاهله حتي لم يعد هناك مناص من الإقرار باستشراء التعاسة الاقتصادية التي تجرها استراتيجية القهر والإفقار التي يتبناها نظام الحكم.
ولا شك في أن الاعتراف بوجود الأزمة هو أولي الخطوات اللازمة لمواجهتها. ولكن المواجهة الصحيحة تقتضي إرجاع الأزمة لمسبباتها الحقيقية وليس العودة إلي تعلة نمو السكان التي كنا نتصور أن الخطاب الرسمي قد تخطاها.
إن التهرب من مواجهة الأسباب الحقيقية للأزمة هو أسوأ من عدم الاعتراف بها. إذ يعني صرف الجهود عن التعامل مع جذور الأزمة إلي أمر عارض، مما يؤدي في النهاية إلي استفحال أسباب الأزمة، واستحكامها بمرور الوقت.
ولعله من المناسب بداية الإشارة إلي بعض الحقائق التي عادة ما تغيب في غمار طنطنة الإعلام الرسمي.
أولاً: إن حجم السكان محدد مهم للقوة في المعترك الدولي، وأن حجم سكان مصر «75 مليوناً في 2008» ليس هائلاً «يتعدي سكان الصين المليار نسمة ويقترب عدد سكان الهند من المليار نسمة- وكلاهما بلد يعتد به في المعترك الدولي».
كذلك يدور عدد سكان كل من تركيا وإيران- وكلاهما بلد له دور إقليمي مهم في جوار مصر- حول السبعين مليونا في 2005 ويزيد سكان أثيوبيا وتايلاند وإنجلترا وفرنسا علي الستين مليوناً في 2005. ويلاحظ أن مستوي التقدم الاقتصادي والاجتماعي يتباين جلياً بين مجموعة الدول هذه. والملاحظ أيضاً أن ليس واحد من هذه البلدان الخمسة يشكو من كبر حجم السكان، بل يشكو أحدها- فرنسا- من انخفاض نمو السكان عن مستوي ثبات الحجم، ويعوِّض الآخر- إنجلترا- تدني معدلات الإنجاب عبر الهجرة. إذن يتفاوت مستوي التقدم الاجتماعي والاقتصادي بيناً بين البلدان التي تقارب مصر في عدد السكان.
والواقع أنه لا توجد علاقة واضحة، علي صعيد العالم، بين حجم السكان ومستوي التقدم الاقتصادي والاجتماعي. فعند أي مستوي للتقدم تتفاوت بلدان العالم كثيراً بين خفة السكان وكثرتهم. مستوي التقدم يتحدد إذن بمعايير أخري عديدة خلاف حجم السكان.
ثانياً: إن معدل نمو السكان في مصر قد انخفض بدرجة ملحوظة في العقدين الأخيرين «من أكثر من 3% في منتصف الثمانينيات إلي أقل من 2% فقط في 2005» وهو معدل مناسب لمستوي التقدم الاجتماعي والاقتصادي السائد في مصر. بل هو في الواقع أقل من المتوسط، حيث يتراوح معدل نمو السكان في البلدان التي تقارب مصر في مستوي التقدم الاجتماعي والاقتصادي بين 2% و3%.
ومجمل الأمر أن لا حجم سكان مصر، ولا معدل النمو فيها، يمكن، في حد ذاته، أن يكون سبباً للأزمة التي يمر بها المجتمع المصري. فما هي أسباب الأزمة إذن؟
لنبدأ بعوارض الأزمة، ونجملها في انتشار البطالة، وتدني الإنتاجية، وتفاقم الفقر، وزيادة حدة التفاوت في توزيع الدخل، والثروة، ومن ثم في القوة السياسية. ومن طبائع الأمور أن هذه العوارض تتحول بدورها إلي مسببات للأزمة فتستحكم حلقة شريرة تستعصي علي الكسر دون مواجهة حاسمة.
فاستشراء البطالة وانخفاض الإنتاجية يؤديان إلي قلة الناتج الكلي للفرد. كما أن انتشار البطالة والفقر، وجموح الغلاء، مع زيادة الاستقطاب في توزيع الدخل، تؤدي إلي نقص القدرة الشرائية لدي الغالبية الساحقة من المصريين وتركيزها في أيدي قلة قليلة، ويعني ذلك، في النهاية، قلة الطلب الفعال علي السلع والخدمات وركود الأسواق.
