الجمعة، سبتمبر 05، 2008

الحزب الواطي!

مرافعة إبراهيم عيسي

يستميت رجال الحزب الوطني في الحكم والإعلام في التنصل من قضية هشام طلعت مصطفي وسارعوا ليأخذونا بالصوت حتي لا نغلبهم وزعموا أن إحالة هشام طلعت مصطفي لمحكمة الجنايات تعبير عن:

1- نظام حكم لا يهمه سوي القانون..

وأغلب الظن أن هذه الحجة التي يتشبث بها رجال الحكم دفاعا عن أنفسهم وهجومًا استباقيًا علي معارضيهم تغفل السؤال الجوهري هنا وهو أي قانون تقصدون؟ فالذي يصنع القانون ويؤلفه ويطبخه ويصفق موافقة عليه في البرلمان ليس الشعب ولكن مجلس الشعب..والشوري، والقوانين صارت في خدمة السادة وأصحاب السيادة في هذا البلد ويتم تطبيقها علي كيف ومزاج النظام فهذا اتركوه وهذا أدبوه وفسحوه، ومع ذلك فكأنه بهذا اللغو الذي يدافع به رجالات الحزب الحاكم عن حكمهم يطلبون منا أن نشكر ونحمد الحكومة أنها تحاسب متهمًا بالقتل؟ هل هذا إجراء استثنائي فريد تتخذه الحكومة ومن ثم وجب علينا إرسال برقيات الشكر والتهنئة للسيد الرئيس بمناسبة تطبيق القانون! الحقيقة أن هذا الإلحاح الذي بدا فجًا «وبلدي قوي» علي نقاء وطهارة الحكومة بدليل ما فعلته من إحالة هشام طلعت مصطفي نائب الوطني والملياردير الممول للحزب الوطني إلي المحكمة، إنما هو تعبير فعلا عن اعتقاد النظام أن الناس لا تثق في احترامه واعتباره للقانون، ومن ثم فالتهليل للإحالة أوضح لكل ذي عين تري أنه إجراء يثير الشك، طالما أن الدولة تريد عليه الشكر والمديح والثناء فلا يمتدح شعب دولته علي تطبيق القانون إلا لو كانت هذه مرة استثنائية ونادرة يتم فيها تنفيذ القانون، ومع ذلك فالإحساس الراسخ لدي كثيرين في الدوائر السياسية والاقتصادية أن هذا الإجراء كان تعبيرًا عن ضغوط وصراعات أكثر منه تعبيرًا عن احترام القانون (هل يا تري لدي الدولة أجهزة لقياس الرأي العام تعرف رأي الناس الحقيقي فيما يجري أم أنها تقارير موظفين منافقين يرفعونها لمسئولين مرتجفين فيرفعونها لمسئولين أرفع لا يقرأون أصلاً).

2- النقطة الثانية التي حرص عليها محامو النظام أن خطأ رجل أعمال أو اثنين أو ثلاثة أو عشرة من قيادات الحزب وأعضائه في الشعب والشوري لا يوصم الحزب كله بالسوء والانحراف ولكن يعيب ومن ثم يصيب هذه العناصر فقط......