ويؤدي تفاقم الاستقطاب في توزيع الدخل، وفي الثروة من خلال بيع القطاع العام، وإتاحة فرص الثراء السريع لأقلية حليفة للنخبة الحاكمة، إلي تركيز القوة السياسية في أيدي قلة قليلة، الأمر الذي يعني، في سياق نسق الحكم القهري، تفاقم قلة حيلة الفقراء وخفوت صوتهم في المعترك السياسي، فتتدني أولوية الحرص علي مصالحهم وتخفت من ثم جهود القضاء علي البطالة والفقر.
وقلة الاستثمار الحكومي، في سياق سياسة إعادة هيكلة المجتمع المصري علي النمط الرأسمالي الطليق، تحت دعاوي الإصلاح الاقتصادي، تؤدي إلي تباطؤ النشاط الإنتاجي، وقلة فرص العمل الجديدة، الأمر الذي يزيد مشكلات البطالة والفقر وتردي الإنتاجية تعقيداً.
ويزيد الطين بلة في سياق الرأسمالية الطليقة تزايد الاعتماد علي القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي. وقد تبني القطاع الخاص في مصر، ولا غرابة، نمط الاستثمار في المشروعات السهلة، سريعة الربحية، وكثيفة رأس المال، مثل الاستثمار العقاري للقادرين والمشروعات السياحية- التي لا تخلق فرص عمل يعتد بها في مواجهة أزمة البطالة ولا ترفع من الإنتاجية- حيث كان ثمن اقتراض مدخرات المصريين من البنوك بخساً، خاصة حينما يسرت علاقات الفساد من منح القروض. ويرتبط بذلك ما صار معروفاً للجميع الآن من تهريب بعض من كبار رجال الأعمال أرباحهم للخارج، بل هروبهم برأس المال المنهوب ذاته أحياناً. ولا يتوقف ضرر هذا السلوك الإجرامي علي احتمال ضياع أموال المودعين، بل يصل إلي حد تهديد سلامة الجهاز المصرفي ذاته، ومعروف أن تداعي الجهاز المصرفي هو أحد أهم مسببات الانهيارات الاقتصادية.
ويقودنا موضوع الفساد إلي مسبب آخر، نعده الأهم، للأزمة الحالية. لقد تحول النسق القيمي للمجتمع المصري بحيث أصبحت قيمة الإنسان، ومكانته الاجتماعية والسياسية، تقاس بممتلكاته المادية. واستقر في الوقت ذاته أن السبيل الأكيد، وربما الوحيد، للتراكم المالي الواسع في تعاطي الفساد بمختلف صوره. ويستحيل، والأمر كذلك، أن ينصرف عامة الناس إلي العمل المخلص والجهد الجاد الذي لا يحمل ثواباً من صنف ما صار مطلوباً في مصر. وغني عن البيان أن هذه الذهنية تعيق الاستثمار خاصة في المجالات الصعبة التي تسهم في ترقية الإنتاجية في المجتمع المصري أشد إعاقة، فيقل خلق فرص العمل ويطَّرد تدني الإنتاجية.
وكأن تقاعس القطاع الخاص عن الاستثمار في المجالات المطلوبة لدعم النسق الإنتاجي المصري وزيادة الإنتاجية لم يكف الحكومة، فانصرفت هي الأخري لنمط استثمار مماثل كثيف رأس المال، قليل العائد التنموي في منظوري خلق فرص العمل ورفع الإنتاجية، اكتفاء بالعائد الإعلامي الضخم الذي ساهمت أجهزتها في تضخيمه بلا مبرر.
هذه بعض من جذور الأزمة التي يتعين علي الدولة أن تواجهها، بكفاءة واقتدار، حتي لا يتحول الركود الحالي إلي كساد قد يصعب الخروج منه دون أبلغ الضرر. وليس في التعلق بمسألة زيادة السكان، كما يظهر لأي لبيب، مدخل لحل هذه المشكلات الاجتماعية والسياسية الخطيرة، وتلافي تبعاتها الاقتصادية.
غير أن مسألة «المشكلة السكانية» في مصر بحاجة لتأصيل.
فكثيراً ما تعتبر مصر بلداً يعاني من «مشكلة سكانية» تتمثل في كبر حجم السكان، وارتفاع معدل النمو السكاني، بالمقارنة بالموارد خلاف البشر«1».
وتضيف الصياغات الأشمل للمشكلة السكانية أبعاد فتوة التوزيع العمري للسكان «2» ، وتركز السكان في نسبة ضئيلة من مساحة البلد، وتدني «خصائص السكان» بمعني انخفاض مستوي التحصيل التعليمي والحالة الصحية مما يؤدي إلي انخفاض إنتاجية البشر.
ولكن الأكثر انتشاراً، نظراً لوقوف قوي دعم وتمويل ضخمة ورائها علي المعترك الدولي، هي الصياغة الأكثر فجاجة التي تسعي لتخفيض معدلات نمو السكان. والحجة بسيطة، ولكنها ساذجة: نمو السكان «يلتهم» إنجازات التنمية، فلابد من تقليل نمو السكان. والواقع أنه لو كانت هناك تنمية لما كانت هناك مشكلة أصلاً . ولكن «المشكلة السكانية» «مشجب» يتلهف علي التشدق به الحكم العاجز عن إحداث التنمية، والقوي الدولية التي لا تفهم التنمية إلا في سياق المنطق الرأسمالي الفج.
وتقوم أرقي صور الصياغة الأشمل للمشكلة السكانية، بحق، علي وجود علاقة تبادلية بين النواحي السكانية البحتة والسياق الاجتماعي والاقتصادي لها مما ينقل المشكلة السكانية إلي وضع قريب من ضعف «التنمية الإنسانية».
فكما يؤدي كبر حجم السكان، وسرعة نموهم، في إطار النمو المحدود المشوه القائم، إلي انعكاسات سالبة علي الرفاه في مصر، فإن السياق الاجتماعي والاقتصادي يحدد بدوره السلوك الاجتماعي والمعالم السكانية، بما في ذلك النمو والحجم. وعليه، باستبعاد الإجبار، لا تقوم للسياسات السكانية التي تهمل السياق الاجتماعي والاقتصادي فرصة للنجاح.
ومع ذلك، فإن برامج تخفيض معدلات الإنجاب التي تسعي لنشر ممارسة وسائل منع الحمل، تحت المسمي البراق «تنظيم الأسرة»، تقدم علي أنها «الحل»، وتوفر لها موارد كبيرة.
وعلي حين نري أن يكون تنظيم النسل، متاحاً بأعلي كفاءة ممكنة، لكل زوجين، كحق أساسي، فإن برامج حد الإنجاب لا يمكن أن تُعد «حلاً» للمشكلة السكانية في منظور التنمية البشرية. فالخبرة الإنسانية هي أن سياقاً اجتماعياً معيناً يتواءم مع معدلات إنجاب منخفضة، وإذا تحقق هذا السياق، فإن الأزواج يجدون طريقة فعالة لتنظيم النسل.
ولا يوجد سبب للاعتقاد بأنه يمكن توفير خدمات منع الحمل علي مستوي من الكفاءة أعلي كثيراً من الخدمات العامة المتردية، والتي تزداد تدهوراً.
والواقع أن «تنظيم الأسرة»، كحل للمشكلة السكانية، يؤدي إلي تحويل الاهتمام، والموارد، عن مكمن المشكلات الجوهرية في التنمية الإنسانية، مما يساعد علي تفاقم التخلف.
غير أن الأهم في تقديرنا هو أن الحد من الإنجاب في غياب تنمية حق، لا يرتب ميزات تذكر في تطوير المجتمعات المتخلفة التي توصم بأنها تعاني من مشكلة سكانية، بل قد يعود جزئياً إلي تعسر التنمية ويترافق مع استفحال أزمة التخلف.
وقد زادت ممارسة وسائل منع الحمل فعلاً في مصر بشكل ملحوظ عبر العقدين الماضيين. غير أن الأدلة المتاحة تؤكد الارتباط الوثيق بين مدي ممارسة منع الحمل والتقدم الاجتماعي والاقتصادي. فيقدر من مسوح «المعرفة والاتجاهات والممارسة» أنه بينما كانت المعرفة بوسائل منع الحمل الحديثة معممة تقريباً، كان مستوي ممارسة منع الحمل بين الأزواج 47% في التسعينيات. ولكن مستوي الممارسة ارتفع إلي 60% في المحافظات الحضرية علي حين لم يزد علي الربع في ريف الصعيد. والمؤكد لدينا أن زيادة ممارسة منع الحمل تعود، في المقام الأول، إلي تغيرات في السياق الاجتماعي والاقتصادي تستتبع تحولات في «المتغيرات الوسيطة» الخاصة بالزواج والإنجاب التي يزداد عبؤها الاجتماعي والاقتصادي باطراد، خاصة في المدن الكبري.
وهكذا نري أن انخفاض معدلات الإنجاب في مصر قد تحقق أساساً بين الشرائح الاجتماعية الأعلي دخلاً وتعليماً، خاصة في الحضر، والتي تعرضت إلي ضائقة اقتصادية متزايدة أدت إلي التأثير علي محددات أساسية لمستوي الإنجاب: انخفاض معدلات الزواج، وارتفاع سن الزواج، وتقليل الإنجاب أثناء الزواج من خلال ممارسة منع الحمل. وتميل هذه الشرائح الاجتماعية إلي تبني قيم وأنماط السلوك غير التقليدية إضافة إلي أن الأطفال لا يمثلون فيها أصلاً اقتصادياً كما هو الحال بالنسبة للشرائح الاجتماعية الأفقر. فالمعلوم أن استعمال وسائل منع الحمل يرتفع بين الأوساط الاجتماعية الأعلي في الحضر ويتدني إلي أقل مستوياته بين فقراء الريف.
بيد أن المفارقة الأقسي تتمثل في مقابلة هذا «النجاح» في مجال «السكان» بما تحقق، عبر نفس الفترة، في مضمار التنمية البشرية، والتي تقوم علي محاور ثلاثة: تطوير القدرات البشرية، وتوظيف هذه القدرات في إنتاج مكونات الرفاه البشري، ومستوي الرفاه الاجتماعي الناجم عن هذا التوظيف.
إذ تدل نتائج الدراسات المتأنية علي تعسر انتشار التعليم، واستحكام أزمة الأمية، وتدهور مستوي اكتساب المهارات الأساسية من خلال التعليم.
ويشير تفاقم البطالة السافرة، وجل من يعانوها من الشباب المتعلم، إلي تعاظم هدر الطاقات البشرية، المورد الأهم في بلد كمصر.
ويشي ازدياد الفقر بتهافت مستوي معيشة السواد الأعظم من السكان خاصة بالقياس علي القطاعات الأكثر تقدماً من البشرية.
ويزيد الطين بلة، تفاقم سوء توزيع الدخل والثروة في سياق إطلاق قوي السوق الشرسة التي تحابي الأغنياء وتفترس الفقراء في غياب نظم كريمة للضمان الاجتماعي.
فإذا استمرت الأوضاع علي ما كانت عليه إبان تحقيق «النجاح الباهر» في مجال السكان، فماذا سيحمل المستقبل؟
قد يقول قائل إن الوضع كان سيصبح بعد أسوأ لو لم تنخفض معدلات الإنجاب! ونجيب، ربما. ولكن فقط بصورة هامشية، وليس في الجوهر. تخفيض نمو السكان يتيح هامشاً صغيراً للتحسن، لاشك. ولكن التنمية هي تغيير جذري في الهيكل الاجتماعي والاقتصادي. وشتان بين الهامش والجوهر.
في حدود المعرفة الراهنة، يتوقع أن يدور عدد سكان مصر في العام 2025 حول المائة مليون نسمة.
ولن يكون الفارق الحاسم في مستقبل مصر ما إذا كان عدد سكانها مائة مليون، أو أكثر، أو أقل، بملايين قليلة. ولكن الفيصل سيكون إذا ما فتئت مصر في مطلع القرن القادم تعاني من السمات الهيكلية للتخلف المتفاقمة حالياً، أو ستجد طريقها لعملية إنماء حق، ترقي من قدرات البشر، وتوظفها بكفاءة، في إطار تنظيم اجتماعي منتج وعادل، وصولاً إلي تنام مطرد في رفاه عموم الناس.
في التحليل النهائي، نمو السكان في بلد كمصر ليس إلا مسألة ثانوية. والانشغال بها، دون الاهتمام بالأساسيات، مضيعة للوقت وللطاقات ينطوي علي تدويم للتخلف.
فقد مضي الوقت الذي كانت فيه تقاس درجة تقدم المجتمعات بالمؤشرات الاقتصادية، مثل نصيب الفرد من الناتج الكلي أو معدل النمو فيه، ناهيك عن الثروات الطبيعية، وبات الفارق في مدي اكتساب المعرفة، وفي القدرة علي اكتسابها، هو المحدد الأساسي لرقي المجتمعات حتي في نظر مؤسسة اقتصادية دولية كالبنك الدولي الذي خصص أحد تقاريره الأحدث نسبيا عن التنمية في العالم لموضوع «المعرفة للتنمية» (البنك الدولي، بالإنجليزية، 1999). جدير بالذكر أن المعرفة تكتسب عبر طرق ثلاثة: التعليم، والبحث العلمي، والتطوير التقاني (فالتقانة، في الأساس، معرفة تكتسب، وإن انتشر، في البلدان المتخلفة، الفهم الخاطئ بأن التقانة هي السلع والأدوات التي تتجسد فيها المعرفة).
ومعروف أن أنساق الحكم التسلطية تؤدي، في سياق الاقتصاد الرأسمالي المنفلت كحالنا في مصر، إلي إضعاف منظومة اكتساب المعرفة.
ليس من إنكار أن البشرية جمعاء تدخل حثيثاً عصر المعرفة.
فقد بات مستقراً أن المعرفة عنصر جوهري من عناصر الإنتاج، ومحدد أساسي للإنتاجية، بمعني أنه يقوم تضافر قوي بين اكتساب المعرفة والقدرة الإنتاجية في المجتمع. ويزداد هذا التضافر قوة في النشاطات الإنتاجية عالية القيمة المضافة التي تقوم، وبدرجة متزايدة، علي كثافة المعرفة، وعلي التقادم المتسارع للمعارف والقدرات. هذه النشاطات هي معقل القدرة التنافسية علي الصعيد العالمي، خاصة في المستقبل. وهي، من ثم، أحد المداخل الرئيسية للتنمية في البلدان النامية 4.
ومن ناحية أخري، فإن قلة المعرفة، وركود تطورها، يحكمان علي البلدان التي تعانيهما بضعف القدرة الإنتاجية وتضاؤل فرص التنمية. حتي إن «فجوة المعرفة» knowledge gap، وليس «فجوة الدخل»، أصبحت تعّد في نظر البنك الدولي المحدد الرئيسي لمقدرات الدول في العالم الآن. وجماع الرأي أن الفجوة في «القدرة علي إنتاج المعرفة» بين البلدان النامية وتلك المتقدمة بعد أضخم من فجوة المعرفة.
وهكذا فإن بعض البشر سيدخلون عصر المعرفة قادة وسادة بينما سيدخله البعض الآخر تابعين وعبيد.
وبناء علي ذلك، إن أردنا ترقية الحالة الإنسانية، تزداد الحاجة إلي العمل بجد علي تجاوز التخلف المعرفي، وإلي توظيف المعرفة بفاعلية، في المجتمعات التي تتردي فيها التنمية وتهن المعرفة، كما هو الحال في البلدان العربية.
ومعروف أن المعرفة معينها البشر ولكن أي بشر؟ ليس الجُهّل المهمشين، ولكن العارفين المبدعين، المبادرين والفاعلين.
وفي هذه المقابلة تكمن إجابة التساؤل المطروح هل زيادة السكان رصيد للتنمية أم عبء عليها؟ وتتكون الإجابة من شقين.
الأول: إن ظل المصريون علي حالهم الآن، قليلي المعرفة، منخفضي الإنتاجية، هامشيين في بلادهم وفي العالم، فستكون زيادة السكان كَلاً يورث تفاقم التخلف، وإن كانت أبعد ما يكون عن أن تكون سبب التخلف.
1- لا يلقي بالاً عادة، في الصياغات التقليدية للمشكلة السكانية، لنقطة الانطلاق الأولي للتنمية البشرية: إن «البشر هم الثروة الحقيقية للأمم».
2- أي زيادة نسبة السكان في الأعمار الصغيرة.
3- يحفل التاريخ، والعالم المعاصر، بأمثلة لمجتمعات لم تمتلك من أسباب العزة إلا البشر، وعليهم، فقط، بنت تقدمها. وبالمقابل، هناك أمثلة علي أن أغني الثروات الطبيعية لا توازي شروي نقير مع تدني نوعية البشر.
4- يحمل تقرير البنك الدولي للعام «98/1999» عنوان «المعرفة للتنمية» وينشئ صلة جوهرية بين اكتساب المعرفة والتقدم الإنساني، ويؤكد ضرورة أن تقوم الدولة، أو تجمعات من الدول، بدور فعال في مجال اكتساب المعرفة نظراً لاشتهار «سوق المعرفة» بالفشل، بمعني أن حافز الربح لا يكفي لقيام منظومة مجتمعية فعالة لاكتساب المعرفة، خاصة في البلدان النامية