والحقيقة هنا أيضًا أن أي حزب ديمقراطي في العالم يتأثر بفضائح تنسب لرجاله وقياداته، أقول يتأثر وأضيف بل يسقط كذلك ويفشل في الانتخابات بشرط أن يكون هذا حزبًا حقيقيًا وليس ورقيًا وهميًا ويكون حزبًا يحتكم للجماهير ولا يزور الانتخابات ويفوز بأمناء الشرطة وليس بأمناء الحزب، كل أحزاب الدنيا (الديمقراطية طبعًا) تتأثر وتهتز بفضائح قياداتها، بل جريمة أو حادثة ولو حادثة طلاق لزعيم في الحزب أو عضو قيادي أو ممول للحزب أو نوابه في البرلمان تكفي لتراجع شعبية الحزب وفقدان الناس (بما فيه أعضاؤه) للثقة في قيادتهم سواء من حيث قدرتها علي الاختيار والتصعيد أو علي الرقابة والمتابعة أو علي المحاسبة والمساءلة، فأي محاولة لإخراج الحزب الوطني من حفرة فضائح رجاله محاولة فاشلة قطعًا، ولكنه حزب يحترف تجاهل الرأي العام والاستخفاف بالناس وتجاهل المواطنين واستعماء البلد وتضليل الوعي فهل يهمه ما نقوله، بالقطع لا وبالطبع لن تتحرك شعرة في رأسه مما جري من فضائح رجاله، ويبدو أن الحزب ورجاله ينسون ما هو مؤكد في علم السياسة وواقع الحكم وهو المسئولية الأخلاقية للحزب ولقياداته أمام الجماهير، لكننا نفشل في إقناع الحزب الوطني بمسئوليته السياسية، فهل سننجح أصلا في إقناعه بالمسئولية الأخلاقية؟.. وأغلب الظن أن جهاز الأمن سوف ينصح رجال الحكم (أو العكس بأن يطلب رجال الحكم من جهاز الأمن) اختلاق ونشر قصة فضائحية لأي من المشاهير (ويا حبذا لو كان مشهورًا في الوسط الفني ويا سلام بقي لو شيخًا أو معارضًا تبقي تمام يا أفندم وتستاهل ترقية) كي يصنعوا دخانًا وضبابًا علي قضية سوزان تميم وتداعياتها فهذه دائما وسيلة الحكومة في التنصل من مسئوليتها الأخلاقية أن تقول «لا تعايرني ولا أعايرك ده الهم طايلني وطايلك».

3- النقطة الدفاعية (أو بالأحري الهجومية) التي اعتمدها محامو الوطني في الإعلام المطبوع والمرئي هو أنه لا يجب أن تتأثر شركات طلعت مصطفي بما جري ويجب حمايتها من التأثر في البورصة والسوق.

وهذه أيضا نقطة تتجاهل الواقع تمامًا، فالمؤكد أن كل الشركات في كل أنحاء العالم عندما يسقط أحد أصحابها أو مساهميها في اتهامات جنائية أو سياسية من هذا النوع فإنها تتأثر وتتراجع أسهمها وهذا جزء أصيل من قيم السوق وقواعده، والعكس هو الذي يثير استغرابًا وشكًا في الواقع ويؤكد وجود تدخلات قاصدة متعمدة في توجيه مؤشرات السوق!! وهو أمر يضرب شرف وفضيلة السوق في جذوره، أما التأثير الذي يقع علي شركات هشام طلعت من جراء تلك القضية فدعني أذكركم أن حادثة مقتل المطربة ذكري برصاص رجل الأعمال الشهير أيمن السويدي الذي ينتمي لأسرة محترمة وعريقة في عالم المال والتجارة مثل عائلة طلعت مصطفي لم تترك آثارها علي القوة الاقتصادية لمجموعة الأسرة المالية لأن الحادثة لم يكن طرفها قياديًا في الحزب الوطني وعضوًا بمجلس شوري بل مجرد مليونير ارتكب جرمًا وانتحر، فالقصة ظلت في بعدها الشخصي، أما هشام طلعت فهو رجل سياسة بارز للغاية وواحد من صناع قرار الحزب الوطني ووجه مهم إلي جانب جمال مبارك في أمانة السياسات ولا تنس أن اسمه كان مطروحًا بقوة كوزير للإسكان، ومن ثم فإن السياسة التي اكسبت هشام طلعت مكاسب هائلة وامتيازات مثيرة للجدل واستثمارات خرافية الربح هي نفسها التي تؤثر عليه الآن سلبًا وسلبية والذي يستفيد ويثري ماليًا مستخدمًا السياسة يجب أن يعرف أنه قد يخسر ماليًا بالسياسة أيضًا، واللي يرضي بالخوخ هنا يرضي كذلك بشرابه!

ليست هناك تعليقات: